أحد معارفي تلقى عرضاً وظيفياً مغرياً للغاية من الناحية المادية والمعنوية في منصب تنفيذي ذي علاقة بالتسويق، ولكنه لم يتردد في الاعتذار عن قبول ذلك العرض المغري. كان ذلك القرار محل استغراب من أفراد عائلته وأصدقائه المقربين، فلماذا يرفض مثل هذا العرض بالراتب العالي والمزايا المالية المميزة في منظمة معروفة؟ لكنه أجاب بكل هدوء: "لا يمكن أن أقبل بالعمل هناك. صحيح أن الراتب والمزايا مغرية ومسمى المنصب براق، لكن ذلك المكان سمعته سيئة في التعامل مع الموظفين والقيادات التنفيذية، ولذلك تكثر الاستقالات ولا يبقى الموظفون هنالك لفترات طويلة، وأكبر دليل هو الإعلانات المتكررة عن المناصب نفسها في مواقع التوظيف كل عدة أشهر، ناهيك عن أحاديث الموظفين الذين استقالوا وهربوا من تلك البيئة السامة والمديرين السيئين فيها، ولست مستعداً للمغامرة بمسيرتي المهنية الناجحة بالعمل في مكان بهذه المواصفات". مقالة اليوم بعنوان: لماذا يرفضون العروض الوظيفية؟ تروي خبيرة الموارد البشرية السيدة بريجيت هياسينث حواراً بينها وبين أحد عملائها من مسؤولي شركة كبرى حول مرشحة كانت الشركة ترغب باستقطابها كما يلي: بريجيت: لقد قبلت المرشحة عرضاً آخر من شركة منافسة. العميل: اعتقدت أنها أحبت شركتنا حقاً. بريجيت: هذا صحيح، لقد أحبت شركتكم. العميل: لا أفهم لماذا تتخلى عن مستقبل عظيم هنا في شركتنا؟ بريجيت: إنها موهوبة جداً، سيكون لها مستقبل عظيم في أي مكان تختاره. العميل: لكننا الشركة رقم.. في القطاع الذي نعمل فيه! وتعلق السيدة بريجيت بقولها: "تحتاج الشركات إلى إدراك أن المقابلات ذات اتجاهين، فأنت لا تختار المرشح فقط، بل المرشح يقوم باختيارك أيضاً، فبينما تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر لتوظيف شخص ما، يخضع فيها المرشحون لمقابلات واختبارات متعددة، تدرك شركة أخرى قيمة المرشح وتقدم له عرضاً أعلى بكثير من نطاق السوق". ولكي أبسط المسألة أكثر، ففي زمن مضى كانت الشركات وجهات التوظيف هي المتحكمة بشكل كبير بعملية التوظيف عبر تقديم الفرصة للمرشحين للتوظيف والعمل فيها، وكان يترتب على ذلك أن يدخل المرشح في مقابلات كثيرة واختبارات متعددة تستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً جداً، وكان اسم الشركة أو المنظمة والعرض الوظيفي كافياً لإغراء أي مرشح للعمل، ولكن هذا الوضع تغير كثيراً، أصبحت الكفاءات تمتلك قوة التفاوض والقدرة على تقييم المنظمات ليس عبر العرض الوظيفي فحسب، بل عبر ثقافة العمل والتعامل في المقابلات الشخصية وسمعة المنظمة والشركة من الموظفين الذين يعملون بها أو الذين استقالوا منها. أضف إلى ذلك أن الأجيال الصاعدة أصبحت تبحث عن القيمة والمعنى وراء العمل الذي تقوم به، بكلمة أخرى يريد الموظف أو القيادي أن يعرف الدافع والهدف السامي الذي سيجعله يتحمل كل الصعاب والضغوط والتحديات كل يوم وكل ساعة في سبيل تنفيذ المهام المطلوبة منه، سواء كان ذلك لهدف نبيل له علاقة بالبيئة أو الأمن أو الصحة أو سعادة المجتمعات والبشرية وغيره. أما إذا كانت الإدارة ومسؤولو الموارد البشرية يعتقدون أن الراتب وحده يكفي كدافع في هذا الزمن فعليهم أن يراجعوا حساباتهم ويجددوا معلوماتهم بشكل كبير. وللإجابة عن السؤال: لماذا ترفض الكفاءات العروض الوظيفية؟ فهنالك عوامل عديدة من أهمها: * غياب الهدف النبيل والقيمة السامية من العمل. * طول إجراءات التوظيف والتعامل السيء من الموارد البشرية. * عدم استشعار التقدير خلال المقابلات الوظيفية. * السمعة السيئة عن بيئة العمل والمديرين في المنظمة من الموظفين الحاليين والسابقين. * عدم وضوح الرؤية المستقبلية للمنظمة وفرص النجاح والتطور المهني. * ضعف الحوافز المادية أو المعنوية كبرامج التدريب والتأمين الصحي وغيرها. وباختصار، لتستقطب أفضل الكفاءات للعمل في منظمتك، اصنع بيئة عمل صحية وثقافة منظمة تدعم النجاح وتحفز للعطاء والإبداع، استثمر في الموظفين وفي الموارد البشرية وامنحهم ما يستحقون من تقدير مادي ومعنوي، حقق الإنجازات الكبيرة واحتفل بها وستجد الكفاءات تتسابق للعمل معك.