من الأمور التي اهتممت بها كثيراً منذ صغري موضوع «الحياة الافتراضية»، تلك التي تتشعب اليوم في حياتنا بشكل ملموس، وتغزو كل تفاصيلنا في ظل وجود التقنية الحديثة التي أدخلتنا عوالم الدهشة، وكل يوم بتنا نستمع إلى الجديد الأكثر إثارة في هذا الجانب. الحياة الافتراضية يا سادتي بدأت مع الإنسان منذ فجر التاريخ البشري، وهو ذات اليوم الذي كان الإنسان ولا يزال يخاف المجهول، فالإنسان الأول البدائي - إنسان الغابة - كان يخاف من السباع، والضباع، وكل أنواع الحيوانات المفترسة، وربما يخاف الإنسان من نفسه، أو ممن هم من جنسه، فنسج في مخيلته بدايات الحكايات الأسطورية التي أصبحت فيما بعد عوالم ميتافيزيقية مدهشة، ومحلقة، بكل ما فيها من غرائبية. في ظني أن الميتافيزيقي بكل أشكاله خلق عالماً افتراضياً ظل لحقبة من الزمان ولا يزال مهيمناً علينا نحن بني البشر. إن العوالم الافتراضية اليوم تتعدد وتتشكل، ابتداء من اختراع الهاتف ونقل الصوت إلى الذكاء الإلكتروني، وعوالم الميتا فيرس التي تحدثت عنها في المقال السابق، لأنك على سبيل المثال عندما تتحدث هاتفياً مع شخص ما، أينما كان قابعاً في هذا الكوكب، فإنك بلا شك تعيش لحظات من العالم الافتراضي، لأن الطرف الآخر - محدثك - لا يدخل في نطاق الشيئي المحسوس أمامك، سوى صوتاً؛ وحاسة الصوت تجعلك تدخل في حالة من التخيل، للطرف الآخر بالذات لو لم تكن تعرف ذلك الشخص، أو حتى لو كنت تعرفه، ربما تعيش لحظة تخيل ترتبط بالمكان الذي يجلس فيه، والحالة والهيئة اللتين هو عليهما الآن. ولو فرضنا أن المكالمة تحولت إلى صوتية مرئية، فإن حجم الحالة الافتراضية سيقل، لأنك بدأت تدخل في عالم المحسوسات والمدركات من خلال السمع والنظر. إن العوالم الافتراضية تحاصرنا اليوم بشكل كبير، فمثلاً «السوشل ميديا» تعج اليوم بهذه العوالم، فانخراطك ضمن قروب على «الوتساب»، يجعلك تعيش حالة افتراضية من خلال أعضاء القروب الذين سيمثلون بالنسبة لك أسرة صغيرة تربطك بهم علاقة من نوع خاص، وربما تكون لا تعرف عدداً منهم سوى بالاسم فقط، لكنك تتواصل معهم بشكل يومي، وربما تعيش لحظات من المرح أو لحظات من السعادة، أو حتى التعاسة، وربما الشجار أو خلاف ذلك، فهي تمثل حياة افتراضية شبه كاملة، وهو ما ينساق أو ينطبق تماماً على كثير من تطبيقات ومنصات «السوشل ميديا والنت» عموماً. إذاً نحن نعيش اليوم حيوات افتراضية عديدة، تتمازج كثيراً مع واقعنا، وتتماهى معه بشكل كبير، الأمر الذي جعل من بعض فلاسفة هذا العصر يطرح سؤالاً مهماً، (هل نحن أساساً في حياتنا الواقعية نعيش أصلاً حياة افتراضية) وهو سؤال مشروع، أو (هل نحن كنا نعيش حياة افتراضية لكن وصل بنا الأمر من خلال تطور الذكاء البشري إلى إدراك أنفسنا)، ومن ثم السيطرة على الواقع والتعرف على بعضنا البعض، وهل هذا الأمر يمكن أن يحدث يوماً للذكاء الإلكتروني عبر الروبوت، ويصبح في يوم ما قادراً على إدراك ذاته ومن ثم الهيمنة على الأرض والقضاء علينا كبشر. أسئلة فلسفية كثيرة، أعتبرها شخصياً أسئلة مشروعة، وتثير كثيراً من الشفقة على إنسان اليوم. د. خالد الخضري