قال الرئيس الأميركي جو بايدن، «السبت»: إن أي عمل يُعرّض الأميركيين لخطر في أفغانستان سيقابل برد عسكري أميركي سريع وقوي. وقال بايدن في بيان نشره البيت الأبيض: «على مدار الأيام العديدة الماضية، كنت على اتصال وثيق مع فريقي للأمن القومي لتوجيههم بشأن كيفية حماية مصالحنا وقيمنا بينما ننهي مهمتنا العسكرية في أفغانستان». غني يستجدي المجتمع الدولي وأضاف: «بناءً على توصيات فرقنا الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية، فقد سمحت بنشر ما يقرب من خمسة آلاف جندي أميركي للتأكد من أنه يمكننا إجراء انسحاب منظم وآمن للأفراد الأميركيين وغيرهم من أفراد الحلفاء، ومن أجل إجلاء منظم وآمن للأفغان الذين ساعدوا قواتنا خلال مهمتنا وأولئك المعرضين لخطر خاص من تقدم طالبان». الأسلحة الأميركية غنيمة بيد طالبان وتابع الرئيس الأميركي: «لقد أمرت قواتنا المسلحة ومجتمعنا الاستخباراتي بضمان الحفاظ على القدرة واليقظة لمواجهة التهديدات الإرهابية المستقبلية من أفغانستان». وأوضح: «لقد وجهت وزير الخارجية بدعم الرئيس أشرف غني والقادة الأفغان الآخرين في سعيهم لمنع المزيد من إراقة الدماء والسعي إلى تسوية سياسية، كما سيتواصل الوزير أنتوني بلينكين مع أصحاب المصلحة الإقليميين الرئيسيين». وقال بايدن: «لقد أبلغنا ممثلي طالبان في الدوحة، عبر قائدنا المقاتل، أن أي عمل من جانبهم على الأرض في أفغانستان، يعرض الأفراد الأميركيين أو مهمتنا هناك للخطر، سيواجهه برد سريع وقوي من الجيش الأميركي». مزار شريف تسقط إلى ذلك، استولى مسلحو طالبان على مدينة مزار الشريف الأفغانية شمالي البلاد، وهى واحدة من أكبر المدن الأفغانية، بحسب ما ذكره مصدر أمني ومسؤول محلي، بينما يواصل المتمردون تقدمهم باتجاه العاصمة كابول. ويسيطر المسلحون على جميع المباني الحكومية الرئيسية في مزار الشريف بما فيها مكتب الحاكم، وتتعرض المدينة، وهي عاصمة ولاية بلخ، لهجمات ضارية منذ أسبوع تقريبا، وشكّل زعيمان إقليمان قويان هما عطا محمد نور والمارشال عبدالرشيد دوستم مقاومة شديدة في الولاية. وقال عضو مجلس الولاية صبي الله كاكار إن المدينة تخضع الآن تماما لسيطرة طالبان، وأن الفيلق 209 بالجيش سقط أيضا بعد اتفاق مع المسلحين المتشددين، وذكر كاكار أن جميع المكاسب التي تحققت خلال ال 20 عاما الماضية قد ذهبت هباء. وقيل إن دوستم ونور فرا إلى هيراتان، وهي بلدة تقع على الحدود الأوزبكية، ومن المتوقع أن يتبعهما أفراد آخرون من قوات الأمن، ويعني المكسب الأخير للمسلحين أن القوات الحكومية لا تحتفظ الآن إلا بمدينتين رئيسيتين هما كابول وجلال أباد. وفي وقت سابق من أمس السبت، سيطر المسلحون على اثنتين من عواصمالولايات ليصل إجمالي عدد العواصم التي تسيطر عليها الحركة حتى الآن 21 من بين 34 عاصمة ولاية في أنحاء البلاد. غني يستجدي وذكر الرئيس الأفغاني، أشرف غني أمس السبت أنه يلجأ إلى المجتمع الدولي طلبا للمساعدة، في الوقت الذي تحقق فيه حركة طالبان مكاسب إقليمية سريعة في الفراغ، الذي خلفه انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في البلاد. ونقلت وكالة "بلومبرغ" للأنباء عن غني قوله في خطاب متلفز إنه يجري محادثات مع زعماء العالم لبحث الوضع في البلاد، حيث إنه في غضون بضعة أسابيع سيطرت طالبان على عواصم إقليمية رئيسة ومراكز جمركية على الحدود، مما أضر بشكل كبير بعائدات البلاد. ولم يقدم غني سوى تفاصيل ضئيلة، حيث إنه لم يوضح على الفور ما طبيعة المساعدات التي يتوقعها من الغرب ومن جيرانه الإقليميين. كانت معظم القوات الأجنبية قد انسحبت بالفعل من البلاد ومن المقرر أن تغادر القوات الباقية بحلول 31 أغسطس الجاري. وأعرب غني عن قلقه بشأن ظروف آلاف من النازحين، الذين فروا إلى العاصمة الوطنية خلال الأسابيع القليلة الماضية. وبين غني أن إعادة تعبئة القوات المسلحة المحاصرة، تعد أولوية رئيسة لحكومته المحاصرة بالمشكلات، مع اقتراب طالبان من العاصمة، بعد أن سيطرت على مساحات شاسعة من البلاد، في غضون أيام. وفي خطابه إلى الأمة، في رسالة فيديو مسجلة مسبقا، قال غني إنه يدرك الوضع الرهيب الذي تشهده البلاد، بعد سيطرة طالبان على عاصمة الولاية ال19، السبت وتقدمها نحو كابول. وتابع غني أنه يركز على منع المزيد من العنف والنزوح ولم يرغب في رؤية تحطم إنجازات السنوات ال20 الماضية على أيدي الجماعة المتطرفة. وبينما تدور تكهنات بأن غني سيعلن استقالته، إلا أنه لم يلمح إلى أنه سيستقيل. وأضاف غني أنه يجري مشاورات بين الحكومة ومختلف الزعماء السياسيين وشرائح من المجتمع الأفغاني بالإضافة إلى المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة، لكنه لم يقدم المزيد من التفاصيل حول طبيعة خططه. ووردت أنباء عن نشوب قتال بين قوات موالية للحكومة ومقاتلي طالبان في خمس ولايات أفغانية على الأقل السبت. وتسيطر طالبان على 19 من 34 عاصمة ولاية. وتهدد الأزمة بأن تمتد إلى خارج حدود البلاد وتسبب في موجات من اللاجئين إلى دول مجاورة وبعيدة مثل أوروبا. وكان آخر ظهور لغني يوم الأربعاء الماضي في مدينة "مزار شريف" شمال البلاد، حيث شن المسلحون هجوما متعدد الجوانب، صباح السبت. وسيطرت طالبان على معظم شمال وغرب وجنوبأفغانستان وتقاتل الآن القوات الحكومية، على بعد 11 كيلومترا فقط، جنوب العاصمة، كابول. بدوره ذكر مسؤول أميركي أن قوات أميركية بدأت في التوافد على كابول للمساعدة في إجلاء موظفي السفارة ومدنيين آخرين. وذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن كتيبتين من مشاة البحرية وثالثة من سلاح المشاة ستصل إلى كابول بحلول مساء الأحد، وتضم القوة نحو ثلاثة آلاف جندي. وقال المسؤول لرويترز طالبا عدم نشر اسمه "لقد بدؤوا في الوصول. سيصلون تباعا حتى الأحد". وأوضح البنتاغون إن فريقا قتاليا من المشاة سينتقل أيضا من فورت براغ بولاية نورث كارولاينا إلى الكويت للعمل كقوة رد سريع لفرض الأمن في كابول إذا لزم الأمر. وترسل بريطانيا وبلدان غربية أخرى جنودا إلى أفغانستان في ظل انهيار مقاومة القوات الحكومية الأفغانية ومخاوف من هجوم طالبان على كابول خلال أيام. حرق وثائق قال مسؤول دفاعي أميركي قبل السقوط بل علم إن ثمة مخاوف من أن تهاجم طالبان كابول في غضون أيام. وقال جون كيربي المتحدث باسم البنتاغون "كابول ليست في حالة خطر وشيك، لكن من الواضح. أننا حين ننظر إلى ما تفعله طالبان فسنرى أنها تحاول عزل كابول". وذكر دبلوماسيون أن بعض السفارات بدأت في حرق مواد حساسة قبيل إجلاء موظفيها. وأخطرت السفارة الأميركية في كابول موظفيها في مذكرة بأنها وفرت صناديق حرق للقضاء على الأوراق والأجهزة الإلكترونية وغيرها بهدف "تقليل حجم المواد الحساسة بالمنشأة". وحذر أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة من أن "أفغانستان تخرج عن السيطرة" وحث جميع الأطراف على فعل المزيد لحماية المدنيين. وقال للصحفيين في نيويورك "حان وقت وقف الهجوم. حان وقت بدء مفاوضات جادة. هذا وقت تحاشي حرب أهلية طويلة الأمد أو عزل أفغانستان". وكانت الولاياتالمتحدة قد أنفقت الولاياتالمتحدة خلال عشرين عاماً مئات مليارات الدولارات لتدريب الجيش الأفغاني وتجهيزه، لكن ذلك لم يمنع القوات الأفغانية من الانهيار أمام هجوم طالبان التي باتت تملك ترسانة هائلة غنمتها خلال الأيام الماضية. في يوليو قال الرئيس الأميركي جو بايدن "لقد قدّمنا لشركائنا الأفغان كل الأدوات، دعوني أشدد على ذلك، كل الأدوات"، أثناء دفاعه عن قراره سحب ما تبقى من القوات الأميركية من البلاد وترك الأفغان يقاتلون من أجل مستقبلهم. إلا أن عناصر قوات الأمن الأفغانية لم يبدوا رغبة كبيرة في القتال. فقد ألقى الآلاف من بينهم أسلحتهم، أحياناً من دون أدنى مقاومة. وسارع متمردو طالبان من جانبهم إلى وضع يدهم على هذه "الأدوات". تنتشر بشكل واسع على مواقع إلكترونية موالية لطالبان مقاطع فيديو تُظهر مقاتلين من الحركة يصادرون شحنة أسلحة هنا أو هناك، ومعظمها مقدّم من قوى غربية. في صور أخرى لجنود يستسلمون أمام مقاتلي طالبان في مدينة قندوز في شمال شرق البلاد، تظهر آليات مصفّحة ومجهّزة بقاذفات صواريخ بين أيدي المتمردين. في مدينة فرح الغربية، يسيّر مقاتلون دوريات في الشوارع على متن آلية رُسم عليها نسر يهاجم أفعى، وهي الشارة الرسمية لأجهزة الاستخبارات الأفغانية. توضح جوستين فليشنر من مؤسسة بحوث التسلح أثناء النزاعات (كونفليكت أرمامنت ريسرتش) أنه رغم أن القوات الأميركية أخذت معها أثناء انسحابها المعدّات التي تُعدّ "متطوّرة"، إلا أن متمردي طالبان استحوذوا على "مركبات وآليات هامفي وأسلحة خفيفة وذخيرة". نعمة كبيرة يرى الخبراء أن هذه الغنيمة غير المتوقعة ساعدت إلى حدّ بعيد طالبان الذين بامكانهم أيضاً الاعتماد على مصادرهم الخاصة للحصول على أسلحة. واتُّهمت باكستان خصوصاً بتمويل مقاتلي طالبان وتسليحهم، الأمر الذي نفته على الدوام. يعتبر الخبير في كلية "اس. راجاراتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة رافايلو بانتوتشي أن هذا التسلح لن يساعد طالبان في الوصول إلى كابول فحسب، إنما كذلك في "تعزيز سلطتهم" في المدن التي سيطروا عليها. مع الانسحاب شبه الكامل للقوات الأميركية، يجد متمردو طالبان أنفسهم يملكون عدداً كبيراً من المعدّات الأميركية، من دون الحاجة إلى إنفاق فلس واحد للحصول عليها. وأضاف بانتوتشي "إنه أمر خطير للغاية. من الواضح أنه نعمة سقطت عليهم". قبل أسابيع من الذكرى العشرين لاعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة، تعرض طالبان بزهو هذه الترسانة وتواصل بحسب الأممالمتحدة، إقامة روابط وثيقة مع تنظيم القاعدة الذي يقف خلف هذه الاعتداءات. يوضح جايسون أمريني وهو عنصر سابق في القوات الأميركية الخاصة شارك في غزو أفغانستان عام 2001 لطرد طالبان من الحكم، أن الأميركيين كانوا مستعدّين لفكرة أن مقاتلي طالبان سيستحوذون على بعض الأسلحة، لكن سقوط المدن بشكل سريع في أيدي المتمردين كان السيناريو الأكثر تشاؤماً بالنسبة لهم. ويقول "الولاياتالمتحدة جهّزت الجيش الوطني الأفغاني مفترضةً أن الأسلحة والمعدات يمكن أن تقع في أيدي طالبان" مضيفاً "الأزمة الحالية كانت السيناريو الأسوأ، عندما اتُخذت قرارات شراء" المعدات. صورة ملتقطة من فيديو متداول يظهر استيلاء طالبان على إحدى الولايات (رويترز)