يتذوق الغالبية من الناس الجمال وغالباً لا يمعنون التفكير فيه ولا يرهقون أنفسهم بمحاولة فهمه فمثلاً سؤال مثل: ما الجمال؟ أو (ما الذي يجعل هذا الجميل جميلاً؟) هذا السؤال لا معنى له في رأي البعض وقد يجيب البعض على نفسه بقول هو جميل فحسب.! وهنا ينتهي كل شيء.. لكن هذا السؤال في الحقيقة هو بداية كل شيء في فلسفة الجمال تحديداً وأرهق محاولة فهمه جهابذة من فلاسفة الجمال منذ باومجارتن الذي وضع بنية علم الجمال والمشتغلين بالجمال لاحقاً حتى يومنا هذا فهو محير ومعقد غاية التعقيد. فعندما نريد أن نفهم جمال المرأة سيظن البعض الجمال الحي هو أعظم أنواع الجمال ولكن سرعان ما يتحول لقاعدة تقول (عندما يذبل هذا الجمال مع تقدم العمر فإن الزمن سيفسده)..! ولذا تجد من يقاوم حقيقة تقدم العمر بشتى الطرق لأنه يثق بإفراط في هذه القاعدة وتتحول قضية الرغبة في إبراز الجمال غاية في ذاتها وهنا تنشأ إشكالات كبرى قد تحرفنا عن هدفنا عن فهم الجمال لكننا لا نستطيع اليوم أن نفصلها عن السعي المستمر للجمال وهو ما يحدث من خلال مراكز التجميل التي يكون غايتها تلك المعايير الجمالية التي ينتجها الخطاب الإعلامي العالمي من أفكار تتحول لقوالب تحدد معايير الجمال فلم نعد غالبا قادرين على مقاومتها كمجتمع مستهلك لهذا الفضاء الإعلامي أو حتى نقدها وتحليلها وطرح سؤال عن حقيقة هذا الجمال فإذا كانت معايير الجمال التقليدية في الصين (أن يكون قدم المرأة صغيراً جداً). وقدر لهذا المعيار الجمالي أن يظهر يوماً على سطح الإعلام ويفرض نفسه ويتم الترويج له فهل تتسابق النساء مستقبلاً على تصغير أقدامهن.! ولكن، هل المرأة في الأصل جميلة بالمطلق؟ أم أن جمال المرأة يقف خلفه دوافع وحاجات بيلوجية وثقافية؟، في الحقيقة أن جمال المرأة لا يمكن أن يكون مطلقاً بل هو جمال نسبي يختلف باختلاف الثقافة واللون العرق والعصر الذي ننتمي له أما الجمال الطبيعي فهو جمال مطلق في عصر كان وفي كل ثقافة قديماً كانت أو حديثاً ولا تحتاج لكثير جهد ليتفق معك الآخر على مشهد فاتن لشواطئ كالفورنيا وقت المغيب أو لجمال شلالات أورغون الفاتنة أو لبحيرات نيوزلاندا، أما جمال (المرأة) فهو جمال نسبي وقبل أن تصدر حكمك الجمالي في المرأة يجب أن تسأل نفسك: في أي عصر تعيش هذه المرأة؟ لأن كل عصر تختلف فيه قيم الجمال عن غيره بدءًا من الأزياء ومساحيق الألوان حتى التلاعب في الجسد ففي العصر الجاهلي كانت المرأة الأكثر سمنة هي الأجمل بخلاف ما يحدث اليوم، ويجب أن تسأل نفسك أيضاً، في أي ثقافة تعيش لأن قيم الثقافة والدين والعادات والتقاليد هي التي تحدد معايير الجمال للمرأة وهذه المعايير توجه الأحكام الجمالية في هذه الثقافة. ولذا بقدر ما سيكون الحكم الجمالي وفق الثقافة التي ننتمي لها أو تلك التي تؤثر فينا بقدر ما سيكون الحكم الجمالي الذي نظنه صحيحاً مشوهاً وغير دقيق ويتحول مفاهيمنا للجمال إلى أحكام ذاتية محضة، فمثلاً المرأة الغربية تلك التي تملك عينين زرقاوين وشعراً أصفر وبياضاً ناصعاً تشعر رجال قبائل الأبورجيون بالتقزز، وهذه القبائل كانت تشبه الإنسان الغربي (الأبيض) بالقرد، وقبائل الماساي فيها معايير الجمال تشعر البعض بالرعب وتزعج من ليس منتمياً لهذه الثقافة وتربكه لأن الجماجم تتحول لشكل من أشكال الزينة ولكي ندرك الحكم الموضوعي للجمال سنجد أن الطبيعة هي الأساس الذي يحال له جمال المرأة فيتم تشبيه المرأة بها كأقصى درجة من الجمال تصل إليه المرأة، أليس الشعراء يشبهون عنق المرأة بالزرافة من جمال طوله وبالشلال المتدفق بحنانها ورقتها وبوجه القمر ليلة البدر الذي تمثل به آلاف النساء على ألسن الشعراء على مر الأزمان، هل يمكن أن نقول إن الطبيعة هي المعيار الفعلي للجمال؟ وأن الحكم المطلق في جمال المرأة حكم خاطئ سلفاً أي أنه يمكنك فقط أن تقول إن هذه المرأة جميلة في رأيي وليس بالضرورة أن يوافقك الجميع على ذلك لأنه محال أن يتفق معك الجميع لما ذكرناه سابقاً من اختلاف ثقافي وعرقي وديني أياً كانت تلك المرأة وأياً كان جمالها ولكن يمكنك أن تقول بكثير من الاطمئنان (لمنظر طبيعي فاتن الجمال) إن المشهد جميل وسيتفق معك الجميع ولا يستطيع إنكار جماله أحد، وقد نوافق كانط وشوبنهاور بأن (الجمال صفة للشيء الذي يبعث فينا اللذة بصرف النظر عن نفعه ويحرك فينا ضرباً من التأمل غير الإرادي ويشيع لوناً من السعادة الخالصة) وهذا ما سوف تجدة في (جمال الطبيعة) في كل عصر وفي كل ثقافة وفي كل عرق يتأمل الطبيعة بشلالاتها وأنهارها وجبالها وشواطئها ولا غرابة في أن يموت الإنسان هياماً في جمال الطبيعة كما فعل الفنان الرومانتيكي الكبير جورج اينيس 1894م عندما شاهد منظراً طبيعياً فاتن الجمال من فوق أحد جسور اسكتلندا الجميلة فهتف قائلاً وقت المغيب (يا إلهي يا له من جمال)، وسقط ومات بعدها بدقائق، هذا ما يقوله لنا ابنه. * كاتب ومصور فوتوغرافي