يمر هذا العيد كما مر ما قبله على كل أرجاء العالم والجائحة لا تزال تسكنه وتنتشر آثارها في زواياه، والإجراءات من التباعد والاحترازات والكمامات تشارك استعدادات العيد، والحمد لله على كل حال. لكن لم نكن في حال سيئ ولله الحمد، بل إن ما مر على أهلنا وأجدادنا سابقا كان أشد، حيث تنتشر كثير من الأوبئة والفقر والحاجة وقلة ذات اليد، ومع ذلك صبروا وتجاوزوا الهم والحزن والقلق وصبروا وعبروا بأفراحهم واتكالهم على ربهم. لم يتركوا أعيادهم خاضعة لأحوالهم التي تسكنها الحاجة والعوز بل جددوا الفرحة معها، حمدوا الله على تلاقيهم وبقائهم ومحبتهم لبعضهم وعددوا مكاسبهم في رفاقهم وجيرانهم ومودة بعضهم لبعضه وتآلفهم، فوجدوها هي الثروة الحقيقية وهي المكسب الذي يفترض أن ينظر إليه، فعاشت الابتسامة بينهم والسرور في جنبات دورهم وبلدانهم. ويأتي العيد بسروره وفرحته التي تضم الكبار والصغار، وقبل العيد تظهر في عالم الطفولة والصغار بشائر الفرح، فهم أول من يستمتع بأيام سروره، وهم الذين يعيشون مقدماته بكل تلقائية وعفوية، فالعيد يبدأ منهم ويقف عندهم. لهم مع قربه عادات معروفة في زمن مضى، يتحرون أن يعطوا عيدية من حلوى وقريض ومكسرات، ويقومون بجولات الحوامة، والبطاط، والقرقيعان، والحقاق. والتحلوي، وكلها جولات الأطفال لاستلام هداياهم من أهل الدور والمساكن. وهذه المصطلحات ليست ألعابا بل مظاهر للأطفال تعارف المجتمع عليها لرسم الابتسامة والسرور والفرح. ولعل المفردة الأقل انتشارا في وسط الجزيرة هي: القرقيعان. والتي تعرف أكثر في بلدان أخرى وإن كان تطبيقها مشابها للتحلوي والحوامة والشرط.. الخ. والقرقيعان ما هو إلا صورة من تجوال الأطفال وفرحتهم بما يهدى لهم، ومسماه جاء من القرقعة، وهو صوت يحدث من محتوى جيوب الأطفال أو الكيس المعلق مع الطفل تقرقع محتوياته من الحلوى والأشياء الأخرى، وخاصة عندما يركض الطفل، وقد يشترك في السبب أي قرقعة كالأبواب أو غيرها. ويتم التحلوي والتشرط والمعايدة ليلة العيد وصباحه وقد يمتد ثلاثة أيام، كان الأطفال يقومون بها دون مؤثر من الكبار وكأنها نشأت ابتداء من حاجتهم، يقابلها أيضا رغبة من الكبار وأصحاب المنازل لإتمام الفرح على الجميع. وهناك أنشودة للقرقيعان أيام زمان مضى، يقولون فيها: قرقيعان وقرقيعان، بين قصير ورمضان، عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم ويرجعكم لأهاليكم ويلحفكم بالجاعد عن المطر والراعد يا مكة يالمعمورة يا أم السلاسل والذهب يانورة عام عام يا صيّام عادت عليكم هالسنة وكل عام، عطونا يا أهل السطوح عطونا والا بنروح.. وأما الحوامة فيقولون: عطوني عيدي، عادت عليكم جعل الفقر ما يجيكم، وإذا أعطوهم زادوا الدعاء لهم، وإن لم يعطوهم دعوا عليهم بالفقر وتكسير اليدين والرجلين. ومن الكلمات أيضا والعبارات: «حققونا بققونا، لاجاء أبونا حققناكم». وهي في عيد الأضحى، وربما استخدمت في عيد الفطر من باب التعود عليها. ختاما: حمانا الله وإياكم من كل ضرر، التزموا بالاحترازات واستمتعوا بفرحة العيد وتمام العبادة والحمد لله، وعيدكم مبارك. يقول الشاعر منديل الفهيد - رحمه الله -: هذي ليال العيد فرحات وإسعاد من له قريب من بعيد عنى له تزاور الأصحاب يمحون الأحقاد أيام عيد فيه بسط وعدالة. ناصر الحميضي