هذه الخطوة تعني بوضوح أننا أمام مشروع سعودي جاد ومتسارع الخطى لتمكين المملكة من أن تصبح مركزاً متنوعاً، سواء من حيث مجمل فكرته، أو سعياً لاجتذاب أدواته، ولتكون السعودية الجديدة حاضنة وجامعة علمية ضخمة يفخر بها العالمان العربي والإسلامي.. لأن الأمم الحية هي تلك التي لا تتقوقع على نفسها، وتمنح ذاتها أفقاً إنسانياً واسعاً يتشارك في الإبداع ويتقاسم في الموهبة ويضخ في شرايينه أبعاداً متجددة، لا تعترف بحدود أو ترهن مستقبلها في إطار جغرافي ضيق. من هذا المفهوم، يمكن لنا وصف القرار الملكي الأخير بفتح باب تجنيس الكفاءات الراقية من المميزين والمبدعين والموهوبين -ضمن حد أعلى قد لا يتجاوز 300 أمر جنسية سنوياً- وكأنه خطوة عملية تهدف إلى استقطاب المبدعين من أرجاء العالم للعيش على الأراضي السعودية والتمتع بكافة المميزات التي تساعدهم على تقديم الأفضل. نحن بذلك، لم نبتدع شيئاً مخالفاً، بل نسعى لأن نسهم وفق رؤية 2030 الاستراتيجية الساعية حثيثاً، إلى اجتذاب العقول والكفاءات النادرة في عملية استثمار فكري مبدع يرفع من مستوى الإنسان، بمثل ما نعمل بجدية على تحقيق أقصى اجتذاب استثماري اقتصادي في وعاء إصلاحي شامل ينقل المملكة إلى مستويات أخرى تماماً. قيمة القرار الملكي بكل اشتراطاته، أنه يضمن أقصى عملية بناء أسس معرفية في المجالات العلمية والثقافية والرياضية والفنية، وغيرها من تلك التي تعزز كفاءاتنا السعودية الموجودة، وتتعدد محاورها من العلماء الشرعيين، وعلماء الطب والصيدلة والرياضيات والحاسب والتقنية، والزراعة والطاقة النووية والمتجددة والصناعة والنفط والغاز والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتطبيقات، والبيانات الضخمة وهندسة البرمجيات والروبوتات والحواسيب عالية الأداء والنانو والبيئة والجيولوجيا وعلوم الفضاء والطيران، وأيضاً العلماء المميزين في تقنية تحلية المياه، وتحقيق الأهداف والتطلعات في تسريع عجلة التنمية، بما يعود على الوطن والمواطنين بالخير والنفع العام. هذه الخطوة تعني بوضوح أننا أمام مشروع سعودي جاد ومتسارع الخطى لتمكين المملكة من أن تصبح مركزاً متنوعاً يفخر به العالم العربي، سواء من حيث مجمل فكرته، أو سعياً لاجتذاب أدواته، وكذلك أيضاً لتكون السعودية الجديدة حاضنة وجامعة علمية ضخمة يفخر بها العالمان العربي والإسلامي وتكون فعالة في بناء ذاتها وتنميتها ونهضتها، في إطار التغييرات والتحولات التي يبنيها القائد الرمز الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويضع خططها وأطرها الفكر الشاب الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتأتي كجزء من رؤى واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لتوجيه الاقتصاد بعيداً عن اعتماده على النفط. صحيح أن للقرار مكاسب كثيرة، من دفع عجلة التنمية وتعزيز الانفتاح على العالم، ولكننا أيضاً أمام "تجنيس" انتقائي يعد بالأساس مكسباً للدولة ويتفق مع خططنا وطموحنا نحو مستقبل مشرق، ولسنا أمام تجنيس "عشوائي" مبني على تبريرات عاطفية حيث سيكون حينها عالة على الدولة وضرراً بالأمن الاجتماعي. فالقرار الذي يشمل من تتوافر فيهم المعايير من أبناء القبائل النازحة في المملكة وأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب ومواليد المملكة، يضع حداً أيضاً لمشكلة طالما انتقدها كثيرون، بما يعني أننا في سياق حالة حيوية للغاية من شأنها احتضان وتوطين القدرات الفذة والنافعة للمملكة في هذه المرحلة التي تشهد فيه بلادنا نهضة غير مسبوقة في كافة المجالات. وهذه الخطوة ليست إضافة قوية لنا وحسب، بل انه معمول بها في كبريات الدول المتقدمة التي تقوم سنوياً بمنح الجنسية لآلاف المبدعين في كافة المجالات مهندسين وأطباء ورياضين ما يساعد في قوتها الفكرية والعلمية.. ولننظر على سبيل المثال كيف ساهم استقطاب أميركا للعقول من مبدعين ومميزين من شتى أنحاء العالم وتعرض عليهم الجنسية لأنها تدرك أن ذلك سوف يأتي بالنفع لها، نجد حتى الطلاب المبتعثين الذين يدرسون في جامعاتها تعرض على المتفوقين منهم الجنسية والعمل كي تكسبهم ويكونوا جزءاً من قوتها الناعمة. خلاصة ما في القرار.. أننا نلحق بقطار الأمم المتقدمة، كما لحق به غيرنا، ونؤسس لمملكتنا الفتية بسواعد وعقول وكفاءات أبنائنا وبناتنا، ونرفدهم بعقول وكفاءات مميزة تضفي على مسيرتنا جدية في الاختيار، وقفزة نوعية في مجالات نحن في أشد الحاجة إليها. عاشت مملكتنا بوتقة جامعة ومتسامحة وعصرية لا تفرقة فيها ولا عنصرية، بل وعاء متعدد النكهات ومتنوع الأفكار والثقافات، مملوء بالحب والتعايش والإخاء.