تعتبر الخدمات الاستشارية أحد أبرز متطلبات العمل لأي منشأة ترغب في القيام بتطوير العمل سواء كان باتجاه تحسين الاداء وزيادة الإنتاجية أو التوسع وتأسيس خطوط اعمال جديدة. وبالرغم من وجود قرابة 6 الاف مكتب استشاري في المملكة، إلا أنه لا تشكل المكاتب الاستشارية الوطنية منها أكثر من 5٪. ومن بين هذا العدد الهائل لا يعرف الكثير سوى عدد قليل من هذه الشركات الاستشارية والتي تحظى غالبا بمعظم الفرص المطروحة، فبالكاد لا تخرج القائمة عن شركات مثل الاربع الكبار (Big 4) وهي ديليوت وبرايس ووتر هاوس كوبر وإيه واي وكي بي إم جي إضافة الى بعض بيوت الخبرة العالمية مثل ماكنزي و بي سي جي و أكسنشر. وحسب آخر إحصائية، فإن إيرادات أكبر 50 شركة من الشركات الاستشارية تقدر بأكثر من 220 مليار دولار على مستوى العالم بنهاية هذا العام. أما محلياً، فبحسب ما أُعلِن عنه في ميزانية عام 2019، فإن تكاليف مبادرات وبرامج تحقيق الرؤية التابعة للقطاعات الأساسية، والتي تشمل قطاع التجهيزات الأساسية والنقل و قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية وقطاع التعليم وقطاع الخدمات البلدية وقطاع الأمن والمناطق الإدارية وقطاع الإدارة العامة، تقدر بأكثر من 173 مليار ريال، مما يعني أنه سيتولد هناك سوق لخدمات العمل الاستشاري يقدر عادة ب 10٪ من الميزانيات المرصودة، أي تقريباً 1،73 مليار ريال في عام 2019 وحده، وذلك بدون ذكر الفرص المتوقعة ضمن ميزانيات المشاريع العملاقة مثل نيوم ومشروع الطائف الجديد ومشروع جدة داون تاون الجديد ومشروع البحر الأحمر ومدينة الفيصلية ومشاريع المدن الترفيهية. نستنتج مما سبق أن مجال الخدمات الاستشارية في المملكة يمثل قطاع مهم وحساس وتوطين هذا القطاع له أثر بليغ على مستوى الاقتصاد الوطني ناهيك عن البعد الاستراتيجي والامن الوطني. فالسؤال المطروح هو كيف يمكن إذن تحقيق هذا الهدف؟! بناء على أفضل الممارسات العالمية فإنه يمكننا تحقيق ذلك عن طريق بناء القدرات وتأسيس المهارات للخدمات الاستشارية كإجراءات (Processes) أساسية كما هو موضح في الشكل المرفق. منهجية العمل الاستشاري تتألف من دورة حياة متكررة تشمل ثلاث عمليات هي: البيع (selling)، التقديم (Delivering)، والتشغيل (Operating). يُعنى البيع بالإدارة المستمرة لمعرفة احتياجات السوق وضمان توفير الخدمات والحلول المناسبة لها. يشمل ايضا استهداف العميل المناسب والحصول على العقود المناسبة لتقديم أفضل النتائج، يدعم ذلك عدد من المهارات مثل: تحليل احتياجات السوق، وإدارة محفظة الخدمات والأصول والموارد، وإدارة علاقات العملاء والحسابات، وإدارة المبيعات والايرادات، وإدارة تقييم الفرص وإعداد العروض والتسعير والتعاقد. أما عملية التقديم فتنطوي على اعتماد أفضل الممارسات والمعايير العالمية لإدارة المشاريع عن طريق الكوادر الذاتية المؤهلة وقد يكون بالاستعانة بخبراء من خارج المنشأة إذا ادعت الضرورة. يدعم ذلك استخدام للأدوات والآليات والاطر المنهجية التي يجب تركيز كل الجهد لإعدادها لتخدم هذا الغرض، فهي التي يترتب عليها كفاءة وأداء وسمعة المؤسسة. أما المهارات فهي تشمل إدارة الجودة والموارد والتكلفة والمستحقات، بالإضافة الى إدارة الأطراف الخارجية والموردين. وتأتي عملية التشغيل في الأخير عن طريق وحدة ادارية مساندة وداعمة لعمليتي البيع والتقديم وتتولى إدارة التخطيط الاستراتيجي وإدارة التميز المؤسسي. تتكون المهارات الداعمة لهذه العملية من مجموعة تشمل إدارة الميزانية والتخطيط السنوي وإدارة وتصميم بطاقات المتوازن والمراجعة الدورية، أيضا مهارات إدارة القدرات والكوادر، إدارة العقود، إدارة التواصل والبراند والتسويق، إدارة الامتثال القانوني، وإدارة تقنية المعلومات. وضع هذه المهارات الفنية ضمن نموذج اطاري يحتوي على الكوادر ذات الخبرات المطلوبة في السوق، والبنية المُمَكّنة التقنية، يمهد لترسية القواعد الأساسية لتوطين القدرات الاستشارية والانطلاق في سوق العمل. عدد من الشركات الحكومية في المملكة مثل تطوير، تمكين، تقنية وغيرها، تمتلك معظم المقومات وعناصر النجاح للتميز في هذا المجال من الاعمال والذي يخلق لهم أيضا فرصاً استثمارية خارج الحدود الجغرافية. *مستشار في التحول الرقمي