حراك سياسي واجتماعي وثقافي على مدار العام يصطبغ به حضور الرياض، العاصمة الموعودة دوماً بالجمال والمبادرات النوعية والأحداث المهمة التي ترسم أثرها وملامحها على محيطها الإقليمي والدولي. فمن القمم الدولية الأكبر على مستوى العالم مروراً بالمؤتمرات الاقتصادية إلى مهرجان الثقافة والتراث، وأخيراً وليس آخراً معرض الرياض الدولي للكتاب الذي شهدت العاصمة مساء أمس انطلاقته تحت شعار: (الكتاب.. مستقبل التحوّل)، وهو شعار يكتنز بالدلالات العميقة التي تربط في رمزية موحية وعميقة بين الكتاب كأداة وقيمة ثقافية من جهة وبين المستقبل وصناعته من جهة أخرى، وذلك عبر جيل قارئ وشغوف بالمعرفة ومتسلّح بالوعي والرؤية المستنيرة. هذا الاحتفاء بالكتاب ورعايته من المثقف الأول خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-، كل عام ترجمة حقيقية لأهمية الكتاب. كان الافتتاح للمعرض لافتاً ومميزاً، ولا غرو في ذلك فهو ينطلق من قناعة راسخة بأهميته كحدث ثقافي كبير يعكس أهمية الثقافة بشكل عام والكتاب بشكل خاص وفاعلية دورهما في حياة الفرد وصوغ شخصيته والتحكم في سلوكه وإكسابه الشخصية الواعية ذات المعرفة المعمّقة إضافة إلى التربية الجمالية التي يكتسبها من التعاطي معها كفعل إنساني ووجودي خلاق. فالثقافة تتجاوز المعنى السائد الذي ينظر لها على أنها ترف فكري أو مجرد مظهرية يحاول البعض التمظهر بها، بل إنها باتت أداة أساسية لصوغ الهوية الاجتماعية وتشكيلها، فمنها يتحدّد أفق الفرد الوجودي وتوجهاته ومرجعياته العامة كما أنها تشكّل أداة تكيّف هذا الفرد بمجتمعه وتحدد إطاره وممارسة المجتمع لوظائفه. ولعل الحضور الكثيف الذي شهدته انطلاقة المعرض بمشاركة دور النشر التي تجاوز عددها 525 دار نشر من 27 دولة يؤكد أهمية هذه النظرة للكتاب سيما وأنّ قرننا الحالي شهد فورة معلوماتية مذهلة انهارت معها الحدود المكانية والزمانية بسبب تكنولوجيا المعلومات التي تقود البشرية راهناً في مغامرة غير مسبوقة ولا محدودة الأفق، الأمر الذي يستدعي معه إيلاء الثقافة والكتاب الاهتمام الذي يوازي أهميتهما، والتحدي الكبير الذي يواجهه الفرد والمجتمع في عصر المعلوماتية والتدفق المنهمر للذخائر المعرفية الواسعة. فمع كل انبثاقة للمعرفة يزداد التحدي للدول وللأفراد في الحفاظ على هوياتهم، وهو ما يجعل الدول المتحضرة تضع الكتاب في قلب مشروعاتها وخططها الاستراتيجية. بقي التنويه بمشاركة دولة الإمارات العربية كضيف شرف للمعرض هذا العام وهو ما يعكس عمق العلاقات الأخوية المتأصلة بينها وبين المملكة التي أرست دعائمها قيادة البلدين من خلال نهج التفاهم والتنسيق المشترك الذي أسهم في تطور متواصل على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كان هذا الحضور إحدى ثمراتها الخيّرة. Your browser does not support the video tag.