الاستخدام المستدام لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: الطموح والتحديات    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    رفض واسع يطوق قرار نتنياهو ويفشل رهاناته في القرن الإفريقي    أمطار متجمدة تغرق مخيمات غزة وتفاقم معاناة النازحين    مدينة الفل تنثر الثقافة وتروي تاريخ الأجداد    أبها يتمسّك بالصدارة.. والدرعية يقفز إلى الوصافة    الاستديو التحليلي يطوّر قراءة أشواط مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    إيقاف شركة عمرة ووكيلها الخارجي لمخالفة التزامات السكن    أمير حائل يدشّن مشروعات تعليمية بالمنطقة بأكثر من 124 مليون ريال    أمير القصيم يدشّن مبادرة "الهاكثون البيئي" لدعم الابتكارات والأفكار البيئية الرائدة    تهيئة محيط مشروع المدينة العالمية بالدمام وتعزز انسيابية الحركة المرورية    تعليم الطائف يتجاوز المستهدفات الوطنية في برامج ومسابقات الموهوبين    فرع الشؤون الإسلامية بالقصيم ينفّذ أكثر من 2600 منشط دعوي خلال شهر    الندوة العالمية تفتتح مستوصفاً طبياً جديداً لخدمة آلاف المستفيدين في بنغلاديش    إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة    مستشفى الأمير سلمان بن محمد بالدلم ينقذ حياة مقيم تعرّض لإصابة خطيرة    سوق الأسهم السعودية يخسر 109 نقاط في أولى جلسات الأسبوع    بدء استقبال وثائق مقدمي خدمة إفطار الصائمين في رمضان بالحرمين    ترقية د.رانيا العطوي لمرتبة أستاذ مشارك بجامعة تبوك    ديوان المظالم يطلق أول هاكاثون قضائي دعمًا للابتكار    باكستان تدين اعتراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما يسمى أرض الصومال    ماذا يقفد آباء اليوم ؟!    "التجارة" تشهر ب 60 مواطنًا ومقيمًا لارتكابهم جرائم التستر التجاري    أمانة القصيم تعزز الأجواء الشعبية بفعالية الطبخ الحي في حديقة إسكان بريدة    جمعية فنون التصميم الداخلي تنطلق برؤية وطنية وأثر مستدام    رحل إنسان التسامح .. ورجل الإصلاح ..    حقيقة انتقال روبن نيفيز إلى ريال مدريد    هدف النصر والهلال.. الخليج يفرض شروطه لرحيل مراد هوساوي    علامة HONOR تعلن الإطلاق الرسمي لهاتف HONOR MAGIC8 PRO بعد النجاح اللافت للطلبات المسبقة في السعودية    السماء أكثر زرقة وصفاء في الشتاء لهذا السبب    ختام رائع لمهرجان كؤوس الملوك والامراء 2025    اختتام الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في نجران بمشاركة 40 دارساً ودارسة    ناويا إينوي يحافظ على لقبه العالمي في ليلة الساموراي بمحمد عبده أرينا    الجزائر تعرب عن قلقها إزاء التطورات في المهرة وحضرموت وتدعو إلى الحوار    إصابة خالد ناري بكسور في القفص الصدري بسبب حارس النصر    اعتلى صدارة هدافي روشن.. رونالدو يقود النصر لعبور الأخدود بثلاثية    10 أيام على انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. الجزائر والسودان يواجهان غينيا وبوركينا فاسو    سوريا تضبط عناصر من النظام السابق.. إدانات دولية للهجوم الإرهابي على مسجد بحمص    رواية تاريخية تبرز عناية الملك عبدالعزيز بالإبل    لطيفة تنتهي من تصوير «تسلملي»    فسح وتصنيف 70 محتوى سينمائياً    53 مليار ريال حجم الامتياز التجاري    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    موجز    دعا لتغليب صوت العقل والحكمة لإنهاء التصعيد باليمن.. وزير الدفاع: لا حل ل«القضية الجنوبية» إلا بالتوافق والحوار    أفراح التكروني والهوساوي بزواج محمد    ضمن جهودها لتعزيز الرقابة الصحية.. جولات رقابية لمراكز فحص العمالة الوافدة    الداخلية: ضبط 19 ألف مخالف    مسيرات الجيش تحدّ من تحركاته.. الدعم السريع يهاجم مناطق ب«الأبيض»    عصير يمزق معدة موظف روسي    مختص: لا ينصح بأسبرين الأطفال للوقاية من الجلطات    وزير الداخلية: يطمئن على صحة رجل الأمن الجندي ريان آل أحمد    إطلاق 61 كائنًا بمحمية الملك خالد    أمير المدينة يتفقد العلا    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختلاف عند «الإخوان» نهايته الدم.. حتى بينهم! (6 - 15)
نشر في الرياض يوم 27 - 07 - 2017

"استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى".
من ضرع هذه الكلمات العنيفة وهذا الخطاب المتطرف للأب عبدالرحمن البنا الساعاتي، تشرب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عقيدة العنف ومنهج التغيير بالقوة. هذه العقيدة أصّل لها المرشد من خلال رسائله ومذكراته والتي اعتمدها المريدون والأتباع كدستور مقدس يؤطر لعلاقة الجماعة مع باقي التكوينات السياسية من جهة، وكذا في علاقتهم برأس السلطة السياسية في مصر.
لقد رأى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك فرصة ذهبية لتحقيق حلم حياته في تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد استكمال الشروط الذاتية والموضوعية لنشر الدعوة الإخوانية في جميع الأقطار الإسلامية. يقول حسن البنا في رسائله "إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر". (رسائل حسن البنا ص 17).
إن العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم الاستراتيجية التي تحكم علاقتهم مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، فيما اعتبرت المماينة والمهادنة مجرد تكتيك مرحلي ليس إلا. والعنف عند الإخوان يرقى إلى مستوى العقيدة في حين أن الحوار هو فقط مناورة للتمرير والتبرير والتخدير. يقول حسن البنا في رسائله محاولاً تشبيه مريديه بذلك الجيل المشرق الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام "ثم أمرهم (الله) بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان:
والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
إن السياقات المتسارعة التي تعرفها البيئة الاستراتيجية في المنطقة العربية، والتي أصبح فيها الإخوان المسلمون طرفاً رئيسياً في الصراع، تفرض علينا وضع هذه الجماعة تحت مجهر التحليل والتشريح لمحاولة فهم البنية السيكولوجية للإخوان والتي أفرزت لنا فكراً عنيفاً جعل من (الإخوان) أينما حلوا وارتحلوا من بقعة أو مكان إلا وفاحت منه رائحة الدماء والجثث والأشلاء.
لقد حاولت هذه الحلقات أن تجعل من استشهاداتها وإحالاتها محصورة في المراجع الإخوانية المعتمدة واستبعاد المقاربة الذاتية أو كتابات الأقلام المعروفة بعدائها الأيديولوجي والسياسي للجماعة، مما يجعلنا نطمئن لصدقية هذه الحلقات التي حاولت احترام المعطيات التاريخية والأمانة في السرد والإلقاء والكتابة والإحالة دونما محاولة الالتفاف على الحقائق التاريخية أو تطويع للشهادات وفق ما يخدم طرحاً ما أو توجهاً ما.
يقول سيد قطب: "لنضرب، لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب". ويقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في رسائله "إن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا فهو خير لكم، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير".
هي إذا رحلة بين تراب المخازن لسبر أغوار هذه الجماعة والوقوف على معظم الاغتيالات السياسية التي تورطت فيها، وفرصة للتعرف على الوجه المظلم لهذا التنظيم الخطير وعلى تاريخه الدموي والذي يحاول بعضهم الدفاع عنه على استحياء وبغير كثير من الحماس.
خلاف في الرأي أدى بالسندي إلى قتل سيد فايز ب«شحنة متفجرات»
ولد سيد فايز سنة 1919م، والتحق بكلية الهندسة، ولما تخرج في بداية الأربعينيات عمل مهندسا ومقاولا وتعرف على الإخوان في أثناء دراسته الجامعية، وكانت الأنشطة الطلابية في أوج نشاطها، حيث احتلت القضية الوطنية اهتمامه خاصة مع نشوب الحرب العالمية الثانية.
تعرف سيد فايز على الإخوان وشارك في أعمالهم سواء في الجامعة أو في الشعبة حتى استوعب، بتعبير الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، دعوة الإخوان وملكت عليه حياته، وقد ساعدته مواهبه المتعددة التي تمتع بها من ذكاء وسرعة بديهة وتفاعل ونشاط وهمة عالية ورغبة في البذل والتضحية، في اختياره لحمل العبء الثقيل للتضحية والفداء بالمال والنفس وربما بأكثر من ذلك. (دائما الإحالة على الموقع الرسمي للجماعة).
أصبح سيد فايز مؤهلا للانضمام إلى النظام الخاص في أوائل الأربعينيات، واجتاز اختبارات اللياقة، التي يفرضها التنظيم، بكفاءة عالية والتي يتعرض لها كل من يريد الانضمام للجهاز، وتدرب على استعمال مختلف الأسلحة المتاحة كما كان سائدا في تدريبات النظام الخاص، وظل سيد فايز يثبت يوما بعد آخر جدارته حتى أصبح مسؤول النظام الخاص عن مدينة القاهرة.
أخطر حادثتين أصابتا «الجماعة» من داخلها منذ نشأتها صدام الهضيبي - سندي واغتيال سيد فايز
وبعد قضية السيارة الجيب (15 نوفبر 1948)، واغتيال محمود فهمي النقراشي باشا (28 ديسمبر 1948)، واعتقال أغلب قادة التنظيم الخاص، عهد إليه المرشد العام للجماعة حسن البنا بمسؤولية الجهاز السري في فترة من أصعب الفترات التي مرت بها الجماعة. حيث شهدت حملات اعتقال عناصر الإخوان المسلمين الذين أصبحوا يشكلون خطرا حقيقيا وتهديدا صريحا للأمن القومي المصري.
ويروي لنا محمود الصباغ في كتابه (حقيقة التنظيم الخاص) أن «أحد المتهمين في قضية السيارة الجيب كان «سيد فايز هو الباقي بعد اعتقال كل من يعلوه في القيادة سواء من رجال الدعوة العامة أو من رجال النظام الخاص، فقد اعتقل جميع أعضاء الهيئة التأسيسية وحيل بين المرشد العام وبين جميع الإخوان، فأصبح سيد فايز هو المسؤول الأول عن حماية الدعوة في هذه الظروف الشاذة وله حق الاجتهاد».
عرف سيد فايز بشخصيته القيادية وإشرافه على التدريبات العسكرية لأعضاء النظام الخاص، حيث تم إلقاء القبض عليه في 19 يناير سنة 1949 بجهة المقطم مع مجموعة من العناصر التي تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين وهو يقوم بتدريبهم على استعمال الأسلحة والمفرقعات. وكان من بين المضبوطات التي قام البوليس المصري بالحجز عليها حافظة نقود بها ورقة تحوي تسعا وتسعين اسما وأمام كل اسم رقم كودي له، فتم القبض عليه وتتبع الأسماء الموجودة في الورقة والقبض عليهم، وتم ضم قضيته إلى السيارة الجيب ثم تم اتهامه في قضية مقتل النقراشي، وظل في السجن حتى النطق بالحكم في القضيتين.
الهضيبي والتنظيم الخاص:
وعندما تولى حسن الهضيبي مرشدًا للإخوان اتجه إلى إعادة تنظيم الجهاز الخاص وتصحيح أوضاعه وإعادة هيكلته بعدما استقل هذا التنظيم بقراراته في آخر أيام المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا حين كان يرأسه عبدالرحمن السندي. كما أعلن المرشد الثاني لجماعة الاخوان المسلمين عزمه على العمل في إطار العلنية وإنهاء الحالة السرية التي كان يشتغل بها التنظيم الخاص. غير أن رفض عبدالرحمن السندي لمقترحات الهضيبي دفعت بهذا الأخير إلى حل هذا التنظيم وإعادة تشكيله برئاسة يوسف طلعت.
«التنظيم الخاص» حاول الانقلاب على المرشد العام وإرغامه على الاستقالة
يقول محمد مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في حوار مع عزام التميمي (الإخواني الآخر بدوره) في برنامج مراجعات الذي يذاع على قناة الحوار الفضائية: «لم تكن كل قيادات الجماعة تعلم بأمر هذا التنظيم الخاص مما تسبب في أزمة بعد كشفه، فيما أطلق عليه (ثنائية القيادة)، لذلك قرر الهضيبي إعادة تشكيله، وجعل قيادته مركزية تتبع مكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية للجماعة بالمحافظات المختلفة، وهذا ما أيدته أغلبية القيادات وبعدها بعام ألغاه المستشار حسن الهضيبي بشكل كامل على أساس أنه كان نظامًا سريًّا، ولا يعرفه إلا القليل ومهمته انتهت، لأنه تم إنشاء جهاز علني يدعى «الجهاز الوطني لتدريب الناس على الأعمال العسكرية للدفاع عن البلاد» ويضيف مهدي عاكف «أن دور النظام الخاص كان يجب أن يتوقف في عام 1949.. وكان يجب أن ينتهي دوره كليا بعد قيام ثورة 1952، معتبراً السرية في أي وقت خطأ، ولكن الظروف التي كانت تمر بها مصر في وقت كانت فيه البلاد محتلة وتعيش أمية عسكرية، فكان هذا هو الاستثناء».
«الإخوان» أصبحوا يشكلون خطراً حقيقياً وتهديداً صريحاً للأمن
القومي المصري
غير أننا نرى، من خلالنا «ادعاء» اطلاعنا بشكل جيد على تاريخ الجماعة ومذكرات جميع قياداتها، أن حسن الهضيبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، لم يقم بحل التنظيم الخاص ولكنه أعاد هيكلته من خلال تعيين شخصيات تتبنى توجهه الفكري والسياسي واستبعاد القيادات التي كانت ترى ضرورة أن يعمل التنظيم الخاص بنوع من الاستقلالية عن المجال الدعوي. هذا المعطى تؤكده مجموعة من المعطيات التي سوف نتطرق إليها في المقبل من الحلقات، وخصوصا عند الحديث عن محاولة اغتيال جمال عبد الناصر فيما عرف إعلاميا ب(حادثة المنشية) بالإسكندرية، عندما تورط النظام الخاص في التحضير لهذه العملية بمعرفة ومباركة ضمنية من حسن الهضيبي. هذه الملاحظة، التنظيمية، سوف نقف عليها عندما نتحدث عن النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين بسورية والذي حمل اسم «الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين»، وهو بمثابة الجناح العسكري للجماعة، والذي قام بتأسيسه مروان حديد وتوالى على رئاسته كل من عبدالستار الزعيم وعدنان عقلة. نفس المنطق التنظيمي يمكن الوقوف عليه عند الحديث عن كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة (حماس) التي تنتمي فكريا وتنظيميا لجماعة الإخوان المسلمين. حيث أن التنظيمات العسكرية الموازية تشتغل تنظيميا بنوع من الاستقلالية، لكن مركزية القرار والتوجيه تعود للجماعة التي تضفي الغطاء الشرعي على أية عملية يقوم بها الجناح العسكري رغم التقية السياسية والدينية التي تعبر عنها الجماعة من خلال إنكارها لمجموعة من العمليات الإرهابية التي قد تُورط الجماعة سياسيا وقضائيا.
اغتيال سيد فايز: الظروف والحيثيات
وبالعودة إلى حالة سيد فايز، يمكن القول أنه، بالإضافة إلى كونه من كبار المسؤولين في النظام الخاص، فقد كان من الناقمين على تصرفات عبدالرحمن السندي رئيس الجهاز السري، لذلك امتثل لأمر المرشد وسعى إلى ضم أفراد النظام الخاص الذي كان يشرف عليه السندي إلى قيادته الجديدة برئاسة يوسف طلعت، ووضع نفسه تحت إمرة المرشد العام لتحرير هذا النظام، في القاهرة على الأقل، من سلطته، وأنه قطع في ذلك شوطاً باتصاله بأعضاء النظام بالقاهرة وإقناعهم بذلك، نظرا لأنه كان مسؤولا عنهم في فترة من الفترات.
غير أن عبدالرحمن السندي كان له رأي آخر، ولم يكن بالشخصية التي تسمح أن تخضع لقرارات المرشد العام بهذه السهولة. وهنا نستحضر رواية حسين محمد أحمد حمودة القيادي في تنظيم الإخوان المسلمين وأحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في انقلاب ليلة 22/23 يوليو 1952 حين قال له عبدالرحمن السندي بمناسبة أدائه لقسم البيعة للتنظيم الخاص «إن من يفشي سرنا فليس له منا سوى جزاء واحد هو جزاء الخيانة وأظنك تعرف جيدا ذلك الجزاء». لقد اعتبر عبدالرحمن السندي موقف سيد فايز بمثابة خيانة للنظام الخاص ونقض لميثاق البيعة التي أقسم بها سيد فايز على المصحف والمسدس. ومن هذا المنطلق قرر السندي اغتيال سيد فايز.
الهضيبي لم يحل «التنظيم الخاص» بل أعاد هيكلته ليتبنى توجهه الفكري والسياسي
واقعة الاغتيال
قتل سيد فايز بعد ظهر يوم الخميس 20 نوفمبر سنة 1953م بواسطة صندوق من الديناميت وصل إلى منزله على أنه هدية من الحلوى، وقد قتل معه بسبب الحادث شقيقه الأصغر البالغ من العمر تسع سنوات وطفلة صغيرة كانت تسير تحت الشرفة التي انهارت تحت وقع قوة الانفجار وشيعت جنازته في اليوم التالي. ونشرت الصحف نبأ مقتل سيد فايز صباح يوم الجمعة 21 نوفمبر عام 1953م.
في هذا السياق، يُصرح صلاح شادي في كتاب «حصاد العمر» في الصفحة 72 بما يدعم هذا الطرح فيقول: «ولا يجب أن يغيب عنا بعد ذلك آثار هذه الانحرافات في نفس السندي بما أنذرته بعد ذلك من استخفافه بواجب الطاعة لمرشده حسن الهضيبي وربما كان هذا هو السبب في مقتل سيد فايز حين لم يطق أن يرى من بين إخوان النظام من يخالفه الرأي أو ينال بالنقد الجدي أسلوبه في العمل أو موقعه من قيادة النظام!». ويضيف صلاح شادي بكثير من الوضوح حالة الصدام التي وصلت إليها العلاقة بين المرشد حسن الهضيبي وعبدالرحمن السندي الرئيس السابق للتنظيم الخاص «وهكذا واجهت الجماعة أخطر حادثين أصاباها من داخلها منذ نشأتها. وكان الأول هو مقتل سيد فايز والثاني إرسال عبد الرحمن السندي لجماعة من أفراد النظام الخاص إلى منزل مرشده حسن الهضيبي لإرغامه على الاستقالة في الوقت الذى احتلت فيه جماعة أخرى من إخوان السندي المركز العام للإخوان المسلمين بعد ذلك، مخططة لانقلاب يرأسه صالح عشماوي يحاكى - فى وهم أصحابه - انقلاب الجيش!»
بعد هذه الجريمة بثلاثة أيام وبالضبط يوم السبت 22 نوفمبر 1953م، صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل أربعة من قادة النظام الخاص وهم عبدالرحمن السندي وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي دون أي تعليق عن أسباب الفصل.
لقد كان حادث اغتيال سيد فايز جريمة بشعة وحدث إرهابي بامتياز يثبت أن العنف كان ولا يزال عقيدة مترسخة عند جماعة (الإخوان المسلمين) وأسلوب في حسم الخلافات السياسية وكذا التنظيمية ولو داخل إطار الجماعة الواحدة والتنظيم الواحد.
بعد فصل القيادات التقليدية للتنظيم الخاص وتعيين يوسف طلعت على رأس التنظيم، لن تتوقف عقيدة العنف والقتل والاغتيال عند الجماعة بل سيستمر التنظيم في نهج نفس المسار الدموي لمن سبقوه وذلك باستهداف رأس الدولة (الطاغوت الأكبر بتعبيرهم)، حيث سيحاول التنظيم أن يضرب بقوة، ليلة 26 من أكتوبر من سنة 1954، وذلك بمحاولة اغتيال جمال عبدالناصر فيما عرف إعلاميا بحادث منشية البكري بالإسكندرية. هذه المحاولة التي سيؤدي فشلها إلى إعدام أهم القيادات الإخوانية وعلى رأسهم يوسف طلعت رئيس التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، وعبدالقادر عودة، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف (المنفذ الرئيسي)، والشيخ محمد فرغلي، وابراهيم الطيب المحامي.
محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر هي موضوع الحلقة المقبلة من التاريخ الدموي لجماعة الإخوان المسلمين.
أحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي وعبدالرحمن السندي.. الهضيبي فصلهم من «التنظيم الخاص»
عبدالرحمن السندي اختلف مع سيد فايز فقتله
حسن الهضيبي.. أعاد تنظيم الجهاز الخاص
محمد مهدي عاكف كان مع إلغاء سرية التنظيم الخاص
يوسف طلعت في طريقه لتنفيذ حكم الإعدام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.