إنشاء مدينة زراعية لزراعة اللوز والفواكه بالباحة    النفط ينخفض مع اتجاه أوبك+ لزيادة الإنتاج ومخاوف زيادة المعروض    جمعية أصدقاء البيئة تبرز جهودها في ملتقى "وطن أخضر.. غَدُهُ مستدام" بجامعة الإمام عبدالرحمن    مركز الملك سلمان للإغاثة ينتزع 1.839 لغمًا في اليمن خلال أسبوع    ختام أول بطولة ملاكمة مفتوحة للأساتذة    وزير الرياضة يستقبل فريق الأهلي بعد تحقيقه اللقب الآسيوي    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل نائب رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية    إنهاء معاناة طفل من جلطات دماغية متكررة بسبب مرض نادر    النصر ينضم لسباق كارلو أنشيلوتي    الملك وولي العهد يتلقيان دعوتين من أمير قطر لحضور القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية    الاقتصاد السعودي يتحدى الظروف العالمية ويسجل نموًا في الإيرادات    فيصل بن نواف يفتتح مدينة الحجاج والمعتمرين بالجوف    أمير تبوك يستقبل رئيس جمعية "أصدقاء" لاعبي كرة القدم ويقبل العضوية الفخرية    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية السرطان ورعى توقيع مذكرة تفاهم بين "التدريب التقني" و"مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري"    أمير الجوف يرأس اجتماع لجنة الحج العليا بالمنطقة لعام 1446 ه    إيرادات السعودية تسجل 263.6 مليار ريال في الربع الأول 2025    دوري يلو.. مواجهات حاسمة في صراع "البطاقة الثانية"    أمير تبوك يرعى غداً الثلاثاء حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    القيادة تهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير لبلاده    منظمة التعاون الإسلامي تُدين الاعتداء على المرافق الحيوية والبنية التحتية في بورتسودان وكسلا بالسودان    قوّات الاحتلال الإسرائيلي تنفّذ عمليات هدم    زوجان بنجلاديشيان .. رحلة من أمريكا إلى مكة المكرمة    إطلاق مبادرة المترجم الصغير بجمعية الصم وضعاف السمع    مستشفى النعيرية العام يحتفي باليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية    هيئة فنون العمارة والتصميم تختتم المنتدى الأكاديمي للعمارة والتصميم بنسخته الثالثة    من جيزان إلى الهند.. كيف صاغ البحر هوية أبناء جيزان وفرسان؟    طبيبة من أصل عربي لمنصب الجراح العام في امريكا        عادة يومية ترفع معدل الوفاة بسرطان القولون    سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم    قبل أن أعرفك أفروديت    سعد البريك    العراق.. 10 أيام إضافية لتسجيل الكيانات الانتخابية    خطة لتوزيع المساعدات تُشرعن التجويع والحصار .. إسرائيل تدير الموت في غزة بغطاء إنساني زائف    انطلاق المعرض العائم اليوم في جدة.. 60 مليار ريال سوق «الفرنشايز» في السعودية    "مسيرة الأمير بدر بن عبدالمحسن".. في أمسية ثقافية    بحضور شخصيات من سلطنة عمان.. عبدالحميد خوجه يحتفي بضيوف ديوانيته    القيادة الملهمة.. سرّ التميّز وصناعة الأثر    الأمير سعود بن جلوي يتفقد مركز ذهبان ويلتقي الأهالي    اللقب الأغلى في تاريخ قلعة الكؤوس.. عاد الأهلي.. فأرعب القارة الآسيوية    صناديق الاقتراع ورسائل الأمن.. مساران لترسيخ الشرعية والسيادة.. لبنان يطلق الانتخابات البلدية ويحكم قبضته على «صواريخ الجنوب»    التقى أمير المدينة والأهالي وأشاد بالتطور المتسارع للمنطقة.. وزير الداخلية يوجه بمضاعفة الجهود لراحة قاصدي المسجد النبوي    الرفيحي يحتفي بزواج عبدالعزيز    أسرة عصر وأرحامهم يستقبلون المعزين في مصطفى    الداخلية: 100 ألف ريال غرامة لمن يؤوي حاملي تأشيرات الزيارة    شيجياكي هينوهارا.. كنز اليابان الحي ورائد الطب الإنساني    "الغذاء" تسجل دراسة لعلاج حموضة البروبيونيك الوراثي    الشاب خالد بن عايض بن عبدالله ال غرامه يحتفل بزواجه    بلدية محافظة عنيزة تعزز الرقابة الميدانية بأكثر من 26 ألف جولة    المملكة تختتم مشاركتها في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025    «حقوق الإنسان» تثمّن منجزات رؤية 2030    "المنافذ الجمركية" تسجل 3212 حالة ضبط    المملكة تتقدم 28 مرتبة بتقرير مخزون البيانات المفتوحة    إقبال كبير على معرض المملكة «جسور» في كوسوفو    "الشؤون الإسلامية" تنفذ برامج التوعية لضيوف الرحمن    بيئة المملكة خضراء متطورة    أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة العدل بالمنطقة    تخريج 331 طالبًا وطالبة من جامعة الأمير مقرن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشارع الثقافي والنضج الحضري
نشر في الرياض يوم 19 - 11 - 2016

لعله أمر جميل وسط هذا الكم من التشاؤم أن تخرج فكرة تبعث الأمل في أن تكون مدننا صانعة للثقافة وأن يصبح الفضاء العمراني في المدينة السعودية متحررا من كل قيوده التاريخية التي جعلته خارج معادلة الفعل الثقافي. الشارع الثقافي الذي بادرت به أمانة الرياض يعتبر من وجهة نظري قفزة خارج السياق التقليدي الجامد الذي سلب المدينة السعودية روحها وحولها إلى مدينة ميكانيكية خالية من الحياة. ورغم أن هذا الحدث المهم مر مرور الكرام دون إثارة إعلامية يستحقها إلا أنه سيكون سابقة جريئة لما بعد وسيؤثر على تخطيط المدينة السعودية في المستقبل وسيجعلها أكثر إنسانية أو سيحولها إلى مدينة طبيعية مثل باقي المدن في العالم.
النضج الحضري هو التعبير الحقيقي والمباشر لأنسنة المدينة ويمثل في ما يمكن أن اسميه «روح المكان» وهذه الروح لا تولد إلا من خلال معايشة الإنسان المستمرة للأمكنة فهو يعطيها من روحها وكل جيل يرسم ملامح جديدة لها تزيدها عمقا وارتباطا بشخصية المكان
قد يفهم البعض أنني أتهم مدننا بأنها خارج السياق الإنساني وأن حدثا مثل هذا على بساطته سيجعل منها مدنا إنسانية وأنا أقول لهم إن مفهوم أنسنة المدينة الذي حوله بعضهم إلى ممرات مشاة وحدائق وسقط منهم النشاط الإنساني الذي يعتبر الأساس الذي يبث الحياة في المكان، أقول لأولئك الذين قدموا الشكل العمراني على الممارسة الإنسانية الحقيقية أن المدينة الإنسانية ليست بحاجة إلى ممرات مرصوفة ومسطحات خضراء حتى تعبر عن إنسانيتها، وإن كانت مهمة، لكنها بحاجة لإطلاق الحريات في الفضاء العمراني وترك الناس تُمارس إنسانيتها دون قيود. المدينة الإنسانية هي الصورة التي شاهدتها في شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) في الرياض أثناء تجمع الرجال والنساء والأطفال حول الفنانين في المراسم الحرة المفتوحة على قارعة الطريق.
دعوني أقول إن الشارع الثقافي أكد لدي هاجسا قديما كنت أفكر فيه، هل مدننا بحاجة إلى المزيد من المشاريع أو المزيد من تخفيف القيود على الحرية الحضرية؟ وهل المكون العمراني يجب أن يسبق الممارسة الحضرية الإنسانية أو العكس؟ بالنسبة لي كنت دائما منحازا للمعادلة الإنسانية وكنت أرى أن مجتمعنا المحافظ لديه الجرأة الكافية كي يجعل من المدينة فضاء ممتلئا بالحياة وفق شروطه وخصائصه الثقافية ودون وصاية من أحد ويزداد يقيني بهذه القناعة في كل مناسبة أجد فيها التوق الاجتماعي لممارسة الحياة الطبيعية متجاوزا هذا التزمت الذي فرض على المكان الحضري وهجر الناس منه.
التزمُت الحضري لا يصنع المصادفة المدينية التى تحقق المعادلة الإنسانية داخل المكان العمراني. وحتى أوضح الفكرة، سأعود لفكرة طرحتها قبل عدة سنوات في هذه الصحيفة عن "المدينة والرواية" وكنت أشكك أن الرواية السعودية لا يمكن أن تخطو خطوات بعيدة لأن "المصادفة المدينية" مقننة ومحدودة وتسير في سياق تقليدي متزمت وبالتالي لا يمكن أن تنمو الحكايات الإنسانية غير المتوقعة وتظل العلاقات الاجتماعية في حالة بدائية مرسومة سلفاً ومتكررة لأن الحالة الإنسانية مصابة بعطب شديد على المستوى الحضري. لذلك كنت دائما غير مقتنع بمصطلح "أنسنة المدينة" لأنه تحول إلى مصطلح عمراني وفق القوانين المرسومة سلفاً بينما يفترض أن تكون أنسنة المدينة ببساطة أن نمارس حياتنا الطبيعية ونعبر عن شخصياتنا وسجايانا بشكل مباشر في الفضاء العمراني.
يبدو أننا نعاني من إشكالات عميقة في تعريف المدينة وفي أسلوب الحياة الاجتماعية المدينية. ومن الواضح أن "الوصاية الاجتماعية" تحولت إلى وصاية عمرانية بامتياز وأصبح مفهوم الفضاء العمراني ملتبسا بشدة في مدننا فتداخل الجميل الخالي من الحياة مع الفضاء الإنساني الذي يحتاج أن نجمله لأنه جميل بوجود الحياة الإنسانية العفوية، ولا أريد أن أذكر هنا أمثلة من كل المدن القديمة العفوية في كل مكان في العالم وكيف أن فضاءاتها الإنسانية تتوهج باكتظاظها بوجود الناس البسطاء وبوجود التنوع البشري الذي يجعل من المكان معبرا عن المصادفات الاجتماعية التي تزيد من غنى العلاقات الاجتماعية وتنقلها إلى مستوى معقد يعكس التعقيد الاجتماعي الذي تعيشه المدن الناضجة.
ربما هذا يجعلني أسأل هل مدننا ناضجة؟ وربما يقاوم البعض فكرة أن هناك مدنا ناضجة وأخرى مراهقة ومترهلة. لكنني كنت دائما أشعر أننا نعيش في مدن سطحية لا تسمح للمجتمع أن يكون ناضجاً وبالتالي كنت أشعر، ولن أقول مثل كثير غيري، إن هناك شيئا مفقودا لا أجده في مدننا مهما جملنا هذه المدن فما الذي يجعلها لا تصل إلى النضج؟ من خلال ملاحظاتي على الممارسة الاجتماعية في المدينة السعودية التي امتدت إلى أكثر من ربع قرن تأكدت أن مشكلتنا تكمن في الوصاية الحضرية التي جعلت من التخطيط العمراني مجرد إضافة شوارع ومبان وخدمات للمدينة مع سلب مستمر لروحها الانسانية.
النضج الحضري هو التعبير الحقيقي والمباشر لأنسنة المدينة ويمثل في ما يمكن أن اسميه "روح المكان" وهذه الروح لا تولد إلا من خلال معايشة الإنسان المستمرة للأمكنة فهو يعطيها من روحها وكل جيل يرسم ملامح جديدة لها تزيدها عمقا وارتباطا بشخصية المكان. للأسف هذا لم يتحقق في مدننا في العقود الأخيرة وتم فصل الروح عن الجسد وصرنا نجمل الجسد وفقدنا الروح تدريجيا حتى كادت أن تختفي. الشارع الثقافي هو محاولة إنعاش لهذه الروح التي كادت تتلاشى من مدننا.
بقي أن اقول إنه رغم أن الشارع الثقافي لم يحظ بالتغطية الإعلامية التي يستحقها كحدث يعبر عن حيوية مجتمعنا واستعداده لممارسة الحياة المدينية الطبيعية، ويؤكد أن مدننا المريضة لم تمت بعد وأنها قابلة للحياة من جديد، إلا أنه حدث يمثل سابقة يمكن أن تعيد تعريف المكان في المدينة السعودية. بالطبع أنا أدعو المهتمين بالعمران من أكاديميين ومثقفين أن يتوقفوا عند هذه التجربة الثقافية الحضرية التي تؤكد أنه لا يوجد ثقافة حقيقية دون وجود أمكنة حقيقية تسمح بولادة الثقافة العفوية وهذه الأمكنة لا يمكن أن تكون موجودة في مدن لم تبلغ الفطام بعد وما زالت تحت الوصاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.