بعد حياة امتزج فيها الحزن والفرح، ودع شعب الكويت الشقيق وودعت معه الامتين الاسلامية والعربية، أحد ابرز قادتها، الذي شهد عهده العديد من التحولات على مستوى دولة الكويت وعلى المستوى العربي والعالمي، وكثيراً من هذه الأحداث كانت الكويت طرفاً فيها. وعندما تكتب عن جابر الأحمد فإنك تتناول رجل دولة بمعنى الكلمة اتصف بأجمل صفات الرجال فقد تميز بالوفاء والشهامة والرجولة والحنكة وكان الأب الحنون لشعب الكويت، وصورته ملتصقة بوجدان الكويتيين حيث قضى مع شعبه لحظات فخر ومجد وعز وألم، هذا الرجل المبتسم دائماً، حتى في احلك الظروف واعقدها. فمنذ ولادته في 29 يونيو 1926م، وصولاً إلى وفاته - يرحمه الله - وفي 15 يناير 2006م، تدرج سموه في حمل المسؤوليات الجسام فقد كان محافظاً للاحمدي 1949م - 31 ديسمبر 1977، ثم وزيراً للمالية 1962م - 1965م فرئيساً لمجلس الوزراء 1965 - 1977م، ثم ولياً للعهد 31 مايو 1966م 0 31 ديسمبر 1977م، وبقي أميراً للكويت منذ 31 ديسمبر 1977م، ليصبح الأمير الثالث عشر في أسرة آل الصباح، وثالث أمير لدولة الكويت منذ استقلالها. وقد كان سموه من مؤسسي أول تنظيم اقليمي خليجي «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» في العام 1981م، وليغدو تجسيداً عملياً لأماني أجيال متعاقبة من أهل الخليج تحلم به وترجوه وتتمناه. وكانت للقضية الفلسطينية حضور مستمر في فكر سموه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكان يرفض دائماً المساومة على قضية الشعب الفلسطيني، وكان في صدارة قادة الدول العربية في الدفاع عن الحق الفلسطيني ومناصرته، وبخاصة في السنوات التي ترأس فيها سموه منظمة المؤتمر الإسلامي (الدورة الخامسة - الكويت - عام 1987م) حيث مكنه ذلك الموقع من مخاطبة العالم قادة وشعوباً باسم ملايين المسلمين في كافة أرجاء العالم داعياً اياهم إلى ايجاد حل عادل لتلك القضية، ومساعدة الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم. وكان حريصاً على حضور اجتماعات القمم العربية، وتجلى ذلك في دوره الفعال والمؤثر في ايجاد الحلول المناسبة للقضايا العربية المدرجة على جدول أعمال هذه القمم، وحضوره المشهود في مناقشات ومداولات تلك. وتقديراً لتلك الجهود والمساعي القومية التي بذلها صاحب السمو على الساحة العربية، تم اختيار سموه «شخصية عربية مميزة» في الاستفتاء الذي اجراه (المركز العربي للإعلام وبحوث الرأي العام) في العام 1989م والذي شارك فيه 10,000 مواطن عربي من الدول العربية، والمهاجرون في الولاياتالمتحدةالامريكية وأوروبا واستراليا واليابان. وقد استحق سموه أيضاً وسام الرأي العام العربي من الطبقة الأولى، بمناسبة اختيار سموه في استفتاء عالمي شمل عشرة زعامات عالمية أدت أدواراً متميزة على المستوى العالمي والأسلامي والعربي. ومن أهم المحن التي تعرض لها سموه والشعب الكويتي الشقيق خلال عهده هو غزو الكويت من قبل النظام العراقي البائد، حيث بذل جهوداً مضنية في سبيل استعادة بلده وإعادة شعبه إلى وطنهم وديارهم. وكان صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح متابعاً جيداً للتداعيات والافرازات الاجتماعية التي صاحبت رياح التغيير التي هبت على الكويت بعد تدفق عوائد النفط عليها، وانفتاح المجتمع لاستقبال افواج العمالة العربية والأجنبية الوافدة، التي جاءت للمساهمة في بناء كويت المستقبل، وخروج الكويتيين في رحلات سياحية وانتشارهم في دول حضارية متقدمة، وكذا خروج أفواج من الطلبة الكويتيين من سور الكويت لأول مرة من اجل الدراسة وتحصيل العلم في دول عربية وأجنبية، وخروج الفتاة الكويتية لأول مرة من أسوار البيت للتحصيل العلمي في الكويت وفي الخارج. كانت قضية الاجيال القادمة إحدى الهواجس التي شغلت بال صاحب السمو، فاهتدى فكر سموه إلى أهمية إنشاء صندوق للاجيال القادمة يدخر فيها ما يمكن ادخاره من عائدات الدولة واستثماراتها، وتحققت الفكرة وخرجت إلى حيز التطبيق بصدور مرسوم اميري في العام 1976م، يكفل للأجيال القادمة حياة كريمة ومرفهة. وبهذه المناسبة الحزينة على قلوبنا نتقدم من سمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، أمير دولة الكويت ومن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رئيس مجلس الوزراء ومن الشيخ جابر دعيج الإبراهيم الصباح سفير دولة الكويت في المملكة ومن الشعب الكويتي الشقيق بأحر التعازي بهذا المصاب الأليم سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته. ٭ المشرف العام على مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة