فاتحة: وترحل... صرختي تذبل في وادي... لا صدى يوصل ولا باقي أنين!! ( بدر بن عبدالمحسن ) بهذه البكائية الفارهة، التي انطلقت عبر حنجرة طلال مداح -رحمه الله- وقفتُ باكيًا متأثرًا بفقد الرائد التنويري، والمثقف الشعبوي، والخبير الأدبي، والكاتب الصحفي، والمؤسس الفاعل، والأديب المتواضع.. عبد الكريم الجهيمان -يرحمه الله-. *** (2) وعند الفقد تبدأ الذكرى.. ويظهر الاحتفاء، ويتداعى المثقفون للتأبين والعزاء، بكلمات ماتت مفرداتها، وتخشّبت معانيها؛ لأنها أقل من المؤبن، وأضعف من المعزّي.. ولكنها السنة الكونية، ف»إنا لله وإنا إليه راجعون». *** (3) الجهيمان / عبدالكريم.. وتتداعى إلى الذهن صور الأديب المثقف الشمولي، الذي حفر في الصخر، وكوّن الذات وهو اليتيم، وبنى النفس والكيان الثقافي وهو الفقير المعدم، وتشيأت ذاته فأصبح منارًا يشع في كل الفضاءات الثقافية.. فكان نتاجه ملء السمع والبصر.. يكفيه -رحمه الله- «موسوعة الأساطير الشعبية»، ويكفيه «موسوعة الأمثال الشعبية»، ففي هذين المجالين تبدو قيمته الفكرية والثقافية، فهو من جيل الفواتح، والمبادرات، والريادة فمَن كان يفكر في موضوعات كهذه.. وقد جاهد حتى استوعب كثيرًا من أمثالنا السائرة، وأساطيرنا الشعبية فقام بالحفر (الأركيولوجي) في فضاء الثقافة الشعبوية، وكوّن لنا وللأجيال المثقفة هذا السفر العظيم من تراثنا. يكفيه أنه المناضل في ميادين تعليم المرأة، والمنادي الأول لهذا الحق الأنثوي يوم كان المجتمع -كل المجتمع- يرى أن المرأة مكانها البيت، وخدمة الأسرة!! يكفيه تلك المقالات الاجتماعية التي نشرها تحت عنوان إبداعي ومؤثر «المعتدل والمايل» في إحدى صحفنا السيّارة في تلك الأزمنة الماضوية، وناقش فيها من قضايا المجتمع وشؤون الناس بحرية رأي، وسلامة تعبير.. كل ذلك يجعلني أقول بآخره.. إننا فقدنا أهم رموز التنوير النجدي في بلادنا، ولئن مات وواراه الثرى فإن علمه باقٍ تحفل به المكتبات، ويتذكره المثقفون، ويتتلمذ عليه الدارسون.. عليك الرحمة أستاذنا عبدالكريم الجهيمان.. وإليك المعذرة.. وإنا لفراقك لمحزونون!!