أكد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والمختص في قضايا الاقتصاد الإسلامي وتحرير اقتصاديات الدول الإسلامية من تبعية الغرب د.على محيي الدين القرة داغي، أن غياب الإرادة السياسية أضعف العالم الإسلامي وحرم الأمة من التكامل الاقتصادي، رغم وفرة الإمكانات، وطالب بضرورة العمل للقضاء على الفساد السياسي والتعليمي المستشري في جسد الأمة، وأوضح أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة، أظهرت قوة البنوك الإسلامية وجعلت العالم الغربي يلهث وراء إنشائها. وكشف عن أن الأمة الإسلامية تعيش حاليًا مرحلة صحوة، ولذلك فهي تحتاج إلى وضع خطة تأخذ بيقظتها إلى طريق النهوض السياسي والعسكري والاقتصادي، وطالب بضرورة وضع إستراتيجية إسلامية للقضاء على الفقر في العالم الإسلامي عبر بوابة الزكاة، ولم يرَ أي مانع في جمع الدولة الإسلامية للزكاة إذا التزمت بالشروط المطلوبة، وحذر من الطائفية والمذهبية، وأكد أن نشر الطائفية بين المسلمين هو سلاح أعدائهم الجديد بعد فشل سلاح القومية، «الرسالة» التقت القرة داغي واستطلعت رأيه في مختلف القضايا التي تهم العالم الإسلامي: حوار: محمد سيد * أظهرت تداعيات الأزمة المالية العالمية ارتباط اقتصاديات الأمة بالاقتصاد الغربي، ألا تعد الحاجة ملحة لاستقلال الاقتصاديات الإسلامية عن تبعية الاقتصاد الغربي؟ - المؤكد أن العالم الإسلامي بات مطالبًا الآن بالتفكير الجاد لإيجاد اقتصاد إسلامي من خلال مستويين الأول: يتمثل في الجانب الفني والنظري بحيث يكون معتمدًا على النظريات والقيم والمبادئ الإسلامية، والثاني: يتمثل في الجانب العملي على صعيد التبادل التجاري والاستثمار بين الدول الإسلامية، والحقيقة أننا لا نستطيع الاستغناء عن الغرب خاصة في المجال الصناعي والتجاري، قبل أن نتحول إلى قوة اقتصادية حقيقية، يكون في مقدورها التعامل مع الغرب ومع الشرق على مستوى متكافئ. دروس الأزمة * وما الذي يتوجب على دول العالم العربي والإسلامي فعله لتجنب الأزمات الاقتصادية الطاحنة؟ - يتوجب على العالمين الإسلامي والعربي ودول الخليج على نحو خاص الاستفادة من دروس الأزمة المالية العالمية ومن هذه الدروس: أنه يجب على العالم الإسلامي أن لا يستثمر أمواله في السندات الخارجية والعالمية مهما كانت فائدة هذه السندات لأن هذه السندات قائمة على الائتمان، ومن الممكن ضياعها في حالة حدوث أي فشل، والواجب على الدول الإسلامية استثمار أموالها في الاقتصاد العيني. ويمكن الاستفادة من الأزمة من خلال شراء بعض الشركات والمصانع العالمية الكبيرة، والتي تتميز بتنوع منتجاتها في مختلف الصناعات، بحيث يتسنى إنشاء فروع لهذه الشركات العالمية في منطقتنا، وبدل من أن نعطيهم الأموال وندعمهم بها نصبح شركاء في هذه المصانع والمعامل، ويجب أن نكون حريصين في استغلال هذه الفرصة، خاصة وأننا لم نستفد من انهيار الاتحاد السوفيتي، وتركنا مصانعه وشركاته لليهود الذين اشتروها بثمن بخس، كما يجب علينا استثمار أموالنا في البلاد الإسلامية فيما يعود علينا بالنفع وخاصة في مجالات الزراعة والصناعة والعقارات. التكامل الإسلامي * يملك العالم العربي والإسلامي إمكانيات اقتصادية ضخمة لو أنه استغلها في مشاريع تكاملية سيتحول إلى قوة كبرى، لكننا لا نجد وجودًا لهذا التكامل بالمعنى الصحيح فما تفسير ذلك؟ - غياب التكامل ناتج عن انعدام الإرادة السياسية، وعدم وجود خطة أو برامج تحقق التكامل، حيث تعوق المشاكل السياسية تحقيق ذلك، بالإضافة إلى تأثير الأسباب الخارجية، التي لا تريد لهذه الأمة أن تتوحد، ولا يعني هذا أنني مع نظرية المؤامرة لكن الحقيقية التي تفرضها لغة المصالح، تدفع الغرب إلى منع أي تقدم على صعيد تقارب الدول الإسلامية وتحقيق وحدتها. وهل معنى ذلك أن الغرب يعادي التكامل الاقتصادي الإسلامي؟ لا أقول إن الغرب معادٍ لكنه بالتأكيد غير مرحب، ومن الطبيعي أن تحاول كل دولة في العالم تعزيز عوامل قوتها بشتى السبل، لا سيما إذا كانت دولة عظمى، وكلما كان أتباعها أكثر كلما كانت أقوى، فأمريكا مثلًا في إدارة بوش وقبله حاولت إلحاق العالم كله بتبعيتها، حتى إن بوش قال: من ليس معي فهو ضدي. البنوك الإسلامية * هل صحيح أن البنوك الإسلامية لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية؟ - هذا صحيح، فالبنوك الإسلامية لم تتأثر بهذه الأزمة المالية العالمية ولكنها تأثرت بالأزمة التجارية التي صاحبت الأزمة المالية، فمن المعروف أن العالم عانى من ثلاث أزمات في هذا المجال الأولى: أزمة مالية متعلقة بالربا والائتمان والبنوك والبورصات وهذه الأزمة حدثت في البداية، الثانية: الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن الانكماش والتضخم والبطالة وكذلك الاستغناء عن الكثير من العمال، الثالثة: الأزمة التجارية جراء الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية، ولقد نتجت الأزمة التجارية عن ندرة الأموال سواء لدى الأفراد أو الدول وأدت إلى انخفاض حجم التجارة والتبادل بين الدول وانخفاض حجم التجارة والتبادل بين الأفراد، والبنوك الإسلامية بفضل الله لم تتأثر بالأزمة المالية ولكن بالتأكيد ربما تتأثر بالأزمة التجارية؛ لأن الناس الآن صارت اقل قدرة واقل إمكانية. الصيرفة الإسلامية * ولكن هناك من يقول إن البنوك الإسلامية مثلها مثل غيرها فيما يتعلق بالمعاملات المصرفية فما قولكم؟ - لا أعتقد ذلك، وأكبر دليل على أن البنوك الإسلامية لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية، هو حرص بنوك العالم على التعامل مع البنوك الإسلامية، وعلى سبيل المثال تتطلع بريطانيا كما جاء على لسان رئيس وزرائها إلى أن تتحول لندن إلى مركز عالمي للبنوك الإسلامية، والحال نفسه بالنسبة لفرنسا الدولة العلمانية التي تمنع الحجاب، حيث هناك إصرار من طرف وزيرة الاقتصاد الفرنسية في أن تتحول باريس إلى مركز عالمي للاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية كذلك ألمانيا وايطاليا حتى بابا الفاتيكان المعروف بمواقفه مع المسلمين والإسلام، وجدنا أن المجلة الناطقة باسم الفاتيكان صرحت بأن النجاة والإنقاذ من هذه الأزمة المالية إنما تكون عن طريق أخلاقيات الصيرفة الإسلامية. الزكاة والفقر * تعد الزكاة من أبرز القضايا الإسلامية والاقتصادية التي كثرت حولها الدراسات المختلفة وبين الحين والآخر تتوالى الآراء التي تدعو إلى تولى السلطات الرسمية في الدول الإسلامية، حول مسألة جمع الزكاة وتوزيعها وفق مصارفها الشرعية هل يمكن أن تحل الزكاة مشكلة الفقر؟ - أؤيد هذا الأمر ولكن بشرط أن تترك عملية الجمع والصرف لسياسة شرعية واضحة، بعيدًا عن الدولة وحسب ما قرره الإسلام، في إغناء المنطقة ثم الخروج بعد ذلك إلى الخارج، باعتبار أن الأمة الإسلامية امة واحدة «إنما المؤمنون إخوة» بالإضافة إلى ضرورة وضع إستراتجية خاصة للجهة التي تتولى مسألة الجمع والصرف للقضاء على الفقر وأذكر هنا أن الخليفة عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد الخامس استطاع أن يقضي على الفقر في فترة زمنية قصيرة تقريبًا سنتين و6 أشهر و17 يومًا؛ لأنه وضع نظام للقضاء على الفقر والمجاعة من خلال اختيار موظفين مخلصين ودراسة وضع الأمة وتحديد من هم الفقراء، ولا أشك على الإطلاق في قدرة الزكاة على القضاء على الفقر لو أنها طبقت بالصورة الصحيحة، وليس بالضرورة خلال عام، لأن العالم الإسلامي أصبح أكثر فقرًا، لكن المؤكد أن الزكاة بمعناها الواسع سوف تقضي على الفقر خلال فترة زمنية محدودة، بشرط أن يقسم الفقراء إلى قسمين كما قال الإمام الشافعي: قسم نخصص فيها الأموال للفقراء الذين يعانون من حاجة شديدة، وقسم نمكن فيه الفقراء القادرين على الإنتاج من وسائل الإنتاج، فلا ينبغي أن توزع الزكاة توزيعًا استهلاكيًا، وإنما توزع إنتاجيًا من خلال تمليك الفقراء بعض المشروعات التي تعينهم على الحياة لذلك يقول الإمام الشافعي: يجب أن نتحول من الكفاف إلى حد الكفاية ومن حد الكفاية إلى تمام الكفاية. مرحلة الصحوة * لا شك في أن الأمة الإسلامية تمر الآن بمنعطف خطير من تاريخها لكنه ليس جديدًا، فقد سبق أن تعرضت بمثل هذه الظروف وقد تنبأ الرسول بهذا الأمر حينما قال: «ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها»كيف ترى حال الأمة الآن؟ - قال الرسول صلى الله عليهم وسلم: «ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقالوا: أو من قلة نحن يوم إذن يا رسول الله؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، وأعتقد أن هذه التداعيات حدثت كثيرا منذ فترات طويلة حيث احتلت الأمم منذ 200 سنة كل العالم الإسلامي، الإنجليز احتلوا أجزاء والفرنسيون احتلوا أجزاء والإيطاليون كذلك، فالأمم تداعت علينا منذ 200 سنة ونحن أخرجناهم عسكريًا وسياسيًا، ولكن يبقى أن نتحرر منهم اقتصاديًا واجتماعيًا، وهم كذلك ما زالوا يحتلون أرضنا في فلسطين والعراق وأفغانستان، وهذا الواقع يحمل ملامح التداعيات التي أخبرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم ذلك فالأمة الإسلامية تعيش حاليًا مرحلة صحوة. إيقاظ القوميات * لكن المسلمين متفرقين في فرق ونحل وتيارات فكرية وكل منهم يزعم أنه على الصواب فما تعليقك على ذلك؟ - أعداء الإسلام مزقوا الأمة عن طريق إيقاظ القوميات، كالطورانية بالنسبة للأتراك والعربية بالنسبة للعرب والفارسية بالنسبة للإيرانيين وغير ذلك من القوميات ونتج عن ذلك تمزق الأمة الإسلامية التي كانت في السابق دولة واحدة تحت مظلة الدولة العثمانية، ثم لم يكتفوا بذلك فبعد أن انتهت الأفكار القومية وفشلت القومية في تحقيق الخير للأمة العربية أو الأمة التركية أو الأمة الفارسية أو الأمة الكردية وعند بدء الصحوة الإسلامية تعمد الأعداء زرع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية بين المسلمين وخاصة السنة والشيعة؛ ولذلك يتوجب على الأمة الإسلامية أن تأخذ حذرها وتحافظ على توافقها، فيعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه حتى لا تثار المشاكل. * من خلال زياراتك المتعددة للدول الأوربية هل ما زال الإسلام متهمًا بالإرهاب والتطرف في الغرب؟ - هناك جهات يزعجها انتشار الإسلام في الغرب سواء من ناحية الأقليات الإسلامية الموجودة في العالم، أو من خلال انتشار الإسلام بين السكان الأصليين لهذه الدول، لهذا حاولت هذه الجهات أن تستغل أحداث 11 سبتمبر لتشويه صورة الإسلام وبعد هذه الأحداث نفذوا المخطط المعروف باسم «الإسلام فوبيا» أو الخوف من الإسلام، وذلك من خلال اتهام الإسلام بالتطرف واتهامه بالتوحش والعنف ومعاداة الآخرين، ولكن الحقيقة أن هذه النظرة تغيرت، وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية وقد لمست هذا الأمر من خلال زياراتي لأكثر من دولة أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا، حيث شعرت بعد هذه الأزمة المالية أن معظم الناس عادوا إلى سماحة الإسلام وتأكدوا أن الإسلام صالح وبريء من التهم التي وجهت إليه وأن هذه مؤامرة كان يراد منها تشويه صورة الإسلام الذي يعد طوق نجاة للعالم، خاصة بعد أن اتضحت مقدرته على حل المشاكل التي يعاني منها العالم. قضايا المرأة * كيف ترى وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ وهل تتطابق مع منهج الإسلام؟ - وضع المرأة الآن لا يتطابق مع الوضع الأمثل الذي يريده الإسلام، الذي أعطى للمرأة حقوقها كاملة، ورفع من شأنها وركز على بيان أهم الوظائف التي تتناسب معها، فعهد إليها بتربية الأجيال، فالأم مدرسة يتعلم فيها الأولاد القيم والمبادئ إضافة إلى حقوقها الأخرى المشروعة، مثل الحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية وما شابه ذلك ولكن إلى الآن لم تصل مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى الوضع الأمثل المناسب للمرأة ولا زلنا نفرط فيما أوجبته الشريعة. * وكيف ترى دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة التي تتبناها جمعيات حقوق المرأة في بعض الدول الإسلامية؟ - الحقيقة أن المساواة كلمة مطاطة ولا يمكن أن يكون المقصود بالمساواة بين الرجل والمرأة المساواة الكاملة أو المساواة في كل شيء، فهذا أمر لا يعقل ولا يتصور فالمساواة الكاملة بينهما لا يمكن أن تتحقق نظرا للتفاوت البيولوجي بينهما حتى في الخلقة، فالله تعالى خلق الذكر من «xy» وخلق المرأة من «xx» والمساواة الكاملة ليست في صالح المرأة كما أن الإسلام لا يتحدث عنها، لكنه يتحدث بأسلوب آخر ويتكلم عن التوازن، الذي يكون فيه كل من الرجل والمرأة مكملًا للآخر «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» والمرأة لها كل الحقوق ولكن للرجال عليهن درجة، وليست درجة الفضل وإنما درجة الإدارة، فذلك التوازن بين الرجل والمرأة هو الأسلوب الصحيح. تفاوت الميراث * هناك من يدعو إلى إلغاء نظام الميراث الإسلامي لأنه ينطوي بحسب رأيهم على إلحاق الظلم بالمرأة فما ردكم؟ - هذا اعتقاد خاطئ فالميراث في الإسلام هو عبارة عن تنظيم دقيق وضعه الله سبحانه وتعالى فريضة للمجتمع وليس في ذلك مشكلة؛ لأنه أمر مالي نظمه الإسلام للأسرة، وهناك حوالي 24 حالة ترث فيها المرأة إما مساوية للرجل أو أكثر من الرجل فهذه قضية توازن. * هل نحن بحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي؟ - تجديد الفقه الإسلامي ضروري فإذا كان الدين نفسه دائما يحتاج إلى التجديد بعيدًا عن الثوابت القطعية فكيف يكون الفقه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يبعث للأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وليس هذا تغييرًا للدين ولا تحريفًا للدين وإنما المقصود بتجديد الدين هو إزالة ما تراكمت عليه من البدع والخرافات والاتهامات والشبهات بحيث يتم إزالتها ويظهر الوجه النقي للإسلام فكذلك الفقه الإسلامي بحاجة كبيرة إلى التجديد في ظل المستجدات والقضايا المعاصرة الكثيرة في كل مجالات الحياة فعلينا أن ننظر مثلًا إلى كم تطور الطب والاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية كل ذلك يحتاج أن يكون الفقه متابع للمستجدات، ويجدد فيها على ضوء ضوابط الشرع والالتزام بنص القرآن والسنة ومع الاجتهاد المنضبط. كلام الصور: قرة داغي: نستطيع أن نتعامل مع الغرب والشرق كقوة اقتصادية واحدة لنكن شركاء في المصانع لا مجرد مستهلكين لإنتاجها.