أكتب لكم من درجة الضيافة على طائرة الخطوط، وأنا مُكْرَهٌ عليها لا بطل، مثلما تُكره المرأةُ على الزواج من رجلٍ لا تحبّه، لكن ما العمل والحجز على درجتيْ الأولى والأفق صعبٌ كالحجز على مكوكٍ فضائيٍ في رحلةٍ إلى القمر؟!. وقد أدخلتني الخطوطُ مع مُسافري هذه الدرجة من باب الطائرة الأمامي، فمررْنا على رُكّاب درجة الأفق في طابورٍ طويلٍ وبطيءٍ وهم يتفحّصوننا، وكأننا مُتّهمون يُعرضون على شهودٍ للتعرّف عليهم أيّهم الجاني؟؟ ولا أدري لماذا صُنِعَ البابُ الخلفي للطائرة ولا يُستخدم للإركاب؟! إن كان للطوارئ فهي تحصل نادراً، فلماذا يُدّخر؟! ولماذا لا تُحسِّن الخطوطُ إركابَ مُسافري هذه الدرجة؟! في أمريكا، مثلاً، يُركّبون على دفعات، كلّ دفعة تُمثّل رُكّاب عشرة صفوف، حتى يكتمل الإركابُ بنظامٍ وبسرعة، لا بفوْضى وبطء!. أنا الآن على مقعد رقم 47C، المحصور بين مقعديْن آخريْن، وكلّ المقاعد ضيقة عرْضاً، وقريبة من بعضها أماماً وخلْفاً، وأظنّ من صمّمها يعتقد أنّ المُسافرين السعوديين نحيفي الجسد وقصيري الساق، ولو رآهم الآن، وكيف يحصل قصورٌ شديدٌ في وظائف أجهزتهم التنفّسية من جراء التصاقهم ببعض، وكيف يُبقُون سيقانهم مرفوعةً في الهواء حتى لا تُصاب رُكَبُهم من جراء الاصطدام بالمقاعد أمامهم، لربّما أعاد النظر في تصميمه!. لا زلتُ على مقعدي، كتمثالٍ شمعيٍ في متحف، أتفاوض مع من على يميني للذهاب للحمّام، ومع من على يساري للنظر من النافذة، وأنتظر المُضيفة التي تدفع عربة الجرائد لأقرأ جريدة المدينة، لكن بدأت العربة رحلتها من أول صفٍ في درجتي الأولى والأفق وهي مليئة بالجرائد، ووصلت إلى منتصف كابينة درجة الضيافة وهي خالية من الجرائد!. ولا زلتُ على مقعدي، وعصافير بطني (تصَوْصَوْ) من الجوع، لا من العطش، وأشكر الخطوط التي اكتفت بتقديم عصيرٍ مُعلّبٍ في كأسٍ صغيرةٍ بكميةٍ قليلةٍ بلغت نصف الكأس، وكأنه عيّنة للذكرى، أو عبوّة دواء شراب تُقاس كمّيته بالسنتيمترات المكعّبة!. وأخيراً، هبطنا في المطار، وخرج رُكّابُ درجة الضيافة من الطائرة بمثل ما قد دخلوا به، وهم يُمثّلون غالبية المُسافرين، ويبقى السؤال: متى ترتقي درجة الضيافة إلى المستوى الحقيقي للضيافة؟!. [email protected]