هل أصبح لكم متعة في التقليل من قيمة من يربي أجيال المستقبل؟ هل تظنون أن السخرية والتهكّم على المعلم مجرد لعبة بريئة؟ الحقيقة أن هذا السلوك تحول إلى ظاهرة اجتماعية مقلقة، تنتشر بلا رحمة عبر منصات التواصل الاجتماعي من بعض أولياء الأمور وغيرهم. الجميع يردد شعارات التعليم وأهمية المعلم، ويصفونه بحجر الزاوية في بناء الأجيال، لكن مع أول اختلاف بسيط يتحول المعلم فجأة إلى هدف للسخرية والهجوم. وخلال جائحة كورونا، شهدنا حجم الجهد والتضحيات التي قدمها المعلمون والمعلمات لتعليم أبنائنا رغم كل الظروف الصعبة، وسجلوا بطولة حفظها لهم التاريخ. ومع ذلك، عاد البعض لتقليل شأنهم، متناسين أن احترام المعلم هو أساس حضارتنا ومفتاح نهضتنا. فلنسأل أنفسنا ما الرسالة التي نزرعها في نفوس أبنائنا عندما نستهين بالمعلم أمامهم؟ كيف نطالبهم بالاحترام إذا كنا نحن أول من يهدمه؟ المعلم والمعلمة ليسا آلات بلا قلب، بل بشر لهم أسرهم وهمومهم وظروفهم الصحية والأسرية، ومع ذلك يسهرون الليل والنهار لتقديم الأفضل، أحيانًا على حساب راحتهم، ويقدمون أحيانًا من جيوبهم الخاصة أدوات تعليمية تُحاكي العصر. وهل يستحق هذا أن يُقابل بالتنمر والسخرية؟ التنمر على المعلمين والمعلمات لا يضرّهم وحدهم، بل يضر أبناءنا أولًا. الطالب أو الطالبة الذين يرون والديهم يقللون من معلميهم سيفقدون احترامهم للتعليم كله، وستبدأ عندهم سلسلة انهيارات قيمية لا تنتهي، من ضعف الانضباط المدرسي إلى فقدان الجدية في التحصيل العلمي. الحل يبدأ من البيت، حين يكون ولي الأمر قدوة في الاحترام، ويغرس هذه القيمة في أبنائه كما يغرس قيم الصدق والأمانة والانضباط. وتستكمل في الإعلام، الذي يجب أن يتوقف عن تصوير المعلمين في مواقف هزلية، ثم يأتي دور الوزارة لتكريس هذا الاحترام عبر أنظمة واضحة تردع كل سلوك مسيء للمعلم والمعلم. المعلم والمعلمة ليسا خصمين، بل شريكان في بناء المستقبل. ومن أراد النقد أو المناقشة، فليترك ذلك للمختصين، لا لمنصات التنمر الجماعي. احترموا المعلم والمعلمة، فإن توقيرهم توقير للعلم نفسه، وإهانتهم هدم لما تبنيه الدولة من صروح تعليمية. ومن يقلل من شأنهم أمام أبنائه، فليعلم أنه يزرع لهم الدروس الخاطئة قبل أن يزرع لهم العلم. المعلمون والمعلمات يرددون: نحن لسنا أطباء ولا مهندسات، ولسنا طيّارين ولا ممرضا، لكننا من يخلق المستقبل، ويصنعون هؤلاء العظماء.