يُقال: إن الأمم لا تنهض إلا بالعلم، والعلم لا يُثمر إلا بوجود المعلم، فهو الركيزة الأولى في مسيرة البناء الحضاري، وصاحب الرسالة السامية التي لا تُقاس بالمال ولا بالمناصب. المعلم هو الذي يضيء دروب الطلاب بالمعرفة، ويغرس فيهم القيم، ويصنع من عقولهم طاقات تساهم في نهضة المجتمع. لقد أولى الإسلام مكانة عظيمة للعلم وأهله، وجعل توقير المعلم واحترامه من صميم الأخلاق الرفيعة. بل إن من يتأمل في التاريخ يجد أن أعظم العلماء والفقهاء كانوا يجلّون معلميهم، ويعدّون ذلك أساسًا في طلب العلم. ويكفي أن يُقال: من علّمني حرفًا كنت له عبدًا؛ لندرك عظمة هذه المهنة. احترام المعلم ليس مجرد مظاهر شكلية داخل الصفوف الدراسية، بل هو قيمة حضارية تعكس وعي المجتمع بأهمية التعليم. يبدأ هذا الاحترام من الأسرة حين تربي أبناءها على تقدير معلميهم، ويمتد إلى المدرسة في ترسيخ ثقافة الانضباط والإصغاء، ويجب أن يتعزز عبر الإعلام، الذي يُبرز دور المعلم، ويرسخ صورته كقدوة حقيقية. المعلم ليس ناقلًا للمعلومات فحسب، بل هو موجه ومرشد ومربٍ، يسهر على صناعة إنسان قادر على مواجهة تحديات الحياة. ومن الظلم أن يُنظر إلى دوره من زاوية ضيقة، أو أن يُحصر جهده في الحصة الدراسية فقط. فالمعلم قد يكون كلمة صادقة تُغير مسار طالب، أو ابتسامة داعمة تُعيد الأمل، أو نصيحة حكيمة تبني شخصية متوازنة. وإذا كانت الأمم المتقدمة اليوم تولي المعلم المكانة الأسمى، وتعتبره حجر الزاوية في نهضتها، فإن من واجبنا في مجتمعنا، أن نعيد الاعتبار لهذه المهنة العظيمة، وأن نوفر للمعلم كل ما يستحقه من تقدير معنوي ودعم مادي. فالمعلم الذي يحظى بالاحترام والتقدير يبدع أكثر، ويعطي بلا حدود. إن احترام المعلم هو احترام للعلم ذاته، وتقدير لرسالة التربية التي تقوم عليها نهضة الأمم. ومن يكرم معلّمه إنما يكرم نفسه، ومن يستهين بمكانته؛ فإنه يستهين بمستقبل وطنه. ختامًا، سيبقى المعلم صانع الأجيال وباني المستقبل، وواجبنا أن نحفظ له مكانته في القلوب، وأن نرفع من قدره في المجتمع، لأنه ببساطة هو من يصنع الفرق بين أمة متأخرة وأمة متقدمة.