«طموحنا عنان السماء» – ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. في مقالي السابق، ناقشنا كيف أن الاستدامة التشغيلية هي الامتحان الحقيقي للمشاريع الوطنية في المملكة، وأن نجاح أي مشروع لا يُقاس فقط بلحظة إطلاقه، بل بقدرته على الاستمرار والإنتاج طويل المدى. لكن السؤال الأوسع يطرح نفسه اليوم: بعد أن نضمن التشغيل المستدام، هل يكفي ذلك لتحقيق التنافسية العالمية؟ أم أن الاستدامة مجرد بداية في رحلة أطول عنوانها الصدارة والمنافسة في سوق عالمي لا يعرف التوقف؟ مجتمع حيوي: المواطن ركيزة التنافسية رؤية 2030 جعلت الإنسان السعودي محور التنمية، ومن هنا يأتي دور المجتمع الحيوي كأول ركائز الرؤية. المواطن الشريك: لم يعد المواطن مجرد مستفيد من الخدمات، بل أصبح مساهمًا في تطويرها. الشباب في ريادة الأعمال والتقنية يمثلون قوة تنافسية متصاعدة، فيما انتقلت المرأة السعودية من مرحلة التمكين إلى المشاركة الفعلية في القرارات الكبرى. التحول الرقمي اليومي: منصات مثل «أبشر» و«توكلنا» لم تعد مشاريع تقنية مؤقتة، بل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية لملايين المواطنين والمقيمين، تعكس مجتمعًا أكثر كفاءة ووعيًا. التعليم والمهارات الرقمية: عبر تطوير المناهج وتوسيع التدريب الرقمي، أصبح المواطن السعودي أكثر استعدادًا للمنافسة في سوق عالمي يقوم على المعرفة والابتكار. إن مجتمعًا نابضًا بالحيوية والإبداع هو حجر الأساس للتنافسية العالمية، وهو ما تعيه القيادة جيدًا حين جعلت الإنسان هدفًا ووسيلة للتغيير في آن واحد. اقتصاد مزدهر: من المشاريع العملاقة إلى المنصات العالمية الركيزة الثانية من الرؤية – اقتصاد مزدهر – تترجم اليوم عبر مشاريع عملاقة لا تكتفي بالاستدامة، بل تتطلع إلى المنافسة عالميًا. نيوم: ليست مجرد مدينة مستقبلية، بل مختبر عالمي للابتكار في الطاقة المتجددة والمدن الذكية والتقنيات الحيوية. إنها مشروع يضع السعودية في قلب الاقتصاد الجديد. إكسبو 2030: لن يُقاس نجاحه فقط بالقدرة على الاستضافة، بل بقدرة المملكة على تحويل مرافقه إلى منصات اقتصادية وثقافية تعزز مكانة الرياض مركزًا للحوار الحضاري العالمي. مطار الملك سلمان الدولي: بطاقة استيعابية تصل إلى 120 مليون مسافر سنويًا، يمثل رهانًا إستراتيجيًا لمنافسة أكبر مطارات العالم كمركز رئيس للعبور والاقتصاد اللوجستي. كأس العالم 2034: التحدي ليس في الاستضافة فقط، بل في تحويل البنية التحتية الرياضية والسياحية إلى رافد مستدام للاقتصاد بعد انتهاء البطولة. وليس ذلك فحسب، بل إن الوزارات السعودية تضيف لبنات مهمة: وزارة الطاقة: من النفط إلى الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، لتكون المملكة لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمي. وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات: بمشاريع البيانات الضخمة والحوسبة السحابية، أصبحت المملكة مركزًا رقميًا تنافسيًا للشركات العالمية. وزارة النقل والخدمات اللوجستية: بمشاريع الموانئ والسكك الحديدية، تتحول المملكة إلى عقدة لوجستية عالمية تربط القارات. وزارة الثقافة: الثقافة السعودية باتت قوة ناعمة تروج للهوية الوطنية عالميًا، وتجعل من الفعاليات أدوات تنافسية للصورة الذهنية. القطاع الخاص حاضر بقوة عبر برامج مثل «شريك» و«الاستثمار الجريء»، مما يحول الشركات المحلية إلى منافسين عالميين لا يكتفون بالسوق المحلي. وطن طموح: من الإنجاز إلى الريادة الركيزة الثالثة من الرؤية – وطن طموح – هي التي تمنح المملكة روح التحدي وسقف التطلعات. قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان جعلت الطموح سمة وطنية عامة، تُترجم في كل خطوة من مسيرة التنمية. الحوكمة والشفافية: منصات مثل «اعتماد» في وزارة المالية جعلت من الإنفاق الحكومي أكثر كفاءة، وحولت التعاملات إلى نموذج عالمي للشفافية. القوة الناعمة: موسم الرياض لم يعد فعالية ترفيهية فقط، بل صناعة اقتصادية ثقافية تضع المملكة في قلب خارطة الترفيه العالمي. المبادرات البيئية: مبادرة السعودية الخضراء تمثل وجهًا حضاريًا جديدًا، يؤكد أن الطموح السعودي يتجاوز التنمية الاقتصادية ليشمل المساهمة في القضايا العالمية الكبرى. الطموح هنا لا يتوقف عند إدارة المشاريع أو حتى ضمان استدامتها، بل يمتد إلى صناعة نموذج تنافسي يضع المملكة في الصدارة بين الدول المؤثرة. ما وراء المشاريع: معايير التنافسية للتنافسية العالمية معايير لا تنتهي عند التشغيل أو حتى الاستدامة: الابتكار المستمر: بقاء المشاريع في الصدارة يتطلب تطويرًا متواصلًا يواكب تحولات السوق العالمي. المرونة: القدرة على التكيف مع الأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية والتحولات الجيوسياسية. الموثوقية: بناء سمعة مؤسسية تجعل الشركاء والمستثمرين العالميين يثقون بالمشاريع السعودية على المدى الطويل. خاتمة: من الاستدامة إلى الصدارة الاستدامة التشغيلية كانت الامتحان الأول لرؤية 2030، وقد اجتازته المملكة بنجاح. لكن الرهان الأكبر اليوم هو التنافسية العالمية، حيث لا يُقاس النجاح فقط بالقدرة على الاستمرار، بل بالقدرة على الريادة والتأثير في المشهد الدولي. إن المملكة اليوم لا تسابق الزمن فقط، بل تضع بصمتها على الزمن. ومع ركائز رؤية 2030 – مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح – تكتب السعودية فصلًا جديدًا في قصتها: من الاستدامة إلى التنافسية، ومن التشغيل المحلي إلى الصدارة العالمية.