أعجبهم السجعُ الموافق، فقالوا: كل تأخيرة فيها خيرة. والصحيح: الخيرةُ فيما يختاره الله عاجلاً أو آجلاً. وبعض التأخير يكون بسبب منك. وقالوا: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. وفيها مبالغة مذمومة، ولو خُيِّروا بين أعناقهم وأرزاقهم لاختاروا أعناقهم. وقالوا: تعشَّ وتمشَّ. فقال الأطباءُ: تعشَّ ولا تتمشَّ. وقالوا: ليس من الحزم أن تأخذ بقول ابن حزم. فقال فريقٌ آخر: إذا كان الكلام لموافقة السجعة فإنّا نقولُ أيضًا: من الحزم موافقة ابن حزم. وقالوا: المائدة بلا بقلٍ، كالشيخ بلا عقلٍ، فإذا كان الشيخ بلا عقلٍ كالمائدة التي لا يكون بها بقلٌ، فكل الشيوخ كذلك، فما من شيخ إلاّ ويئول حاله إلى ضعفٍ. وسفينة الحياة سائرة، والموائد أكثرها بلا بقلٍ، والحمد لله. والصواب أن يقال: المائدة بلا بقل كالسَّيف بلا صَقْل، أو كالزّرع بلا حقل، أو كالموظف بلا نقل. لا سيما إذا كان في مكان سحيق، بعيدًا عن أهله، ثم لا يلبث أن يستميت في محاولة أن يعود إلى حيث كان أهله ورحله، فإن كان المعنيّ ممّن تلحقه نون النّسوة فالحال أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلاً. وقد كان التغريبُ معقولَ المعنى فيما سبق؛ إذ لا يوجد في النائي من القُرى من يسدّ حاجتها، ويدفع فاقتها، وأمّا اليوم فقد صارت البوادي والهِجَر تزخر بالكفاءات، وذوي العلم والشهادات، وأصحاب الموهبة والإفادات، فلا جرم أنّ الأمر من محارات العقول، ما لم يبيّنه أهل الشأن. ولا تسأل حينئذٍ عمّا يحصل من نقصٍ في الدوام من أطرافه، وكثرة استئذان الموظف وتنصِّله عن إشرافه، وعن مزاجه وخلافه. وليسامح الله (المائدة بلا بقل) حين مادت بالكاتب، إلى هذه المعاتب.