عندما نتذكَّر مدينة جدة، تعود بنا الذاكرة إلى قوافل الحكايات والروايات التي نسجت تفاصيلها البعيدة؛ لترسم لوحة فنية اجتماعية من المنظومة الحياتية.. جدة العتيقة، وهوائها المعجون بالتراث، وأبنائها الذين كانوا يلعبون بين أزقتها المتعرجة، يكتبون فوق جدرانها عبارات تُؤرِّخ ذكرياتهم الطفولية، وكأنهم يُخاطبون الحنين البعيد في صورةِ قصة حب للتاريخ الذي يتذكَّرونه الآن لمن عاشوا تلك الفترة الزمنية، وذلك بعد عودتهم من رحلةٍ لصيد السمك، أو بعد انتهاء دوري لكرة القدم.. هذه مُقدِّمة أحببتُ ذِكرها وأنا أكتب عن المُؤرِّخ والباحث الجدّاوي الدكتور المهذَّب عدنان اليافي، الذي ارتبط بجدة، ورسخ اسمه وبصمته عبر حب المكان وومضه ووهجه، فاستحق كلمة الحب والوفاء، فكان عدنان اليافي وقضايا تاريخية حول مدينة جدة عنوانًا لمقال الأديب الإنسان الدكتور عاصم حمدان، الذي تحدَّث فيه عن إسهامات الدكتور عدنان في التاريخ، وقدرته العالية في التوثيق، وتحرِّي الدقّة والموضوعية.. ولعل من مظاهر اهتمامه الواضح بالتاريخ، أن له عدّة مُؤلَّفات في هذا الجانب، ومن أبرزها كتابه: «الأسرة العربية - النشأة والتكوين»، وكتابه: «المدينةالمنورة في أعين رحالة غربيين»، الذي قدَّم من خلاله نبذة تعريفية عن تاريخ المدينةالمنورة، وموقعها وسكانها، وتاريخ المدينةالمنورة في عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وكتابه: «جدة في شذرات الغزاوي». يقول الأديب عاصم حمدان: إن تواضع الدكتور اليافي يحمله إلى القول بأنه مهتم بالتاريخ، وليس متخصصًا فيه. انتهى. لاشك بأن مدوّنات ووقفات الدكتور عدنان الاجتماعية والحضارية والتاريخية؛ تُضاف لمسيرتهِ الطويلة، ومشاركته في كثير من الدراسات لها تميُّز، إضافةً لخبرتهِ المميَّزة في أبحاث تنظيم الحج، واهتمامه بتاريخ مدينة جدة، شغوفًا بها، أحبّها فأحبّته، وأحبّه أهلها.. فكثير من الجوانب المضيئة تملأ حياة هذا الرجل الأنيق، وإنني أكتب هذه الكلمات البسيطة تعبيرًا عن تقدير واحترام ومودة لشخصه.. فقد كان ولا يزال وديعًا خلوقًا مُهذَّبًا. نعم يا عاصم.. أضم صوتي لكلماتك عن الدكتور عدنان اليافي.. فهو كنز من كنوز المعرفة، ويطوي صدره على علمٍ جم، وثقافةٍ واسعة، واطلاعٍ محيط.
