كان العلماء البيولوجيون والأطباء إلى عهدٍ قريب، يُلصقون كثيرًا من الأمور بالوراثة، خاصة الأمراض، وأنَّها سبب كل شيء، كما أنهم يقولون: ليس من مرضٍ إلا وورائه الناحية الجينية DNA والكرموزومات، يعني أن الوالدين أحدهما أو كلاهما أو النسل الذي أتوا منه هو السبب لظهور ذلك المرض، وهذا في نواحٍ متعدَّدة صحيح، وبعض الأمور لا يتضح فيها الجانب الوراثي 100%، فيلجأ الأطباء والبيولوجيون إلى التفسير أن 50% منها وراثي، والنصف الآخر عوامل بيئية وخارجية، ومع أن قوانين الوراثة تُدرَّس في الجامعات، وهناك مئات الكُتب والأقسام العلمية تحت مُسمَّى الوراثة، إلا أن ربط الأمراض، خاصة السرطانية، بالناحية الوراثية، في كل صغيرة وكبيرة، كلام يفتقر إلى الإثبات، كحقيقة مُسلَّم بها 100%، لأن هناك من الأمراض سببه نواحٍ متعددة، مثل البيئة، والعوامل الخارجية، مثل التغذية السيئة، ونظام الحياة، من غيابٍ للحركة والنشاط البدني، والإرهاق النفسي، وضغوط الحياة، وتعاطي كل ما هو ضار على الخلايا، وكون هناك أمراضاً مرتبطة مباشرةً بالوراثة، وأخرى غير مرتبطة بها، جعل التساؤل والحيرة لدى العلماء يزداد، حتى ظهر من البحوث العلمية والتجريبية ما يمكن أن يكون جوابًا شافيًا، وهو علم ما «فوق الوراثة»، Epigenatic الذي ربط بين الجينوم كمادة وراثية وبين التأثيرات المختلفة عليه، فماذا يعني تخصص ما فوق الوراثة؟!. كلمة Epigenatic تتكون من كلمة Genetic وتعني وراثة وبادئة باليوناني Epi وتعني بالعربي، فوق أو أعلى أو خارجي، وكلها ترمي لمعنى واحد متعلِّق بكلمة وراثة، بمعنى ما يتحكَّم بها ويُوجِّهها، وتعمل كمفاتيح لفتح أو إغلاق الجينات، ومن خلالها تعبر تأثيرات المواد والمؤثرات الخارجية على الجينات، ومن هنا نُدرك أن تشغيل الجينات لتعبر عن نفسها في التغيُّر مرتبط بهذه المفاتيح المتحكمة في الجينات، والنظرية الخلوية تؤكد أن كل خلية يمكن أن تعطي جميع أنواع الخلايا، إلا أنه في حالة تخصصها وتمايزها لا يعمل من الجينات إلا الخاص بها، أمَّا بقية الجينات، فتكون في حالة سكون ولجم، فإذا تحرَّكت مفاتيح ما فوق الوراثة، بناءً على تأثير خارجي (مادة غذائية، دخان، عامل بيئي)، فإن ذلك يعطي الضوء لعمل جين أو مجموعة جينات، فتظهر الخلية من حيث شكلها ووظيفتها لونًا تمايزيًّا جديدًا، لدرجة إمكانية تحوُّلها من خليةٍ طبيعية إلى خليةٍ سرطانية، ولعل هذا ما قاد بعض العلماء إلى وضع نظرية لتفسير حدوث السرطان، وهي ما تُعرف بنظرية طلائع الجينات الورمية Prot-oncogen Theory . إن بعض الأمراض تكون بسبب الوراثة مباشرةً، أي أن هناك جينات تتناقل وراثيًّا من جيلٍ لآخر، وبعضها يتم تشغيلها من خلال مفاتيح ما فوق الوراثة، وهنا يمكن القول بأن العوامل الخارجية لها دور إيجابي أو سلبي، كما أن الجهاز المناعي مُشارك هو الآخر في الممانعة، أو التسهيل للإصابة بالأمراض عبر قواته الخاصة، والأسلحة الخفيفة والثقيلة التي يستخدمها، خاصة في مواجهة الأمراض الخطيرة، مثل السرطان، ولكن إلى الآن دوره -أي جهاز المناعة- حتى في المعالجة لم تكتمل معرفته.