يتميز المجتمع العراقي بطابعه القبلي، الذي تكون فيه القبيلة أو العشيرة صاحبة الدور الأبرز في تنظيم حياة الفرد الاجتماعية، فهي التي تدافع عنه وتحميه، وهي السند في المصاعب التي يتعرض لها، والتاريخ الذي ينتمي إليه ويتفاخر فيه، ولا يمكن لأي فرد التخلي عن ارتباطه العشائري، وإلا أصبح منبوذًا اجتماعيًا. لذلك كان للعشائر العراقية الدور الأبرز في الأحداث المهمة التي مرت بالعراق، فقد كان لشيوخها الكلمة الأبرز ولأبنائها الدور الأكبر، ولعل آخرها هو استجابتها لفتوى المرجعية الدينية في الجهاد الكفائي عام 2014، مما جعل العشائر العراقية مستهدفة منذ زمن الاحتلال البريطاني مرورًا بالنظام البائد، ومحاولاتهم إضعاف بعض العشائر وتقوية أخرى بحسب ولائها للنظام، واستمالة بعض الشيوخ واستبدال آخرين، سواء بشرائهم بالمال، أو باستخدام السلطة. بعد عام 2003 امتد الطابع العشائري إلى المناطق الحضرية والمتمدنة، بعد أن كان متجذرًا في المناطق الريفية أو ما يعبرعنها بالمناطق العشائرية، ومع تطوره وقوة نفوذه التي أصبحت توازي نفوذ الدولة، بل يتجاوزها أحيانًا، برزت إلى الواجهة كثرة المشايخ ودعاة المشيخة، طمعًا في مكاسب النفوذ الاجتماعي والسياسي والوجاهة والتأثيرالإعلامي، فانشطرت العشيرة الواحدة لعشائر متعددة، وأصبحت في كل محافظة عشيرة بنفس الاسم، لكن بشيخ مختلف، بل تعداه أنه في كل منطقة أصبحت عشيرة، لا ترتبط إلا بصورة شكلية بالعشيرة الأم، مع إنهم نفس رابطة الدم والنسب!. يمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى عدة عوامل مترابطة، منها الضعف الذي أصاب مؤسسات الدولة، حيث وجدت العشائر فرصتها لتكون بديلا عن القضاء والقانون، كذلك الإعلام والوجاهة الاجتماعية التي يوفرها لقب «الشيخ»، إضافة إلى صراع النفوذ والمصالح الذي غلب على القيم ورابطة الدم، لكن السبب الأبرز هو أن بعض القوى السياسية دعمت بعض شيوخ العشائر، واختلقت آخرين لكسب الولاءات الانتخابية، مما ساعد على ظهور شيوخ جدد هم أشبه بمسؤولي مجاميع، لا يستندون إلى تقاليد راسخة. ما زال ماراثون المشيخة لم يتوقف، وكل يوم نشاهد حالات انشطار جديدة، تؤدي الى إضعاف روح العشائر الأصيلة، وتجذر حالات الانقسام والتفرقة والصراع على المصالح الشخصية، وأصبحت عالة على الدولة والمجتمع ما لم يتم التصدي لها وإيقافها، وذلك لا يتحقق الا بتقوية القانون ومؤسسات القضاء، لمنع الاحتكام إلى العرف العشائري في كل صغيرة وكبيرة، وتصدي العشائر نفسها لمنع حالات التشظي وإدعاءات المشيخة الفارغة.