جاء في تعريف «منظمة الشفافية الدولية» للفساد الإداري أنه: «كلُّ عملٍ يتضمّن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته». ويُمكن فهم الفساد الإداري أنه: «تلفٌ وعطَبٌ يُصيب الشأن العام أو الخاص، نتيجة إساءة استخدام السُّلطة وخيانة الأمانة وتجاوز الأنظمة الموضوعة». وبمعنى آخر: «الاستفادة من موارد عامة لتحقيق مصالح شخصية لفرد أو مجموعة، على حساب الصالح العام». وبالنظر إلى المفهوم العام للفساد الإداري، يُمكن وصف كثير من الممارسات الإدارية والوظيفية اليومية باقتراف صورةٍ من صُور التعدّي على روح القوانين، قد يبدو بعضها للوهلة الأولى مُتوافقاً مع الأنظمة. وقد يظهر «الفساد» نتيجة ضبابية الخطْوات التنفيذية والإجراءات الإدارية، والمماطلة فيها، فكما جاء في الحديث الشريف: «مَطْل الغنيّ ظُلم»، في إشارة إلى أن تأخّر الغني القادر عن أداء ماعليه، يُعد من الظلم وفساد الذّمة. ويظهر لي أن «المَطْل» من أكثر الممارسات الفاسدة انتشاراً والتي يُمارسها كثير من منتهجي طرق الإفساد، ووسيلة خفية من وسائل الفساد الإداري يلجأ إليها كثيرٌ من الذين وُكِّل إليهم خدمة الناس والقيام على شؤونهم، لتأخير مُستحقات الموظفين وابتزازهم وتعطيل حقوق المُستفيدين. ومن المهم - في رأيي - التفريق بين أخلاق الموظّف وسلوكه الإداري الفاسد، فليس من الضروري أن يرتبط الفساد الإداري لدى الموظف بفساد سلوكه الديني التعبّدي. فمن العجيب أن عدداً من الموظفين الفاسدين إدارياً، هم من أكثر الناس التزاماً بمظاهر الدّين وأشكال التديّن، ويتمتّعون بقَبول شخصي لدى كثيرٍ من المُحيطين بهم نظراً لحُسن حديثهم وتجنّبهم «الحرام والمحظورات» !! وهنا تتشكّل مُعضلة كبيرة وبخاصة في مُجتمعات توصف بالملتزمة دينياً، حيث تتناقض كثير من السلوكيات الشخصية والعامة مع مُثُلٍ عُليا وقِيمٍ دينية وأخلاقيةٍ ثابتة. ولدى تكريسه وتثبيته في منظومة القيم الاجتماعية، يتحوّل الفساد الإداري إلى مفهوم ٍأخطر وهو: «إدارة الفساد» .. وفي هذه الحالة، يُشير إلى وباءٍ أخلاقي ومرض سلوكي مُمتد وشامل، يصل إلى مستوى «الجريمة المنظّمة»، وبذلك، يُصبح الفساد الإداري مقبولاً عُرفاً وسلوكاً لدى جمهوره، عوضاً عن التنظيمات العادلة والقوانين غير المتحيّزة التي تتبناها الجهات المُشرِّعة.