المبادرة الأوروبية هي تجسيد لفشل الإستراتيجية أحادية الجانب التي اتبعتها إسرائيل في المناطق وأمريكا في العراق من الصعب فهم الرفض المتعجرف والمتهور للمبادرة الأوروبية المنادية بإرسال قوة دولية إلى غزة وعقد مؤتمر دولي للتسوية الإقليمية بعد ذلك. هذه القوة أتاحت لإسرائيل مخرجا من الغرق مرة أخرى في الحرب الأخيرة. المبادرة الأوروبية هي تجسيد لشعور متزايد بأن الإستراتيجية أحادية الجانب- التي اتبعتها إسرائيل في المناطق وأمريكا في العراق- قد أعلنت إفلاسها. أما خريطة الطريق فقد فقدت علاقتها بمجريات الأحداث وأصبحت غير ذات صلة. الولاياتالمتحدة تقف على ما يبدو على أعتاب تغيير جوهري في الاتجاه في سياستها في هذه المنطقة. ليس هناك خطأ أكبر من التشبث بالقديم في عهد التجديد والتغير. إن واصلت إسرائيل جمودها فسيبادر الآخرون بدلا منها. المبادرة الأوروبية ليست مستبعدة حتى وإن كانت بحاجة إلى تنقيح وإعداد إضافي. فكرة القوة الدولية في غزة صحيحة ولكن شريطة أن تكون في إطار تسوية سياسية متفق عليها. مثل هذا الإطار ليس قائما اليوم والدول لن تقوم بإرسال جنودها إلى ارض المعركة الدموية التي تسودها الفوضى من دون تفويض واضح. المؤتمر الدولي أيضا هو مسألة مرغوبة ولكن شريطة أن يعقد على أساس برنامج متفق عليه. إسرائيل ستكون محقة إن رفضت المشاركة في مؤتمر مفتوح يُسمح فيه بتقديم أي اقتراح كان. ولكن الأمور ستكون مغايرة إن عُقد المؤتمر الدولي على أساس مشروعي السلام- كدرع واق من المبادرات المعادية- مشروع كلينتون الذي وافقت عليه إسرائيل في حينه، وخطة السلام السعودية. تسوية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية تقع بين هاتين المبادرتين. إن كانت حكومة إسرائيل تنوي حقا التفاوض مع المعتدلين وليس مع المتطرفين، فإن المؤتمر الدولي بناء على هذا المسار هو فرصة سانحة لذلك. المؤتمر سيستبعد حماس إلا إذا قبلت ببرامج السلام المذكورة كأساس للمفاوضات. كما أنه سيضفي الشرعية على اتفاق السلام حتى وإن عارضتها حماس. المغزى الحقيقي لمبادرة السلام السعودية يكمن في أنها انتزعت من الفلسطينيين احتكار الحسم في قضية إنهاء الصراع. إلا أن المبادرة الجديدة لا يمكن أن تحلق عاليا إلا إذا تم تنسيقها مع الولاياتالمتحدة. الموافقة الأمريكية- الأوروبية وحدها على إستراتيجية مشتركة هي التي تنطوي على احتمالية ممكنة لانطلاقة سياسية كبرى. تغيير الاتجاه المتوقع في السياسة الأمريكية قد يؤدي إلى إحياء التحالف العابر للمحيطات بين القارتين والذي تصدع في بغداد. وان كانت تِركة بوش الأب ستنهض حية عبر تقرير بيكر المتوقع صدوره عما قريب- فليس من المستبعد حينئذ أن يدركوا في واشنطن مرة أخرى أن بغداد والقدس هما مسألتان متداخلتان. والكل يذكر أن نفس الائتلاف الذي قاتل في بغداد في عام 1991، هو الذي جاء بعد ذلك فورا إلى مدريد لتحريك المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط. شلومو بن عامي وزير الخارجية السابق