الجزيرة العربية قصة عظيمة لم تكتب كما يصفها القاص أحمد أبو دهمان، مشيداً في ذات الوقت بهذه الأرض التي تحوي ثراء كبيرا من المعرفة مشيدا بالحجاز ورجالاته. أحمد أبو دهمان في ليلة تكريمه باثنينية خوجة اعترف أنه شاعر، وقرأ أولى قصائده وهي قصيدة شعبية، موضحاً مكانة مدينة أبها التي شكلت مرحلة من حياته. وعن اختياره لمدينة باريس من بين عدة مدن أوروبية وأمريكية أوضح انه اختار باريس العدالة ولم يختر باريس الاستعمارية. وفي التفاتة واضحة إلى إرثنا الكبير أوضح أن من أوجب واجباتنا هو النهوض لكتابة تاريخنا مشيدا بالأقدمين من أمثال عبدالقدوس الأنصاري، موضحاً أنه قضى عشرات السنين في البحث عن تاريخنا حيث في بلادنا من الحكايات ما يمكننا من أجمل النصوص. وقال: إن ذكر في رواية الحجاز أن كل حبة رمل في هذه البلاد كانت جزءاً من قصيدة فعلينا حمل هذا الإرث، ولا نخجل، وأن نباهي بمنجزنا. وقال: إن رواية الحزام تتميز بالخيال واللغة الشعرية، وتعد جسرا من جسور التواصل بين المملكة وفرنسا. الشيخ عبدالمقصود خوجة، مؤسس الاثنينية، قال في كلمته: تسعد الاثنينية هذه الأمسية باستضافة الصحافي والروائي والأكاديمي الأستاذ الأديب أحمد بن سعد أبو دهمان، اسم قد لا يعرفه الكثيرون في الأوساط الثقافية بالمملكة، غير أنه لمع قبل سنوات في فرنسا، ويسرنا استضافته الليلة كأول سعودي يكتب بالفرنسية، وتنال كتاباته اهتماما عالميا، إذ ترجمت روايته (الحزام) إلى ثماني لغات حية، ونشرتها دار جاليمار للنشر بباريس.. كما نشرت (دار الساقي) ذات الرواية التي ترجمها المؤلف باللغة العربية، لتأخذ مكانها بين الكتب الأكثر مبيعاً. يشكل احتفاؤنا هذه الأمسية بضيفنا الكريم امتدادا وتفعيلا للتواصل والتعاون الذي نأمل أن يصب في خدمة الكلمة وروادها، وإحياء للحلف الذي عُقد بين اثنينيتكم وسعادة الأستاذين إبراهيم فودة - رحمه الله - رئيس نادي مكة الثقافي آنذاك، وعبدالفتاح أبو مدين رئيس النادي الثقافي بجدة السابق الذي فُعّل زمانا، ثم تعطل أزماناً لأسباب أتركها للتاريخ، وأرجو في عهد الزميلين رئيسي الناديين الحاليين، معالي الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي وسعادة الدكتور عبدالمحسن القحطاني أن تستمر هذه المسيرة الخيرة بإذن الله بإتاحة الفرصة لكل منتدى للاستفادة من خبرات ومسيرة الضيوف الكرام، بحيث يخصص يوم الأحد للنادي الأدبي بجدة، ويوم الاثنين لاثنينيتكم، ويوم الثلاثاء لنادي مكة الأدبي الثقافي وما هذا التكريم إلا بدؤها.. يأتي الاحتفاء بضيفنا الكريم في وقت يغلب على حركة نقل الإبداع الأدبي من وإلى العربية غياب المؤسساتية والمنهجية والتخطيط المسبق، وفق آليات وبرامج مدروسة، لتعريف الآخر بما تحتويه ثقافتنا من أفكار ورؤى وأطر جديرة بالانتقال من شرنقة المحلية إلى العالمية، بل نجد أن الأمر متروك في معظم الأحيان للصدفة ولذوق المترجم واختياراته التي تحكمها عوامل عدة منها السياسية والدينية والفكرية والمذهبية، بالإضافة إلى حسابات الربح والخسارة التي تعول عليها سوق النشر أهمية كبيرة، وتلبية رغبات القراء وأهوائهم التي تفرض على الساحة الثقافية أنواعاً معينة من الكتب وتتجاهل آخر، واللافت للانتباه أن كثيراً من الروايات ومنها رواية ضيفنا الكريم، عاشت في غربة بيننا دون أن نعيرها اهتماماً، حتى إذا أصبح كتابها المغمورون ملء السمع والبصر تشوقنا لقراءة منجزهم الثقافي بعد أن تتسابق دور النشر العالمية لترجمتها بعدة لغات، أو عندما يحصد مبدعوها جوائز عالمية، وتبلغ شأوا ومكانا عليا، كروايات الأساتذة الكتاب يوسف إدريس، والطيب صالح، وغسان كنفاني وإميل حبيبي ومحمود درويش وصلاح عبدالصبور وأدونيس والياس خوري وغادة السمان وغيرهم، مما يدعونا إلى ضرورة تكاتف الجهود وخاصة الجامعة العربية ممثلة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المبادرة بترجمة الأعمال الأدبية العربية القيمة إلى اللغات الأخرى، واختيار المترجمين ذوي الكفاءة والنزاهة مع دعم دور النشر العالمية مادياً لترجمة الأعمال الجديرة بالترجمة. ونحن إذ نحتفي بهذا الأديب الذي شق طريقه من إحدى قرى بلاد قحطان، إلى بلاد النور في باريس، لا نملك إلا أن نحيي شاباً في ميعة الصبا يغدو ويروح مدرساً في قرية تتكون نخبتها الاجتماعية من شيخ الفخذ، وإمام المسجد، والمدرس، والمساعد الطبي بالوحدة الطبية.. تلك الصورة النمطية عن القرية بكل سكونها وتلاحمها وتآزرها في السراء والضراء، في وقت كانت تشكل فيه وظيفة (مدرس) سقفا لكثير من أبنائها الذين يرون فيها حلما يكتمل بالزواج والتناسل.. ثم تمضي الحياة رتيبة في مساراتها المحددة سلفا، والمرسومة لكل فرد بعناية كبيرة. بيننا الليلة أستاذ وأديب له تطلعات طموحة، ونظرة تستعصي على الإدراك من أول وهلة، فقد راوده حلم الرحيل إلى باريس، ولما يزل على مقاعد الدراسة الجامعية، أحسب أن أنوار باريس كانت تومض إليه من بعيد لتقود خطاه نحو مباهج جامعاتها، ومراكز أبحاثها، ومتاحفها، ومقاهيها، ومنتدياتها.. وكانت (السوربون) الحلم الذي دغدغ كيانه قد رست في كيانه منذ وقت مبكر، إلى أن تحقق أخيراً لينطلق نحو إجادة اللغة في معقلها الأساس.. فأحب تلك اللغة بشغف كبير، ووجد فيها نوافذ لا نهائية للتعبير عن ذاته والاستزادة من مخزونها الإبداعي الكبير.. وبالرغم من ذلك فإن هويته العربية لم تتأثر مع مرور سنوات طويلة من الغربة في محيط يجرف الغرباء بجبروت نحو دوامته الهائلة، أو يجعلهم في (كانتونات) معزولة تنزوي وتموت بعيداً عن دائرة الضوء، بدون تأثير يذكر في مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والأدبية. وبطبيعة الحال ما كان لهذه الرحلة الشاقة أن تتمخض عن أي نجاح لولا قوة الإرادة وصلابة العزيمة، ثم الاستفادة من مختلف المعطيات وصولاً إلى أوائل الطريق، سعيداً أن يكون لأحد المنتديات الأدبية في باريس، والمعروف بمنتدى الأستاذ المفكر الكبير محمد أركون أثر ملموس في تكوين شخصية ضيفنا الأدبية وتمكينه من أدواته بما أسهم في خوض غمار تجربة الإبداع بالفرنسية، كأول سعودي يستشرف تلك الآفاق الشاسعة في الفرانكفونية التي ظلت حكرا على عدد معروف من الدول ذات العلاقات التاريخية مع فرنسا.. وأعتقد أن هذا المنجز في حد ذاته يمثل اختراقا يستحق الإشادة والتقدير، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول مضمون العمل الروائي الفني، فهذا مجال له من يتصدى له بالقراءة، وتشريح النص، وسبر غوره، وتقييمه.. غير أن الذي يعنيني في هذه المقاربة تناول الحدث من ناحية منهجية العمل، وتطوير أدوات الإبداع وفهم أبعاد عقلية المتلقي، وكيفية التعامل معها وجذب اهتمامها، فامتلاك ناصية هذه الخلفية يحقق للكاتب أهم عناصر كسر الجليد وتذويب الفوارق الحضارية.. ولعل الأهم من ذلك الوصول إلى عتبات دور النشر الكبيرة التي تتكسر أمامها الكثير من الأقلام والأحلام.. لذا فإنني أعتبر ما حققه ضيفنا الكريم نموذجاً يحتذى في تأطير التوجه نحو تحقيق الذات رغم الصعوبات.. مؤكداً على أن خروج المبدع من قنوات التحصيل الرسمي إلى توسيع دائرة المدارك، كما حدث مع ضيفنا واستفادته القصوى من منتدى الأستاذ الدكتور محمد أركون، أستاذ تاريخ الفكر الإسلامي بجامعة السوربون، يعني في الواقع العودة إلى الأصول والجذور التي كانت تحمل الباحث والدارس ليجثو على الركب أمام أكثر من عالم في مختلف حقول المعرفة، ليحصل أخيراً على بغيته في حصيلة تؤهله لهضم وتمثيل تلك الشذرات، والخروج منها بنتاجه الخاص الذي يحمل مفرداته وقاموسه المميز. * دار بعد ذلك حوار بين الحضور وأبي دهمان. - ففي تعليق له حول رسالته عن الدكتوراه أوضح أنه سبقه إلى البحث في تاريخ القصة القصيرة في المملكة عدد يحترمهم، ولكن ما يميز عمله أنه عمل تحت إشراف الأستاذ محمد عرقون حيث القراءة عنده علم. - وفي تعليق له على طلب بطبع رواية الحزم بلغة برايل بعدة لغات أوضح انه سعيد بمثل هذا المقترح، ولتنفيذه يجب الاتصال بدار النشر الفرنسية التي لن تتردد في ذلك. - وعن الاغراق في المحلية في رواية الحزام والارتباط بالقرية وكون ذلك مفتاحا للعالمية أوضح أن الحزام نص تاريخي روائي سيرى فيه كل شيء، فيه جهد عشرات السنين وفيه تاريخ هذه البلاد. - وعن تعليم الفرنسية في بلادنا قال: إنه يتمنى ذلك وإن كانت الفرنسية محاصرة حتى في فرنسا، ويجب أن تتسع النوافذ، والعربية ليس عليها خوف وإنما الخوف على الفرنسية. * د. نجا برنجي عبرت بفخرها بأبي دهمان الذي أصبح من أشهر أدباء المملكة، ويرد اسمه في عدد من المواقع العربية والأجنبية. * عبده خال قال: إن أدباءنا يكرمون من الخارج بينما نضن عليهم بهذا التكريم، أبو دهمان ربما لا يكون معروفاً لديكم وهذا مؤسف أن يكون معروفاً في العالم وغير معروف لدينا، مضيفا ان الرواية والقصة هي الآن تكتب التاريخ، موضحا أهمية القص حيث القرآن الكريم يكاد يكون معظمه قصا. * من جانبه اعتبر د. عبدالله مناع أن الليلة تعتبر إحدى المفاجآت الكبرى في حياته، وفي الاثنينية حيث كان يعتقد أن أبا دهمان خيال لا حقيقة. * وكانت الليلة مزيجاً بين الشعر الشعبي والأهازيج الجنوبية وحوار حول رواية الحزم وفرنسا. سيرة ذاتية مختصرة - المولد: قرية آل خلص ببلاد قحطان بتاريخ 29-4-1949م - المراحل الدراسية: الابتدائية في مسقط رأسه، والمتوسطة في أبها.. ثم معهد المعلمين بالرياض. - الحياة العملية: عمل مدرساً بقريته لمدة ثلاث سنوات، ثم التحق بجامعة الملك سعود (جامعة الرياض آنذاك) للتفرغ الدراسي، وتخرج في قسم اللغة العربية بدرجة ممتاز، وعين معيداً في نفس الكلية، وأخلى طرفه من وزارة المعارف (التربية والتعليم). - سافر في بعثة دراسية إلى السوربون، حيث قضى سنتين في تعليم اللغة الفرنسية، وحصل على الماجستير عام 1404ه ثم بدأ مشوار الدكتوراه التي من المتوقع أن يناقش أطروحتها بعد شهرين، عن القصة القصيرة في المملكة. - عمل مديراً لمكتب جريدة الرياض منذ عام 1982م ومازال على علاقة بالجريدة. - من أهم أعماله المطبوعة رواية (الحزام) التي كتبها باللغة الفرنسية.. وترجمت إلى ثماني لغات حية، وطبعت بثلاثة أشكال (طبعة عادية، وطبعة لضعاف البصر بأحرف كبيرة جداً، وطبعة جيب).. وهو أول كاتب من الجزيرة العربية يكتب باللغة الفرنسية مباشرة دون أن يفقد هويته العربية، فهو يكتب بالعربية يومياً في مختلف المجالات. - شارك في عدة مؤتمرات، وكان الكاتب العربي الوحيد للمشاركة بمناسبة مرور عشرين عاماً على بدء كتابات (تانتان) الشهيرة للأطفال. - حصل على المركز الثاني بجائزة القارات الخمس للأدب المكتوب بالفرنسية في المنتدى اللبناني المعروف باسم محمد عرقون. - المؤلفات: له مؤلفات قيد الإعداد للنشر، من أهمها اطروحة الدكتوراة الجديدة عن القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية.