سار تُزيح شاحنات "P&G" بنقل منتجاتها للرياض    السجن والغرامة لمن يتأخر عن الإبلاغ بمغادرة مستقدميه    أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة وزخات من البرد على مرتفعات الجنوب    بمشاركة 4 فرق .. "الثلاثاء" قرعة كأس السوبر السعودي    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    قائد النصر "كريستيانو رونالدو" هدافاً لدوري روشن السعودي ب 35 هدفاً    «الصقور الخضر» يعودون للتحليق في «آسيا»    «الاستثمارات العامة» يطلق مجموعة نيو للفضاء «NSG»    المملكة وسورية ومصالح العرب    شوريون ل«التعليم»: أين إستراتيجيتكم ؟    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    تقدير الجميع لكم يعكس حجم التأثير الذي أحدثتموه في المجتمع    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    صالات خاصة لاستقبال الحجاج عبر «طريق مكة»    حلول مبتكرة لمرضى الهوس والاكتئاب    القاضي الرحيم يتعافى من سرطان البنكرياس    الشمردل ينتزع ذهبية غرب آسيا للبلياردو    شهادات الاقتصاد    كوريا الشمالية تعلن فشل عملية إطلاق قمر اصطناعي لغرض التجسس    بولندا تبرم صفقة مع الولايات المتحدة لشراء صواريخ بعيدة المدى    نائب وزير الخارجية يحضر حفل الاستقبال بمناسبة الذكرى السنوية ليوم إفريقيا    ورحلت أمي الغالية    الاحتيال العقاري بين الوعي والترصد    موجز    ارتفاع استثمارات «المسار الرياضي»    كشف رب الأسرة    إسدال الستار على الدوريات الأوروبية الكبرى.. مانشستر سيتي يدخل التاريخ.. والريال يستعيد لقب الليغا    أخضر رفع الأثقال وصيف العالم    اليوم في ختام دوري يلو.. تتويج القادسية.. والخلود والعروبة في صراع الوصافة    الطائر الأخضر والمقعد الأزرق !    أمير المنطقة الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة نادي الاتفاق    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة        طلب عسير    سرقة سيارة خلال بث تلفزيوني    الفريق البسامي يستعرض الخطط الأمنية للحج    مكتسبات «التعاون»    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الفيصل تُكرم الطلاب الفائزين في مسابقتَي «آيسف» و«آيتكس» وتشيد بمشاريع المعلمين والمعلمات    حفلات التخرج.. البذل والابتذال    بدء أعمال إنشاء مساحات مكتبية في "ميدان الدرعية"    إدانة دولية لقصف الاحتلال خيام النازحين في رفح    باخرتان سعوديتان لإغاثة الشعبين الفلسطيني والسوداني    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    نعم.. ضغوطات سعودية !    الديمقراطية إلى أين؟    نصائح للمرضى خلال رحلة العمر.. إستشاري: خذوا أدوية السكري في مواعيدها وتجنّبوا الإجهاد    سكري الحمل    دراسة تكشف أسرار حياة الغربان    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي.. غداً    «جامعة نايف» تفتتح فعاليات الندوة العلمية «إدارة وتأمين الأحداث الرياضية الكبرى»    سلمان الدوسري يهنئ جيل الرؤية على التفوق والتميز    فيصل بن بندر يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    نائب أمير مكة يطّلع على استعدادات وخطط وزارة الحج والعمرة    وصول طلائع الحجاج السودانيين إلى ميناء جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدم وضوح منهجية الدعوة و(الإطار) الاجتماعي الضيق لحركة المرأة
مع عدم وجود جهة رسمية نسوية.. أبرز المعوقات أمام المرأة الداعية
نشر في الجزيرة يوم 18 - 11 - 2005

أكد فضيلة الشيخ الدكتور فالح بن محمد الصغير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض أن مستجدات العصر، والغزو الفكري، والحرب الإعلامية عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت، والصحف، والمجلات وغيرها التي تستهدف الخراب والدمار لأبناء الأمة المسلمة عبر بوابة المرأة المسلمة يؤكد ضرورة العمل الدعوي للمرأة وتشجيعه ودعمه بكل الطاقات وشتى السبل، للوقوف في وجه هذا التيار المدمر الذي اجتاح العالم الإسلامي عبر بوابة المرأة.
وقال فضيلته في دراسة له عن العمل الدعوي للمرأة المسلمة: يجب ألا يقتصر عمل المرأة الدعوي في بيتها فحسب، بل يجب أن يتجاوزه ليشمل الحي، والمدرسة والمستشفى، والمؤسسة، والشارع، والسوق، والحديقة وغيرها، كما يجب أن تؤدي المرأة رسالتها الدعوية بأكمل وجه وبكل ما أوتيت من قوة وطاقة، ولا يقتصر هذا العمل أيضا على بيان الخطوط العريضة للدين، وإنما يتجاوزه إلى جميع جزئياته وتفاصيله، لبيان الحق وإحقاقه، وبيان الباطل وإبطاله؛ لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
وجاء في الدراسة ما نصه: إن الدعوة إلى الله تعالى هي رسالة كل مسلم في هذه الحياة وبخاصة طالب العلم الشرعي، وهو موكل بتبليغ هذه الرسالة للناس كافة دون اعتبار لجنس أو عرق إقليم أو لون أو منصب أو جاه، وهذه ميزة عالمية تميزت بها رسالة الإسلام عن سائر الرسالات السماوية والنظم الوضعية والبشرية التي لا تخرج من بوتقة اللغة أو الجنس أو الإقليم، يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، فهو خليفة الله تعالى في أرضه لقوله جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة}.
وهذا التوكيل في الدعوة والخلافة في الأرض ليس مقتصرا على الرجل فحسب، وإنما هو قاسم مشترك بينه وبين المرأة التي تشاطره في جميع مجالات الحياة: فلا وجود للرجل من غير المرأة ولا وجود لها من غير الرجل، فالاثنان يكمل بعضهما بعضا، وهذه سنة الله تعالى في البشر منذ خلقهم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}، والمرأة المسلمة كما هي مكلفة التكليف الشرعي كالرجل وعليها أمانة ومسؤولية، فمن ضمن هذه المسؤولية، المسؤولية الدعوية، فهي تشارك الرجل في حمل هذه المسؤولية، وفي الأجر العظيم المترتب عليها، وان اختلفت معه في ميادين هذه الدعوة، وأساليبها، وطرائق الخطاب، ونحو ذلك.
المرأة الدعوية
وبالنظر في هذه المسؤولية واقعا، نجد أن مسألة المرأة الدعوية منذ قرون ما بين مد وجزر، ما بين التأييد أو الإقصاء، ولم يظهر الاعتدال إلا في فترات قصيرة في مسيرتها الدعوية، وكان السبب في ذلك هو الاختلاف في مفهوم التكليف المنوط بالمرأة، فبعضهم كان يرى أن عليها تكاليف شرعية لا تخرج إلى غيرها، وهو أداء ما فرض الله عليها من أركان الإسلام الخمسة وبعضهم توسع في هذا التكليف ليشمل مجالات الحياة كافة، إضافة إلى ما افترض عليها من الفرائض والواجبات المفروضة عليها.
ولكننا في عصر يعج بالفساد من كل الأطراف، وبغزو فكري جامع يحرق الأخضر واليابس، وبحرب شعواء بأعتى العتاد وأشرس الأساليب، وبحرب إعلامية رهيبة عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت والصحف والمجلات وغيرها، ولا سيما من بوابة المرأة؛ لأنها أسهل عبورا ومسيرا إلى الخراب والدمار لأبناء الأمة المسلمة، فوضعوها في كل شيء هابط، وجعلوها بضاعة رخيصة على صفحات الشبكات الإلكترونية وعلى شاشات الفضائيات، من أجل إفلاس الأمة روحيا، وإضعافها ماديا وتقنيا ومعرفيا.
التكليف الشرعي
بالإضافة إلى التكليف الشرعي لقيام المرأة بواجبها الدعوي فإن هذه الأوضاع تفرض علينا أن نقرر ضرورة العمل الدعوي للمرأة وتشجيعه ودعمه بكل الطاقات وشتى السبل، للوقوف في وجه هذا التيار المدمر الذي اجتاح العالم الإسلامي عبر بوابة المرأة، ويجب ألا يقتصر عمل المرأة الدعوي في بيتها فحسب، بل يجب أن يتجاوزه ليشمل الحي والمدرسة والمستشفى والمؤسسة والشارع والسوق والحديقة وغيرها، كما يجب أن تؤدي المرأة رسالتها الدعوية بأكمل وجه وبكل ما أوتيت من قوة وطاقة، ولا يقتصر هذا العمل أيضا على بيان الخطوط العريضة للدين، وإنما يتجاوزه إلى جميع جزئياته وتفاصيله، لبيان الحق وإحقاقه وبيان الباطل وإبطاله؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
ومن هنا فالتكليف الدعوي مشترك، وقد قامت به نساء السلف ابتداء من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، حتى يومنا الحاضر، وسجل التاريخ صفحات مشرقة للكثيرات، فموقف خديجة رضي الله عنها في مؤازرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين واضح، وتحمل عائشة - رضي الله عنها - لأمانة العلم وتبليغه تشهد به صفحات الكتب الحديثية، والفقهية، ويد سودة - رضي الله عنها - الطولى في الصدقات شاهد على مواساة الفقير والمسكين والمحتاج، ناهيك عن فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء أهل الجنة في تخريجها للحسن والحسين رضي الله عنهما، وغيرهن كثير وكثير.
ولا شك أن هذا التكليف بحسبها وبحسب طبيعتها، وما يتفق مع ظروفها أما، وزوجة، أو أختا، أو بنتا، معلمة، أو موظفة، أو ربة بيت، فترسم منهاجها الدعوي وفق هذه الطبيعة، ووفق وضعها الاجتماعي.
المنهج القويم
ومن بدهي القول إن أول ميدان لها، وأعظم بيتها، فيمثل الواجب العيني عليها ثم تتدرج في الميادين حسب وضعها، ومن بدهي القول أيضا أن قيامها بهذا التكليف يجب أن يكون متوافقا مع بقية واجباتها الأخرى غير متعارض معها، وغير متعارض مع آدابها، وواجباتها الشرعية، وغير مسبب لوقوعها في أخطاء عقدية أو سلوكية.
إن المرأة إذا قامت وفق هذا المنهج القويم سجلت نفسها ضمن العظيمات دنيا وأخرى، نسأل الله أن يحقق لنسائنا ذلك.
والمرأة في مسيرتها الدعوية تتعرض لعقبات حقيقية ووهمية، تحول دون القيام بالعمل الدعوي في مجتمعاتنا وواقعنا، مع الإشادة والإعجاب بما تقوم به جملة الداعيات وفقهن الله في السنوات الأخيرة، وهذا ما يزيد الطلب في معرفة العقبات، ونشير هنا إلى بعض هذه العقبات لوضع علاج لها وإزالتها من طريق المرأة وتخفيفها، ونختم ببعض التوصيات التي أرى ذكرها مساعدة لتجاوز هذه العقبات، وقبل ذكر هذه العقبات أشير إلى ما يلي:
عقبات ومصاعب
إن الدعوة ولله الحمد في هذه البلاد خطت خطوات حميدة في السنوات الأخيرة وليس ذكر هذه العوائق تحجيما أو غضا منه، فبارك الله فيها، وأن هذه الدعوة مبنية على الابتلاءات ووجود العوائق والعقبات، وهذه سنة الله تعالى فيها، وما من رسول أرسل إلا ويجد من هذه الابتلاءات ما يجد، ونبي هذه الأمة محمد بن عبدالله - عليه الصلاة والسلام - ابتلي وابتلي ووضعت في طريقه العقبات تلو العقبات، فلم تثنه عن الدعوة بل تجاوزها حتى أتم الله تعالى هذا الدين، كما أن المقصود من ذكر هذه العوائق والعقبات معرفتها، ومن ثم محاولة معالجتها بالتخفيف أو الإزالة، وبخاصة ما يكون منها من عمل الداعية نفسها، وأن هذه العقبات وهذه العوائق مختلفة، منها ما هو في التصورات والرؤى، ومنها ما هو في الوسائل، ومنها ما هو متعلق بالبعض دون الآخر، ومنها ما هو متعلق بمكان دون الآخر، ومنها ما هو متعلق بزمان دون الآخر، فلا يلزم من ذكرها وجودها أو وجودها جميعا عند كل الداعيات وفي جميع الأزمنة والأمكنة.
ضيق المفهوم الدعوي
أما العقبات فهي: أولاً: ضيق مفهوم الدعوة عند بعض النساء، ويتجلى هذا الضيق في حصر مفهوم الدعوة بأنه تصحيح لبعض الأخطاء السلوكية، أو حصر الخطاب في دائرة الوعظ العاطفي، وأن المرأة إذا لم تستطع القيام بهذه الأمور فلا تكن داعية، ولا شك أن هذا قصور بين، فمفهوم الدعوة واسع كما هو معلوم، فهو يشمل: الدعوة من الكفر إلى الإسلام، والدعوة من المعصية إلى الطاعة، والدعوة من العمل المفضول إلى الفاضل، يوضح هذا عمل الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يوجه في هذه الشعب كلها، وعليه فالمرأة تستطيع أن تقوم بالدعوة ابتداء من محضنها الأساس (البيت) إلى أفسح المجالات وأوسعها، بحسب الضوابط الشرعية.
ثاني هذه العقبات هو عدم وضوح منهجية الدعوة، ووجود غبش في الرؤية، ومن هنا نجد العاطفة هي المحرك الأساس عند كثيرات، بينما تجد أخريات لديهن اهتمام بالعلم الشرعي ولكن لم يتحركن، فلا تكاد تجد رؤية واضحة تكون فيه الداعية نفسها، وتحدد أهدافها ومنطلقاتها والطريق إن لم تكن واضحة المعالم، بينة الأهداف، يفشل صاحبها في ثنايا الطريق، وهذا يحتم على أهل العلم والدعاة رسم هذه المنهجية.
الإطار الضيق
أما العقبة الثالثة فهي اعتقاد بعض النساء والرجال أن الدعوة بالنسبة للمرأة لا تتم إلا وفق إطارها الاجتماعي الضيق، أو مجتمعها النسائي المحدود، فلا تتجاوز هذا الإطار إلى غيره، وهذا قصور كبير لهذه الدعوة؛ لأن هذا الضيق يحرم الكثيرات من النساء من هدي الدعوة وحقيقة الإسلام، فيجب أن توسع المرأة الداعية من مجالاتها الدعوية لتشمل جميع زوايا المجتمع وشرائحه وأطيافه، فلا تقتصر على نساء دون أخريات، أو تنشط في مجال وتضعف في آخر، فالساحة مفتوحة أمامها وعليها أن تستفيد من جميع الفرص ولا تستهن بالوقت وتضيعه فيستفيد منه الطرف المعادي لتحقيق المفاسد والانحلال داخل الأمة.
ومن هذه الحالات والميادين؛ مدارس البنات الحكومية والأهلية، ومدارس تحفيظ القرآن النسائية، والمنشآت الصحية الحكومية والأهلية، وفي المساجد في الجناح الخاص بالنساء، وفي الجمعيات النسائية، وفي حملات الحج، وكذلك المشاركة في العمل الدعوي في وسائل الإعلام المختلفة كالصحافة والمجلات ونحوها، ضمن الضوابط الشرعية المسموح بها.
كما أن رؤية بعض النساء أن الدعوة خاصة بالرجال دون النساء، وأن على النساء أن تحصر مهمتها في خدمة الزوج والأسرة داخل البيت فحسب، وليس عليها مهمة تبليغ الرسالة إلى الناس، لما يترتب على ذلك من المفاسد والإحراجات لها فهذه هي العقبة الرابعة، وكان من أهم نتائج هذه الرؤية: قلة عدد الداعيات إلى الله في المجالات الأخرى وقلة علمهن وخوضهن في مجال الدعوة مما أضعف مسيرة الدعوة عندهن.
وهذه الرؤية غير صائبة مع تقديرنا أن مسؤولية الرجل الدعوية أكبر حملا وأكثر تفرعا من مسؤولية المرأة، إلا أن ذلك لا يعفي المرأة من العمل الدعوي، والآيات القرآنية صريحة بذلك، يقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ}، ويقول أيضا: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وغيرها من الآيات التي لا تميز في التكليف بين الرجل والمرأة في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بالأعمال الصالحة التي تدخل فيها كل ما أمر به الشرع العمل به وكل ما نهى الشرع عنه، وهذا واضح من صريح الآيات القرآنية.
ليس هذا فحسب، بل ذكر الله تعالى في كتابه العزيز عددا من النساء القدوات، كامرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، في قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}، ولا يعني هذا إهمال البيت والأسرة فهو الواجب الأول.
الحجاب.. ومشكلته
والعقبة الخامسة الحجاب الذي يعده البعض عقبة أمام عمل المرأة الدعوي، وهذا محض وهم لا أساس له في الشرع، وهذه حجة تغلق باب الدعوة وتقوض عمل المرأة الدعوي، وبالتالي فتح المجال للسافرات والمتبرجات أن يعملن بحرية ونشاط، دون أن يجدن في الساحة من يقف أمامهن ويدحض ادعاءاتهن وأباطيلهن.
ويدرك أصحاب الألباب أن الحجاب لم يكن في يوم من الأيام عقبة أمام عمل المرأة الدعوي ما دامت هذه المرأة تتحرك ضمن الحدود التي رسمها الإسلام لها، من التمسك بحجابها، وغض البصر، وعدم الاختلاط بالرجال إلا للضرورة، والمحافظة على سترها وعدم السفر من غير محرم وعدم الاختلاط بالأجانب وغيرها من المحظورات التي أمر الشرع بتجنبها، فضمن هذه الحدود تستطيع المرأة أن تسهم في العمل الدعوي بسهولة ويسر وتمارس أنشطتها الدعوية على أكمل وجه، وبخاصة أن ميدانها بنات جنسها، فهذه عائشة التي تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة وتوفي عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وعمرها ثمانية عشر عاما كانت من الفقيهات العالمات والداعيات إلى الله تعالى فما يشكل على صحابي أمر إلا ساروا إليها ليجدوا عندها من العلم ما يزيل هذا الإشكال، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه (ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما).
التفرقة بين الداعيات
والعقبة السادسة وجود الفرقة والاختلاف بين النساء الداعيات وعدم وجود تنسيق بينهن ولا سيما الاختلاف الناتج عن الرأي الواحد وعدم الاكتراث بآراء الأخريات من الداعيات وهذا التعصب في الرأي وفرض وجهة النظر الواحدة يعطب مسيرة المرأة الدعوية، ويشتت جهودها وطاقاتها، وإن كانت كثيرة وجبارة، لأن الاختلاف والتنازع يؤدي إلى الفشل كما قال تعالى: {َلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، بل يجب أن تكون كل حركة وسكون للمرأة في خدمة الدعوة إلى الله وهداية الناس وتعريفهم بالإسلام وأحكامه وتشريعاته، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
ومن المناسب أن تقوم الداعيات بالتنسيق بينهن والاستفادة بعضهن من بعض وتكامل جهودهن فإن الاختلاف المذموم من أشد العقبات للدعوة وأعظم الفرص للأعداء للولوج إلى تلك المرأة وإفساد دعوتها وهذا لا يعني عدم وجود خلاف في وجهة النظر، ولكن مثل هذا الخلاف يتعامل معه بآداب الخلاف ولا يفسد للود قضية.
عدم وجود جهات نسوية
أما العقبة السابعة عدم وجود جهات رسمية نسوية تدير العمل الدعوي عند النساء وتنسق بين الأعمال الدعوية المختلفة وترسم منهجية الدعوة وهذا يجعلنا نقترح على وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد إنشاء مؤسسات نسائية دعوية خاصة تشرف على العمل الدعوي عند المرأة وتدعمها من جميع النواحي وتنظم مسيرتها الدعوية لتكون قادرة على مواجهة التحديات الكثيرة التي تستهدف الأمة بأسرها.
قلة العلم الشرعي
والثامنة قلة العلم الشرعي لدى كثير من النساء الداعيات وهذه عقبة كبيرة في طريقها الدعوي فكيف تستطيع أن تدعو الناس إلى دين الله تعالى دون أن يكون لها رصيد من العلم والمعرفة بهذا الدين وأحكامه؟ وهذه العقبة موجودة على نطاق واسع في مجتمعاتنا النسوية، وهذا - أعني قلة العلم - سبب لتعطل كثير من الأعمال الدعوية أو فتور كثير من الداعيات، أو عدم وجود رؤى واضحة ومنهجية سليمة، لأن هذه الدعوة مبنية على العلم وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه العقبة الأساس لابد من معالجتها من خلال التركيز على تعليم المرأة الداعية العلوم الشرعية المختلفة، وقراءة أمهات الكتب والمصادر الشرعية، وإنشاء مكتبات خاصة للنساء للمطالعة والتعليم والتفقه والتعرف على أساليب الدعوة ومقتضياتها لتصل إلى مستوى المطلوب للقيام بالعمل الدعوي.
العمل الدعوي والمنزلي
والتاسعة صعوبة التوفيق بين العمل الدعوي والعمل المنزلي عند بعض النساء وهذه العقبة توجد عند بعض الأسر التي لا ترتب أوراقها، ولا تنسق جهودها أما الأسرة التي تنظم وقتها وتوزع أدوار أفرادها يستطيع جميعهم الإسهام في العمل الدعوي الرجل والمرأة والأولاد، لأن أعمال المنزل لا يعذر أصحابها من تبليغ هذا الدين للناس، فهذه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها - رغم مشاغلها الكثيرة داخل البيت وخارجه، إلا أنها كانت المرأة الداعية والزوجة الأصلية الصالحة تقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته وتؤازره وتعينه في تبليغها للناس وتعضده في الشدائد والخطوب فها هي تقول له في أحد المواقف العصيبة: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
والعائق العاشر عدم وجود محاضن كافية للمرأة تتدرب فيها الداعية، وتطور نفسها من خلال هذه المحاضن العلمية أو الدعوية، وإن وجد بصيص في المدن الكبرى، فيكاد ينعدم في سائرها وهذا مما يجعل العبء ثقيلا على المؤسسات الدعوية بالتفكير الجاد لإيجاد خطة تسير على منوالها لفتح محاضن عملية ودعوية للمرأة المسلمة بطريقة أو بأخرى.
عدم فهم قدرات النساء
والحادي عشر وجد بعض الأزواج أو الأولياء الذين لم يتفهموا قدرات نسائهن الدعوية أو قد يفهمون الولاية والقوامة فهماً جزئيا قاصرا ومن ثم لا يأذنون لمولياتهم القيام بشرف هذه المهمة الجليلة، فتقف تلك الداعية وظيفتها في حدود ضيقة.. ومع الزمن تفتر ولا يستفاد من تلك القدرة، وهذا يوجب نشر الوعي بين الأولياء بعظم أهمية هذا الأمر مع ضرورة مشاركة الداعية نفسها في نشر هذا الوعي، كما أن قلة المواصلات وصعوبتها ومثلها الإمكانات المادية لدى كثيرات مما يعوق مسيرتهن الدعوية.
والعائق الثاني عشر يكون ذاتيا، كالفتور السريع أو العجلة، أو عدم تفهم الواقع، وعدم الصبر، أو استعجال النتيجة وعدم تزويد الداعية نفسها إيمانا، أو العجب عند البعض، أو دخول الشيطان على النفوس، ونحو ذلك، وهذه أمراض يجب على الداعية نفسها أن تتنبه لذلك، حتى لا تقع فريسة للشيطان فيهلكها.
مقترحات.. وتوصيات
هذه بعض العوائق والعقبات في العمل الدعوي للمرأة ولعلي أختم ببعض المقترحات ملخصة وهذه المقترحات منها ما هو متعلق بالمؤسسات ومنها ما هو متعلق بالعلماء والدعاة والداعيات:
أولاً: ما يتعلق بالمؤسسات.
1- أرى أن تفتح وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد قسما لدعوة المرأة ويكون له فروع في المناطق والمحافظات ومكاتب توعية الجاليات.
2- أرى أن تفتح الوزارات التي فيها عناصر نسائية كالصحة والعمل مكاتب توعية نسائية على غرار مكاتب توعية الرجال.
3- مثل ذلك يقال للمؤسسات الخيرية، وتركز عملها على رفع مستوى الداعيات بعقد دورات منهجية ترفع فيها من علم الداعية وقدراتها.
4- أن تقوم المؤسسات بعمل برامج مشتركة تستفيد بعضها من تجارب بعض، ويكون ذلك في ضوء لجان مشتركة.
5- أن تعنى مراكز التدريب والمهارات بعمل دورات تدريبية للداعيات لرفع مستوى مهاراتهن وقدراتهن.
6- أن تقوم المؤسسات الخيرية وأهل الخير بإنشاء مكتبات نسائية عامة، فمن المعلوم أثر ذلك، مع أن من أفضل أنواع الصدقة الجارية.
7- إنشاء أقسام نسائية في هيئة الأمر بالمعروف لتقوم الداعية بدورها في الإنكار بصورة متوافقة مع الشرع.
8- إعطاء إدارات المناشط في الجامعات هذه المعاني الدعوية اهتماما خاصا، بالإضافة إلى ما تقوم به من جهود مشكورة.
9- إيجاد وسائل معينة من قبل المؤسسات الخيرية ومكاتب توعية الجاليات كوسائل الاتصالات، وتهيئة أمكنة الدورات العلمية وغيرها.
ثانياً: ما يتعلق بالعلماء والدعاة والداعيات:
1- إعطاء جانب العمل الدعوي الاهتمام الكافي ليأخذ حظه كما هو عند الرجال.
2- الاعتناء بالتآليف للكتب والنشرات في مختلف الموضوعات الخاصة بالمرأة وبعملها الدعوي على وجه الخصوص وبمنهجية الدعوة.
3- حصر القضايا المتعلقة بالمرأة وعملها الدعوي لتصدر الفتاوى المناسبة فيها وبخاصة ما استجد من قضايا تحتاج إلى مراجعة وتأمل وإعادة نظر.
4- تكريس الجهود لتوعية أولياء النساء، والمرأة ذاتها، لضرورة الوعي في أهمية العمل الدعوي، وبخاصة في هذه الأوقات التي اشتدت فيها الخطوب والصعاب وتنوعت فيها الأزمات والمحن.
5- عمل برامج مشتركة بين الداعيات أنفسهن للإفادة بعضهن من تجارب بعض.
6- إعداد المرأة نفسها ووضع برنامج علمي إيماني لها تنمي قيمة نفسها وتعالجها من آفات النفوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.