إنَّ المتأمل في السيرة النبوية وسيرة الصحابة والتابعين سوف يدرك أنَّ جميع الصفات التي ترتبط بحياة الإنسان العاطفية والوجدانية والسلوكية وكيفية مواجهة المواقف التي يمر بها الإنسان بالإضافة إلى التكيّف مع المجتمع والاندماج فيه.. كل هذه الأمور رسختها السيرة النبوية، وتأثر بها صحابة رسول الله وتابعوهم، وتم التعامل معها بما يكفل أسباب تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة. والإنسان المسلم خُلِقَ لكي يتفاعل مع أهم شيء خُلِقَ من أجله وهو تحقيق العبادة لله وحده: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. وهذه العبادة تتعدد صورها، فالكسب الحلال والانفاق على الأسرة والجهاد في سبيل الله والزكاة والصيام والتبسم ومتعة الإنسان الجنسية بالحلال هي نوع من الصدقة، إذ يتضح لنا أن الإسلام اكتملت فيه جميع عناصر الحياة، فالجانب الإنساني استخدم فيه أسلوب الموعظة الحسنة واللطف والرفق، فالمزاح مرتبط بالتعامل مع الإنسان من خلال الصدق والمحبة واللين والتواضع وإزالة الحواجز بين المسلم وأخيه.. فنظرة إلى مزاح النبي صلى الله عليه وسلم مع خادمه أنس بن مالك وقوله له ياذا الأذنين، إنما قال ذلك مازحاً؛ فكل إنسان له أذنين بخلاف اليوم الذي تطلق فيه بعض العبارات والألقاب التي فيها السخرية والاستهزاء والتي نشاهد صورها في بعض المجالس. كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف طبع الإنسان وأنه يمل خصوصا عندما يصل الأمر إلى الإجهاد والتعب كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه (روحوا القلوب ساعة وساعة).. أيضاً الطفل حظي بشفقة وحنان من الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال المزاح، حيث تحدث مع طفل يُقال له أبا عمير الذي حزن لموت عصفوره بقوله (يا أبا عمير ما فعل النغير).. أيضاً المرأة العجوز حظيت بتكريم من الرسول صلى الله عليه وسلم التي أتيت إليه وقالت يا رسول الله أدع الله أن يدخلني الجنة. فقال يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز. فقالت وما لهن؟ وكانت امرأة تقرأ القرآن. فقال لها أما تقرئين القرآن: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا..}ما أجمله من مزاح مبني على ثوابت الإسلام التي قوامها الصدق والمحبة والإعلاء من قدر الناس وعدم إهانتهم.. بخلاف اليوم الذي أصبح فيه المزاح يُخرج فيه عن مقومات السلوك السوي بعبارات الفحش والفجور السائدة التي يتفنن في أدائها بعض من ابتُلوا بها في المجالس في سبيل إضحاك الآخرين، يتوقعون أن هذا يدخل عليهم البهجة والسرور.. ولا يدري أنه قد يقع وينزلق في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه (إن الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً فتهوي به في نار جهنم سبعين خريفاً). أخي القارئ الكريم.. إنني أدرك جيداً أننا لن نصل في توظيف المزاح إلى ما حصل في عصور الإسلام المفضلة، ولكن ما هدفت إليه ألا يكون وسيلة هدم للاخلاق وإيجاد الحقد والكراهية بين الناس، وأن يكون شعارنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). وحقيقة الأمر أن المزاح مطلوب ومندوب، ومن كان لديه الرغبة في الاطلاع على ما كُتب عن المزاح فليرجع إلى البحث المنشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية للدكتور حسن عبدالغني أبو غدة الذي رجعت إليه في كتابة هذه المقالة.