إن الباحث في التراث العربي يجده زاخراً بالعلوم المختلفة في شتى وجوه المعرفة، وتعد كتب البلدان والمعاجم الجغرافية من أهم عناصر المكتبة التراثية، كما أن عملية البحث الدوري للرأي والمتصل في الفكر بكل أنواعه هو سعي في ذاكرة الإبداع المعرفي لأن محصولات المعرفة المعاصرة بكل تموجاتها هي عمق في الوصول إلى النخبة.. وهناك من طالبوا بالتعامل مع الشواهد الشعرية النادرة وفحصوا الأماكن والمواضع فربطوا جسراً حقيقياً لنوع خاص من المعرفة ودراسة نظرية شاملة بأساليب توثيقية.. حتى وضحت مبادئ تنفيذ معطيات حب الوطن وصورة الوطن في ملامح مكانية وجغرافية. وهذا ما قام به الكاتب فهاد بن سعد الهملان السهلي الذي نقل لنا دراسة شاملة في (معجم بلاد بني كلاب) ورسم لنا صورة حقيقية فبلغ ذروة النقاء بإشعاع فكري عميق بعيدا عن المساحات المعتمة التي تنخر ملامح التراث، لكنه سار في نهج من سبقه من أصحاب المعاجم دون التقصي لحقائق البحث والزيارة والتجول المكاني وكأن كتابه نقل مباشر للرواة والباحثين وبرغم ذلك فالشمولية غطت نواحي النقص فهو كاتب يمزج بين جانب العاطفة الوطنية والقناعة البحثية التي نقلتنا في رحلة عبر الآفاق الرحبة المفتوحة في ديار بني كلاب وفي أصقاعها البعيدة والقريبة والمتباعدة كما نقل لنا أمجادا حافلة منسجمة من ملامح ابن هذا الوطن، الذي يروي تميز الأدب والثقافة وصلاحيات الكرم والجود.. كما سطر لنا الهملان رسالة علمية وشعلة مضيئة بثمرها العلمي الزاكي، والعطاء الثقافي مستعيناً بالدور الفاعل لقصائد شعرية كشواهد مكانية وبمراجع توثيقية وسير بحثية ودراسة نظرية شاملة من خلال معاجم البلدان. ولا شك أن معجم الهملان يعد وثيقة تأريخية وجغرافية لجزء من بلادنا الغالية رسمها في صورة منسقة ومفهرسة مليئة بنماذج شعرية رائعة، ووصف دقيق للأماكن، وتعبير أدبي للحضارات فقد بدأ معجمه بدراسة مختصرة عن فروع بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعه ثم أيام بني كلاب في الجاهلية والإسلام والعصور المتأخرة، ثم عرض المؤلف بعض الأيام الواردة في شعر عامر بن الطفيل الكلابي، وعدد حوادث التاريخ الهجري والفتوحات الإسلامية من القرن الأول إلى القرن الثالث عشر الهجري وبعض فتوحات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والحوادث الواقعة في القرن الرابع عشر الهجري وعدد مواقف الفرسان وحياة ومآثر وتاريخ ملوك آل سعود مع وصف الأماكن والمواضيع والخيول. ثم تطرق إلى بلاد بني كلاب قديماً وحسب حروف المعجم بدراسات تأريخية وصفية وبطريقة المعاجم الجغرافية، حيث يصف المكان ويعدد معالمه وما كتبه المؤرخون عنه كما يعدد ما يجاوره من معالم بارزة ومواقع مشهورة وقصائد شعرية وبمراجع توثيقية ثم شرح أهم المعادن القديمة الواقعة في بلاد بني كلاب واصفاً موقعها ومعالمها مستعيناً بمن سبقه من المؤرخين في دراستها وأهميتها. وعرض المؤلف بلدان بني كلاب الحديثة وبصورة مختصرة متمثلة في ديار قبيلة السهول العريقة لكنه أعطى القارئ صورة حفظ خلالها حقائق ووقائع وأحداث تاريخية لقبيلة السهول التي سجل لها التاريخ قصصا خالدة من الأمجاد والتي تعتبر من قبائل المملكة التي سطر لها التاريخ ولرجالها الأبطال مواقف من الكرم والشهامة والبطولات النادرة. وبهذا فإن الهملان كاتب يرسم عشق الوطن بذاكرة التباهي المخلص والوطنية الصادقة فيربط العلاقة بين الجغرافيا والتراث الاجتماعي بروابط بيئية وخصوصية معاصرة وبوعي ثقافي يسير نحو إبداع جيد نحو العطاء. عبد الله بن سعد الحُضْبي للتواصل مع الكاتب: الخرمة