** من أبرز مشاكلنا القديمة الجديدة.. والتي نعاني منها دوماً ومازلنا.. هو أن كل أمورنا تتم على الصعيد الشخصي بدون تخطيط مسبق وقد لا يسبق ذلك أدنى تفكير أيضاً. ** دعوني أسوق أمثلة سريعة وبسيطة وهي ليست كل شيء.. لكنها ممارسات شبه يومية. ** يخرج أحدنا من بيته لا ينوي شيئاً.. ويركب سيارته ولا يدري أين يذهب ثم يدخل أحد الأسواق أو أحد المحلات ويشتري الكثير والكثير، ويهدر أموالاً هناك وقد يشتري أشياء لا يحتاج إليها، ولم يفكر أصلاً في شرائها، وأشياء لم تكن في حسبانه. ** بمعنى أنه خرج من بيته بدون تخطيط ودخل السوق أو المحل دون أن ينوي شراء شيء أو يُخطط لشراء شيء محدد بالذات.. بل دخل وأخذ (عربة) وخمَّ كل ما حوله وذهب للحساب ليشفط ما في جيبه دون حساب. ** وهكذا عندما يذهب إلى أي مكان.. فإنه يشتري ويدفع.. وتجد أن 80% مما اشتراه.. هو أصلاً لا يحتاج إليه.. أو لم يفكر أصلاً في شرائه مسبقاً.. بل جاء القرار في نفس اللحظة. ** وفي مسألة الشراء.. كان الأمر في الأمس قد يعوقه عدم وجود سيولة في جيبك.. وقد تبلغ حداً معيناً وتتوقف.. والآن.. البطاقات سهّلت لك المهمة.. فلم يعد هناك شيء اسمه فلوس أو خلف فلوس أو ما معك كاش.. فبطاقة الصراف جاهزة.. وإذا حسابك مفلس.. فبطاقة الائتمان.. وهي تسجل ديوناً على كاهلك.. المهم اصرف. ** ولذلك تجد بيت الواحد مليء بالقراشيع وأكثرها في كراتينها لم تُمس.. وهكذا الملابس والمأكولات والمعلبات وألعاب الأطفال ولوازم أخرى لا نحتاجها. ** ونعود إلى مسألة التخطيط وعدم التخطيط وما يقال في قضية التسويق يقال في التخطيط لقضاء إجازة الصيف.. فالقرار وليد اللحظة.. مثل قرار السفر فتجد العائلة تريد حجز خلال ثلاثة أيام.. واستخراج أو تجديد الجواز خلال ساعة.. وتأشيرات سفر خلال يوم وحجوزات فنادق وسيارات خلال يوم.. ** يريد كل شيء خلال ثلاثة أيام.. وهو الذي لم يُخطط أبداً لذلك.. ولا يدري ماذا سيواجهه هناك.. ولا يعرف ماذا يحتاج ولا ماذا سيصرف.. ولا كم سيصرف.. ولا أي الأماكن هناك سيذهب؟!.. بل كل شيء يتركه للحظة.. ثم يُدخل من حوله في إحراجات وواسطات وشفاعات.. فهو يريد واسطة في الجوازات.. وواسطة في المرور.. لأن عليه مخالفات.. وواسطة في الخطوط من أجل الحجز.. وواسطة في البنك من أجل الصرف.. وواسطة في السفارات من أجل التأشيرات.. وواسطة في عمله من أجل الإجازة.. ثم من (يحط) شغالته عنده.. وهكذا.. ** هو قرَّر.. أو (صنِّفت) له أن يسافر خلال يومين أو ثلاثة.. ولابد أن يسافر خلال هذه المدة.. وربما (يهَوِّن) وهو في طريقه إلى المطار و(يبَتِّل) إلى جده أو إلى القصيم. ** وهكذا كل أمورنا الأخرى بدون تخطيط على الإطلاق.. حتى ميزانية البيت غير موجودة.. إذ إن أكثر الأسر لا تعترف بوضع ميزانية للواردات والمنصرفات حتى يعيش الإنسان على قدر دخله وحتى يحاول توفير بعض الأشياء للمفاجآت وللمستقبل.. فلو مرض طفله أو زوجته (ورط) يبحث عن سلف وقرض من أجل المستشفى حتى يتمكن من علاج طفله أو زوجته في هذا المستشفى أو ذاك. ** يفترض أن تكون أمورنا كلها خاضعة لخطط على (قدنا) حتى لا تتحول حياتنا وتصرفاتنا إلى عشوائية فوضوية.. والعشوائية والفوضاوية تسبب المزيد من المشاكل والقضايا التي قد نتورط فيها. ** فهل نتعلم من أخطائنا؟ ** هل نُخضع تصرفاتنا كلها للترتيب والتنظيم؟ ** هل نضع سجلاً نوضح فيه إيراداتنا ومصاريفنا؟ وسجلاً آخر.. نوضح فيه سداد الفواتير اللازمة (كهرباء.. ماء.. هاتف.. بنك.. إلخ). ** وسجلاً آخر للالتزامات الصحية.. مواعيد.. لقاحات أطفال.. مواعيد فحص دوري لمن يحتاج؟ ** وسجلاً لتجديد ما يحتاج إلى تجديد: رخص.. استمارات.. وإقامات للعمالة والجوازات وغيرها؟ ** هل نعوِّد أنفسنا.. أو (نغصب) أنفسنا على ذلك؟ ** (مهوب ظنِّي.. ومهوب عند لحانا) لأننا دائماً مشغولون.. ودائماً طائرون.. ودائماً (ماحنا فاظين) ولأننا أيضاً وهذا هو الصحيح.. مجتمع آخر لحظة.. ومتى (ثار مدفع الملح) يعني مدفع رمضان.. أو مدفع العيد.. ركضنا للسوق.