تشكل مسألة مشاركة النساء العربيات من عرب ال«48» أمراً مهماً للغاية خاصة فيما يتعلق بمسألة صنع القرار ورسم السياسات العامة التي تعتبر أحد أهم المحاور الرئيسية التي سعت وتسعى إليها التنظيمات النسوية العربية وكثيراً ما سعت النساء العربيات داخل الأحزاب العربية إلى استغلال هذه الوسيلة بصفتها أداة مهمة في مواجهة التحديات الاجتماعية المختلفة، والقوى اليهودية الداخلية التي نجحت للأسف الشديد إلى حد كبير في تهميش النساء واقصائهن عن المجال العام وعن المشاركة الفاعلة في صياغة مستقبل الأقلية العربية في الداخل. وإذا ما أخذنا هذه القوة النسائية في الحسبان فلا بد من اعتبار ترشيح المرأة العربية في القوائم الحزبية ضمن الأماكن المتقدمة التي تضمن لها مقعداً في الكنيست، عاملاً مهماً في بلورة وعي من نوع جديد، وهو ما بات واضحاً من خلال السيدة حسنية جبارة أول امرأة عربية تدخل الكنيست والتي دخلته خلال الدورة السابقة وفي تثبيت حالة اجتماعية وسياسية تساهم في الارتقاء بمكانة المرأة العربية داخل المجتمع الإسرائيلي وتدفع نضالها من أجل كسر طوق العزلة السياسية والفكرية التي سعت إسرائيل منذ اقامتها عام 1948م حتى الآن في انتهاجها. والأسئلة المطروحة بشدة وبصورة حيوية الآن هي: «لماذا غابت المرأة العربية حتى الآن عن التواجد في المحافل السياسية خاصة فيما يتعلق بقوائم المرشحين العرب؟ وهل هذا ناجم عن غياب اختياري بكامل ارادتهن أم تغييب اجباري بسبب العنصرية الإسرائيلية؟ ثم ما هي التجارب التي خاضتها النساء العربيات في هذا المجال؟ وكيف نجحت بعض النساء العربيات في الانتخابات التمهيدية للأحزاب العربية أخيراً؟ ولماذا حدث هذا الآن بعد غياب طويل»؟ فالواضح أنه وبعد كل تلك الفترة منذ اقامة إسرائيل حتى الان أصبح بالإمكان مشاهدة المرشحات العربيات لأول مرة في قوائم بعض الأحزاب العربية فلأول مرة في تاريخ الأحزاب العربية يتم انتخاب مرشحات عربيات ضمن القوائم الانتخابية في الأماكن الأمامية المتقدمة فقد انتخب حزب التجمع الوطني الديمقراطي السيدة أفنان اجبارية للمكان الرابع بعد أن تنافست مع مرشحين من قادة الحزب على هذا الموقع كما انتخبت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة السيدة تغريد شبيطة للموقع نفسه بعد أن تنازل لها المرشح الثاني في الجولة الانتخابية الثانية. وبنظرة عامة على تاريخ هؤلاء المرشحات نجد أن أبرزهن أفنان اجبارية والتي ولدت في عكا وتعيش وتعمل في حيفا. وتبلغ من العمر 46 عاماً وهي متزوجة وأم لثلاثة أولاد وبنات وتعمل مربية ومدرسة رياضيات آما عن ثقافتها الأكاديمية فهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الرياضيات وبعدها انخرطت في عدد من الأنشطة الاجتماعية والسياسية ونجحت في أن تصبح عضو اللجنة المركزية لحزب التجمع وناشطة في اتحاد أولياء أمور الطلاب ومركز مكافحة العنصرية اليهودية وهو أحد أهم المراكز العربية في داخل إسرائيل ثم نجحت في أن تكون رئيسة الحركة الوطنية العربية التي تهتم بالأساس بالارتقاء بأوضاع العرب داخل دولة إسرائيل، وتقول السيدة أفنان اجبارية: انها تعتقد أن الجميع سواء في حزب التجمع الديمقراطي أو داخل الوسط العربي نجحوا في تحقيق خطوة ريادية في المجال السياسي رغم الفترة الزمنية القصيرة لتأسيس حزب التجمع مضيفة أن هذه الخطوة أدت إلى تفاعل فوري من قبل بقية الأحزاب العربية التي مر على بعضها أكثر من خمسة عقود ولم تقم بهذه الخطوة حيث نجح حزب التجمع في خطابه السياسي في التأثير في خطاب جميع الأحزاب العربية». وترى اجبارية أنه «ثمة أهمية خاصة لوجود النساء العربيات في مواقع صنع القرار ودخول المعترك الانتخابي كوسيلة نستطيع من خلالها المشاركة في بلورة وصياغة السياسات العامة واتخاذ القرارات القادرة على الارتقاء بأوضاع المجتمع وأوضاع النساء لذلك قررت المجموعة النسائية داخل حزب التجمع خوض هذه المعركة بهدف وضع قضية المرأة ضمن أولويات الأجندة السياسية للتجمع، واعتبار المرأة شريكاً أساسياً في تقرير وضع الأقلية الفلسطينية في إسرائيل وفي صياغة تصور ووضع رؤية لمستقبل هذه الأقلية في ظل القوانين العنصرية الإسرائيلية. وتشير اجبارية إلى أن هناك عدداً كبيراً من النساء العربيات متحمسات للمشاركة السياسية وهو ما يمكن اكتشافه بسهولة من خلال تتبع العمل السياسي للنساء العربيات وتقول: أن النساء بطابعهن أكثر مسؤولية لا يختلفن في شيء عن الرجال وقادرات على الوقوف في أي مؤسسة سواء سياسية أو ثقافية إسرائيلية، والمطالبة بالحقوق العربية وتعدّ اجبارية نفسها جزءاً من قيادة حزب التجمع وتمثل الهموم والقضايا الخاصة بالأقلية الفلسطينية في داخل الكيان الصهيوني مشيرة إلى أنها تحمل فكراً نسوياً يجعلها تركز اهتمامها على مختلف القضايا التي تهم العرب وعلى رأسها نشر التعليم وسط العرب وبحث مشكلات النساء العربيات بشكل عام وهموم المرأة العربية بشكل خاص، وتتعهد اجبارية بمحاربة الأحزاب الصهيونية والاصغاء لهموم بنات وأبناء الشعب الفلسطيني سواء في داخل الخط الأخضر أو خارجه والعمل معهن على النهوض بالمجتمع العربي وحل مشكلاته. أما ثاني البارزات في الوسط العربي فهي تغريد شبيطة التي ولدت في الطيرة وهناك تعيش وتعمل وتبلغ من العمر 46 سنة، وهي متزوجة وأم لثلاثة أولاد وبنات وتعمل مديرة فرع البريد في الطيرة وكذلك بالترجمة الفورية من الانجليزية إلى العربية وهي حاصلة على البكالوريوس في موضوع العلوم الاجتماعية وعلى ليسانس المحاماة من كلية الحقوق في نتانيا وهي ناشطة في عدد من التنظيمات العربية داخل إسرائيل. ولقد استطاعت تغريد شبيطة - الجديدة على الساحة السياسية وعلى المشهد الحزبي في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة - تحقيق ما لم تقدر عليه الأكثر تمرساً وتجربة منها من الناشطات داخل الجبهة فلقد حاولت قبلها د. هالة حزان التنافس على مقعد ضمن قائمة الجبهة لكنها مع تجربتها الطويلة في العمل السياسي ضمن الجبهة الديمقراطية ورغم شغلها منصب رئيسة لجنة متابعة قضايا التعليم العربي لفترة طويلة لم تنجح في استقطاب التأييد لترشيحها من قبل قيادات الجبهة وكوادرها كما حاولت السيدة عايدة توما في السابق وفي الدورة الحالية التنافس على أحد المقاعد لكنها فشلت هي الأخرى.وتعدّ شبيطة انتخابها في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة نجاحاً كبيراً لجميع النساء العربيات سواء في الجبهة أو في الأحزاب العربية كافة في إسرائيل حيث يتم لأول مرة انتخاب امرأة في موقع متقدم وليس مجرد اسم في القائمة ولقد بذلت شبيطة مجهودات كبيرة من أجل الترشيح في الجبهة إلا أنها وفقت في النهاية في ذلك. وعن ظروف ترشيحها تقول شبيطة: المبادرة كانت من فرع الطيرة ومن منطقة المثلث الجنوبي العربي، وهو ما اعتبرته يمثل شرفاً كبيراً لها ولقد تنافست السيدة شبيطة على المقعد الرابع في قائمة الجبهة ونافسها على الموقع نفسه ستة مرشحين من الرجال ولم يحصل أي منهم على النصاب القانوني من الأصوات وكان من المفروض أن تجري جولة انتخابات ثانية بين من حصل على أكبر عدد من الأصوات وهما السيدة شبيطة والسيد يوسف العطاونة، لكن تم اقناع الأخير بالانسحاب من المنافسة وبالمقابل ينقل ترشيحه للمكان الخامس ويتم اقناع المتنافسين على هذا الموقع بالتنازل له وهذا ما تم فعلاً، وتقول شبيطة انها على اقتناع تام بقدرتها على الدخول للمعترك السياسي والدفاع عن الحقوق العربية داخل إسرائيل، وقد تعهدت بأنها ستركز على ضرورة ممارسة المشاركة السياسة للعرب من أجل تحقيق جميع المطالب السياسية والاجتماعية والثقافية العربية والقضاء على العنصرية اليهودية.وعلى الرغم من أنها أول تجربة سياسية حقيقية لها أشارت إلى أن ترشيحها لم يكن فقط من أجل الوصول إلى الكنيست بل لاثبات أن باستطاعة النساء التنافس على كل مكان داخل إسرائيل، ودليل على قوتهن معتبرة أن ترشيحها هي وغيرها من المرشحات العربيات سيمهد الطريق أمام انتخاب الأخريات وفتح الباب نحو المشاركة السياسية العربية لجميع النساء بجانب الرجال.