كذلك يرغِّب الإسلام في المرأة المراد نكاحها، أن تكون ممن تتحقق بها أهداف النكاح التي أشرنا إليها سابقاً، بأن تكون ودوداً ولوداً، فإذا لم تكن كذلك، فلا خير في نكاحها، وورد في ذلك النهي من النبي صلى الله عليه وسلم فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال، إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة فقال له: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم»، رواه أبو داود. فانظر إلى أي مدى بلغت محاولات هذا الرجل في سبيل الاقتران بتلك المرأة الديّنة الحسيبة النسيبة الغنية، ولكنها عريت عن هدف من أهداف الزواج، وهو إنجاب الذرية، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم واجه هذا الإصرار بالرفض، وبين اثر ذلك المغزى من وراء الرفض، وهو مكاثرة الأمم السابقة من يهود ونصارى في العدد، لكي يكون النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة، ولكون الأمة مقبلة على حروب وملاحم تتطلب العدد كما تتطلب العُدَد، ولكي يربط هذا الأمر وهو النكاح بأمر أسمى وهو رضا الله سبحانه وتعالى الذي يتحقق بطاعة الرسول ونشر دينه الذي يتحقق بنتاج هذا النكاح، وهو جنوده الذين يذودون عنه، ويعلون من شأنه. كذلك هنا ملمح مهم جداً لإصرار الإسلام وترغيبه في نكاح المرأة ذات الدين، وهو أن الإسلام يطلب في المرأة طهارة الذيل، وبعده عن كل ريبة، وهذا فرق كبير بين أهل الملة السمحاء ملة الإسلام وغيرهم من الملل الذين لا يعنيهم في المرأة سوى الصورة وجمالها أما كونها غير عفيفة لا ترد لامساً فذا لا يعنيهم في قليل ولا كثير، ولا قبيل ولا دبير، فنشأت تلك المجتمعات بمعزل عن عالم النقاء والطهارة والعفة إلا من رحم ربك، وقليل ما هم ، بل إن عفة المرأة في تلك المجتمعات تعد علامة على اضطراب شخصية المرأة. وإلحاحنا فيما مضى على كون الرجل هو صاحب الاختيار، لا يعني تهميش المرأة، وإلغاء دورها في اختيار من تريد الاقتران به، بل على العكس من ذلك، فالإسلام أعطى المرأة الأحقية في اختيار الزوج، بل ورتب عليه صحة العقد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيّم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت» رواه البخاري. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها»، رواه أحمد وأصحاب السنن، وعن خنساء بنت خذام الأنصارية: «أن أباها زوجها وهي ثيّب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها»، أي رده، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داود. وبنظرة في هذه الأحاديث، يتبين لنا أن الإسلام، كفل للمرأة بكراً أو ثيّباً حق اختيار زوجها وأنها لا تجبر على من لا تريد ولو اجبرت فلها الحق في رد النكاح، وحديث خنساء بنت خذام صريح في ذلك وقد قال ابن عبدالبر في هذا الحديث: مجمع على صحته والقول به ولا نعلم مخالفاً له إلا الحسن». وهنا نعلم مدى التوازن الدقيق في أحكام الإسلام، حيث كفل للمرأة حق اختيار الزوج والرضا به، ولكنه جعل التزويج لولي المرأة، وذلك لأن المرأة بحكم عاطفتها الطاغية، ونظرها لظواهر الأشياء دون البواطن توقع الاختيار على من لا يصلح لتحمل مسئولية الأمر وتبعاته. فانظر كيف أن الإسلام ومنذ أربعة عشر قرناً كفل للمرأة هذا الحق، وأخرجها من ربقة عبودية الرجل، وهيمنته المطلقة عليها، ومن ينظر في أحوال المرأة في الجاهلية الأولى، يلحظ ذلك ظاهراً جلياً، وهذا فيه مدحضة لخطل الأقوال التي ترى أن الإسلام ضيق الخناق على المرأة وألجأها إلى أضيق الطرق، وأوعرها مسلكاً وبئس والله ماقالوا، ولو قرءوا عن الإسلام وعلموا شريعته لضربوا عن هذا القول صفحاً، ولكن كما قيل: الإنسان عدو ما جهل. وكما أن الإنسان قد كفل للمرأة حرية اختيار الزوج، وجعل ذلك شأناً لها، أبان أن ما ينفق في سبيل إتمام هذا العقد المقدس، وهو ما تعورف عليه بالمهر، هو حق لهذه المرأة وليس لوليها كما هو المستقر في أذهان الناس، قال الحق تبارك وتعالى:{وّآتٍوا پنٌَسّاءّ صّدٍقّاتٌهٌنَّ نٌحًلّةْ } وقال: {وّأٍحٌلَّ لّكٍم مَّا وّرّاءّ ذّلٌكٍمً أّن تّبًتّغٍوا بٌأّمًوّالٌكٍم مٍَحًصٌنٌينّ غّيًرّ مٍسّافٌحٌينّ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من صحبه الكرام: «التمس ولو خاتماً من حديد»، الحديث متفق عليه، وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق ولو قلنا جدلاً بعدم وجوب المهر، وأبحنا للزوج أن يبني بالمرأة بدون مهر لكان في ذلك ابتذال للمرأة وحط من مكانتها، ولرآها الرجل بعين الاحتقار، ولربما أدى به إلى طلاقها، وما أهون ذلك عليه، لأنه لم يخسر في سبيل ذلك قليلاً ولا كثيراً، وفي ايجاب المهر عليه كذلك بيان لعظم هذا العقد وأنه لا يمكن الدخول فيه إلا بإنفاق المال، وبهذا يكون أكثر استمساكاً بزوجته التي بذل في سبيل الحصول عليها المال الذي له خطره عليه. ومن ينظر في تعاليم الإسلام التي تتلاءم مع الفطرة، يدرك بأدنى تأمل أن المهر واجب على الزوج دون المرأة لأن الزوج هو الذي له القوامة وبيده العصمة، إضافة إلى ما حبا الله الرجال الذين هم الأزواج من القوة الجسمانية التي عن طريقها يكون الاكتساب الذي هو المورد العذب الزلال للمال، ومن كان بيده هذا المورد، كان القادر على الإنفاق، بينما المرأة تفتقد ذلك المؤهل لذا لم تكلف شيئاً من المهر، بل يتحصل لمصلحتها، وبذا ندرك الخلل الذي يقع فيه كثير من الآباء هداهم الله ممن تصرف في مهور البنات، بل ربما أقيم الفرح بكل متطلباته منه، دون أخذ رأيهن في ذلك، وهذا بلا شك ظلم لهن، وإجحاف بحقهن، فالمهر حق للزوجة، ولس لأحد أخذ شيء منه دون إذنها. وهنا ملمح مهم- أختم به مقالي- غفل عنه كثير من الناس، أو بعبارة أصح تغافلوا عنه، وهو أن من لوازم عقد الزوجية، إنفاق الزوج على زوجته، والنفقة كما بينتها الشريعة تشمل: الطعام، الشراب، المسكن، المتاع، الكسوة، وقد أصّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عندما سئل: «ما حق المرأة على زوجها؟ فقال: يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يهجر إلا في البيت، ولا يضرب الوجه ولا يقبّح»، رواه أبو داود، وهذه النفقة تكون بحسب حالة الزوج موسراً أو معسراً ولا تكلف المرأة من ذلك شيئاً ولو كانت موسرة، وهذا الأمر وهو النفقة كما قرر الشرع مقابل حبس الزوجة نفسها لزوجها، للقيام بشئونه، وتربية أطفاله، إضافة الى انها من ركائز القوامة، التي كفلها الشرع للرجل مقابل ما أوجب عليه من الحقوق، ومنها هذا الأمر، وهو أمر النفقة. فهذه المفاهيم- التي اختصرتها في هذه الأسطر- لا تزال غائبة عن كثير من الناس، فأحببت بهذا المقال إيضاحها راجياً من الله نفعها في العاجل والآجل، مبتغياً بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، وهو حسبي. * كلية الملك خالد العسكرية