ألم الفقد    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    أميركا ضحية حروبها التجارية    الحوثيون استسلموا    الهند تشنّ «ضربات دقيقة» على تسعة مواقع باكستانية    "العميد" يجحفل النصر بهدف عوار    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    جمعية الأدب المهنية تُطلق جائزة سنوية للمنجزات الأدبية    مجمع الملك سلمان يطلق برنامج "تأهيل خبراء العربية في العالم"    الرُّؤى والمتشهُّون    الرياض تتنفس صحة    خادم الحرمين يتلقى رسالة من رئيس كوت ديفوار    المملكة ترحب بوقف إطلاق النار في اليمن    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    تعزيز الاستقرار    نجاح فصل التوءم المصري.. والتوءم الصومالي يصل الرياض    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    أحمد الديين الشيوعي الأخير    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    الجوازات تسخّر إمكاناتها لضيوف الرحمن في بنغلاديش    همسة إلى لجنة الاستقطاب    إمارة الشرقية تنفّذ سلسلة ورش عمل لقياداتها    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    ريمونتادا مذهلة    القبض على يمني بالعاصمة المقدسة لارتكابه عمليات نصب واحتيال    محافظ الطائف يقلد القحطاني رتبة لواء    نائب أمير الرياض يطلع على بصمة تفاؤل    تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة في روسيا    حصيلة قتلى غزة في ارتفاع وسط أولوية الاحتلال للرهائن    إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة    تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بعد ضربات جوية متبادلة    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    الخريف يجتمع بقادة شركة إيرباص    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر ابريل 2025    أمير منطقة تبوك يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان هاتفيا التطورات الإقليمية والدولية    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    اكتمال عملية فصل التوأم الطفيلي المصري بوقت قياسي    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    "زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    اغتيال المعلّم بدم بارد    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    الأهلي عاد من الباب الكبير    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرحة المقتولة
اسماعيل محمد طوهري
نشر في الجزيرة يوم 19 - 07 - 2002

أشرقت الشمس كعادتها كل صباح، فاستيقظ الناس من نومهم، ولكن لمياء لم تستيقظ ذلك اليوم لماذا؟
لأنها في الحقيقة لم تنم تلك الليلة بل كانت غارقة في التفيكر في مستقبلها وتحقيق ذلك الحلم الذي لطالما راودها ذلك الحلم هو أن تلتحق بإحدى كليات الطب أو كليات الحلم كما تسميها لمياء.
لقد أخبرت لمياء والديها برغبتها في دخول كلية الطب شريطة أن تحصل على معدل يؤهلها لدخول تلك الكلية فوافق والدها على رغبتها. كذلك فلقد كانت لمياء طالبة مجتهدة منذ صغرها فقد حصلت على الكثير من الجوائز وشهادات التفوق في جميع المراحل الدراسية. ومما يذكر أنها كانت محبوبة من قبل مدرساتها وزميلاتها فهي حسنة الخلق، مرحة، أنيقة المظهر وغير ذلك من الصفات.
المهم في الأمر أن والدتها قامت بإعداد الفطور، ثم ذهبت إلى غرفة لمياء وطلبت منها أن تأتي لتناول الفطور، فقالت لمياء إنها لا تريد أن تتناول فطورها حتى تعود بالشهادة «شهادة الثانوية العامة» من المدرسة، تلك الشهادة التي ستحقق حلمها بإذن الله. وقد تبقت دقائق معدودة على موعد فتح المدرسة ولكن تلك الدقائق كانت تسير سير السلحفاة وأخيراً أشارت الساعة إلى تمام «السابعة والنصف» موعد فتح المدرسة. نهضت لمياء على الفور من فراشها ثم ارتدت ملابسها وذهبت إلى المدرسة مسرعة وكلها أمل في مستقبل زاهر ومشرق في تحقيق طموحها. وبعد أن غادرت لمياء منزلها قامت والدتها بإعداد حفلة صغيرة، وجعلتها مفاجأة لها عندما تعود، كذلك والد لمياء قد طلب من أمها أن تتصل به عندما تعود لمياء من المدرسة، ليحضر معه هدية تخرجها، في أثناء ذلك كانت لمياء تنتظر على أحر من الجمر موعد قدوم المديرة. وما هي إلا دقائق حتى حضرت المديرة حاملة معها الشهادات، فجلست المديرة على مكتبها وجلست الفتيات من حولها ولسان حالهن يقول أسرعي أيتها المديرة.. هيا أعطينا الشهادات هيا.... هيا... هيا.. أسرعي من فضلك.
فكل الفتيات متلهفات لمعرفة الثمر الذي حصدوه من زراعة وجهد ومثابرة عام كامل، وما هي إلا لحظات معدودة حتى بدأت المديرة بتوزيع الشهادات الواحدة تلو الأخرى حتى جاء دور لمياء أخذت شهادتها ونظرت مباشرة إلى التقدير أو المعدل فكادت تطير من شدة الفرحة، وأحست وكأن الدنيا لم تعد تسعها، فأطلقت ساقيها للريح عائدة إلى المنزل لكي تخبر والدتها بنجاحها وبتفوق حصلت على معدل 99% ذلك المعدل الذي حلمت به كثيراً ذلك المعدل الذي سيدخلها كلية الحلم - كلية الطب، كذلك فهي تتخيل مدى الفرحة التي سترتسم على شفاه والديها والأسرة وعلى وجوههم عندما تخبرهم بنجاحها وتحقق حلمها.
وفي أثناء سير لمياء إلى منزلها، وعندما همت بأن تعبر الشارع الذي يفصل بين المدرسة ومنزلها، حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ جاءت سيارة مسرعة سرعة جنونية فدهست لمياء فطرحتها على الطريق وعلى الفور تم نقل لمياء إلى المستشفى في سيارة الاسعاف وأدخلت إلى غرفة العناية المركزة. وفي دقائق معدودة لفظت لمياء أنفاسها الأخيرة وأسلمت الروح إلى بارئها ولم يستطع الاطباء عمل أي شيء لإنقاذ حياتها. بعدها قام أحد المسؤولين بالمستشفى بالاتصال بمنزل لمياء، رفعت الأم السماعة فإذا برجل يقول: أهذا منزل لمياء؟ أجابت أمها نعم وقد بدا الخوف يدب في قلبها، فسألته خيراً إن شاء الله؟
فقال لقد ماتت لمياء، لقد ماتت لمياء.
سقطت السماعة من يدها ولم تتحمل الصدمة فوقعت على الكرسي لدقائق وبعد أن فاقت، اتصلت بوالد لمياء الذي ما ان دق جرس الهاتف حتى رفعه مباشرة لأنه كان على موعد الفرح والسرور وذلك بتخرج ابنته ولكن ذلك الفرح والسرور لم يدم فعندما أخبرته الأم بوفاة لمياء لم يصدق وأخذ يقول: لمياء.. ابنتي الكبرى.. لا... لا.. مستحيل صدم الأب بذلك ولم يكن أحسن حالاً من الأم، رجع الأب من عمله مسرعاً وأخذ الأم وذهبا رأساً إلى المستشفى ودخلا غرفة لمياء وما ان رأياها حتى انفجرت عيناهما بالبكاء المر.. المر... والحزين والمؤلم الذي يمزق القلب لكن هذا البكاء لا يفيد، فالآمال التي قد علقت وعقدت على لمياء ذهبت أدراج الرياح، وتلك الفرحة قد تحولت إلى مأساة يعجز اللسان عن وصفها، وتعجز كذلك الكلمات عن التعبير عنها، وأخذت تدور بذهني أسئلة كثيرة لم أجد لها جواباً شافياً.
فما ذنب لمياء بأن يغتال حلمها على قارعة الطريق؟
وما ذنب تلك الأم التي تقطع نياط قلبها حزناً على ابنتها؟
وما ذنب ذلك الأب الذي كان يحلم برؤية ابنته الكبرى وقد حققت حلمها الذي قد عملت كل ما في وسعها لتحقيقه؟
بل ما ذنب الكرسي الذي كانت ستجلس عليه في كلية الطب أن يبكي لفراقها وهو جماد. فكيف بنا نحن البشر.. إن الكل يعلم أن هذا القدر المحتوم الذي كتب للمياء منذ الأزل ولذلك فلا اعتراض على قضاء الله وقدره.. ولكن السؤال الذي يجب أن يُسأل في هذا المقام هو إلى متى هذا التساهل بأرواحنا وأرواح الآخرين وعدم مراعاة حقوقهم وكأن الطريق أصبح ملكاً لنا دون غيرها، إلى متى تزهق أرواح الكثير من الأبرياء نتيجة السرعة والطيش والتهور، إلى متى، إلى متى؟
سؤال لا أملك الاجابة عنه حتى الآن، وهكذا غربت شمس ذلك اليوم الحزين على منزل لمياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.