فريق AG.AL بطلا لمنافسات Honor of Kings في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    المكونات الأساسية للحياة على الأرض    الذكاء الاصطناعي يسرع الاحتيال المالي    ثعبان بربادوس الخيطي يظهر بعد عقدين    الاتحاد يخسر بثلاثية من فيتوريا جيماريش البرتغالي    التوسع في صناعة السجاد اليدوي بين الأسر    أنغام تطمئن جمهورها بعد الشائعة    قصر كوير    صواريخ جزيئية تهاجم الخلايا السرطانية    18 ألف حياة تنقذ سنويا.. إنجاز طبي سعودي يجسد التقدم والإنسانية    اقتران هلال صفر 1447 بنجم "قلب الأسد" يزيّن سماء الحدود الشمالية    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على غزة إلى 71    "سدايا" تدعم الدور المحوري للمملكة    الرئيسان السوري والفرنسي يبحثان مستجدات الأوضاع في سوريا    صفقة من العيار الثقيل تدعم هجوم أرسنال    عبد المطلوب البدراني يكتب..عودة الأنصار مع شركة عودة البلادي وأبناءه (أبا سكو)    واشنطن تحذر من المماطلة.. وجوزيف عون: لا رجوع عن حصر سلاح حزب الله    وسط تحذيرات من المخاطر.. 1.3 مليون سوداني عادوا من النزوح    201 رحلة يوميا بمطارات المملكة    ترقب عالمي لتأثير الفائدة على أسعار الذهب    اتفاقية التجارة الأمريكية اليابانية تثير التساؤلات    العنوان الوطني شرط لتسليم الشحنات البريدية    الأهلي يخسر ودية سيلتيك بركلات الترجيح    الاحتراف العالمي الجديد    بلازا يعلن قائمة "أخضر الصالات" المشاركة في بطولة القارات    "أنتوني" يرحب بالاحتراف في الدوري السعودي    القيادة تعزي رئيس روسيا الاتحادية في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب بمقاطعة آمور    نور تضيء منزل الإعلامي نبيل الخالد    تدشين مبادرة "السبت البنفسجي" لذوي الإعاقة    المرور: تجاوز الأبعاد المسموح بها يزيد احتمال الحوادث    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    تمكيناً للكفاءات الوطنية في مستشفيات القطاع الخاص.. بدء تطبيق قرار توطين مهن طب الأسنان بنسبة 45 %    47 اتفاقية بقيمة 24 مليار ريال.. السعودية.. دعم راسخ للتنمية المستدامة والازدهار في سوريا    أليسا وجسار يضيئان موسم جدة بالطرب    وفاة الفنان زياد الرحباني.. نجل فيروز    أحمد الفيشاوي.. "سفاح التجمع"    "سوار الأمان".. تقنية لحماية الأطفال والمسنين    مساعد وزير الدفاع للشؤون التنفيذية يزور جمهورية تركيا    أغلقته أمام عمليات تفتيش المنشآت.. إيران تفتح باب الحوار التقني مع «الطاقة الذرية»    هلال صفر يزين سماء المملكة    خطيب المسجد الحرام: التشاؤم والطيرة يوقعان البلاء وسوء الظن    إمام المسجد النبوي: الرُسل هم سبيل السعادة في الدنيا والآخرة    6300 ساعة تختم أعمال الموهوبين بجامعة الإمام عبدالرحمن    رحيل زياد الأسطورة    عسكرة الكافيين في أميركا    بتقنية الروبوت الجراحي HugoTM️ RAS .. مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يجري عمليتين ناجحتين    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب    ضبط شخصين في المدينة المنورة لترويجهما (10) آلاف قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    أمير الشرقية يعزي أسرة الثنيان    رئيس أركان القوات البحرية يلتقي عددًا من المسؤولين الباكستانيين    نائب وزير الرياضة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته لمدة أربع سنوات    ترحيل 11183 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    آل معنتر مستشاراً لسعادة المدير العام للتعليم بمنطقة عسير    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المكتسبات الاقتصادية للمملكة وليدة جهود مؤسساتية مشتركة معززة باستقرار سياسي وحرفية أمنية فائقة
المؤسسات الأمنية أحبطت أكثر من 40 عملية إرهابية كانت تستهدف ضرب الاقتصاد
نشر في الجزيرة يوم 25 - 01 - 2011

يبقى الأمن أحد الدعائم الرئيسة للاقتصاد، إن لم يكن أهمها على الإطلاق؛ فالأمن من متطلبات الحياة، ومن مقومات التطور، والبناء وحماية الحريات. من خلاله يمكن حفظ المكتسبات التنموية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق النمو الاقتصادي، والاجتماعي، وبناء الإنسان وعمارة المكان.
يرتبط النمو الاقتصادي والتطور التنموي بحالة الأمن والاستقرار، فكم من دول فقيرة نجحت في تنمية مواردها الطبيعية لأسباب أمنية صرفة، وكم من دول غنية فقدت مكتسباتها الاقتصادية لانفلات الأمن فيها. روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أصبح منكم معافى في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، جمع الرسول الكريم بين معافاة الجسد، والقوت، والأمن في دلالة واضحة على الترابط الوثيق بينهم؛ وقد ضرب الله مثلاً جمع فيه بين الأمن، الطمأنينة والرزق في قوله تعالى:(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ )
وقد ذَكَّرَ الله سبحانه وتعالى قريش بنعمه وفضائله عليهم، فقال في محكم كتابه العظيم: (لِإِيلَافِ قُرَيْش إِيلَافهمْ. رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف. فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف)، وقد جمع سبحانه وتعالى بين نعمتي الرزق والأمن وهما صنوان لا يفترقان أبداً، فلا بناء، ونماء دون أمن واستقرار. وفي موضع آخر، جاء الأمن مُستقلاً، في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).
ودعا سيدنا إبراهيم، عليه السلام، ربه بالأمن، ثم قرنه بالرزق، تأكيدا لأهمية الأمن للعيش والازدهار، وانعكاسه على الرزق؛ قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)، فقدم الأمن على الرزق، ثم قرن بينهما.
الأمن من ضروريات الحياة، وقد حاز على اهتمام الإسلام، والديانات السماوية؛ فاعتناء الإسلام بحفظ الضروريات الخمس وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال؛ واعتبار التعدي عليها جريمة تستلزم العقاب، إنما يُرسخ مبدأ الأمن الذي لا يمكن المحافظة على الضروريات الخمس بمعزلٍ عنه؛ وقد جاءت الحدود في الإسلام لتهيئة البيئة المناسبة لحفظ الضروريات الخمس، ولردع الخارجين على الأمن؛ قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)؛ وعد الشارع الحنيف ترويع الآمنين والإفساد في الأرض من الجرائم المستحقة لأقسى أنواع العقوبات، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)؛ وعلى خلاف ما يراه غير المسلمين من (شدة) في إقامة الحدود، فإن فلسفة الحدود تقوم على أسس من العدالة الربانية، والحماية الإنسانية من أجل إشاعة الأمن بين الناس وتمكينهم في الأرض وفق حماية القوانين المعلنة، والعقوبات الرادعة؛ قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ففي إقامة الحدود اقتصاص من المجرمين، وردع للمفسدين، وحماية للإنسانية.
نعمتا الأمن والرزق (الاقتصاد) من أهم نعم الله على خلقه، ولعظمهما جعل، سبحانه وتعالى، في نزعهما العقاب الشديد؛ قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)؛ وبذلك يكون الأمن، والرزق من أعظم نعم الله على البشر، يُكافئهم بهما في حال الرضى، وينزعهما عنهم في حال السخط.
ومثلما كان الأمن والاستقرار القاعدة الصلبة التي بُنيَ عليها الاقتصاد المكي في عهد الرسالة؛ فهما من المقومات الرئيسة للتنمية، وعمارة الأرض، وللازدهار الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية وتوطينها في الوقت الحالي. ولعله يكون من الأسباب الرئيسة التي دفعت المملكة لاحتلال المركز 11 في التنافسية العالمية؛ الأكيد أن هناك جهوداً مثمرة بُذلت من هيئة الاستثمار، وجهات حكومية أخرى لتشجيع الاستثمار الأجنبي، واستقطاب الرساميل الضخمة، إلا أن تلك الجهود ما كان لها أن تنجح لولا فضل الله أولا، ثم جهود وزارة الداخلية، والقطاعات الأمنية الأخرى التي قاتلت من أجل تحقيق الأمن الشامل، وحماية بيئة الاستثمار من عبث العابثين.
تقاتل المملكة من أجل تحقيق الأمن الشامل، الضامن الحقيقي للاستقرار والتنمية، والمحقق الأول للتنافسية الجاذبة للاستثمار، إلا أن دورها لا يقف عند تأمين الحماية الداخلية فحسب، بل يتعداها إلى تحقيق الأمن العالمي من خلال حماية منابع النفط، وأسواقه العالمية. تتحمل المملكة الكثير من الأعباء المالية، البشرية، التنظيمية، والأمنية لتحقيق (الحماية المزدوجة)؛ وعلى الرغم من ثقل المسؤولية، وتكالب الظروف عليها بسبب البعد الدولي لجماعات الإرهاب، إلا أنها نجحت في حفظ أمنها الداخلي الداعم الأول للاقتصاد الوطني، والمحقق لأمن الاقتصاد العالمي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنابع النفط السعودية.
تُشير بعض الدراسات الأمنية إلى أن وزارة الداخلية نجحت في إنقاذ الاقتصاد السعودي من ضربات موجعة بعد تمكنها من إحباط عمليات إرهابية موجهة لقطاعي النفط والتكرير، وبعض المرافق الاقتصادية الأخرى خلال السنوات الماضية. أكثر من 40 عملية إرهابية يُعتقد أنها كانت موجهة لضرب الاقتصاد، تعاملت معها الجهات الأمنية بحرفية عالية، وكفاءة أذهلت المراقبين. العمليات الإستباقية نجحت في تأمين أهم قطاعات الاقتصاد وحمايته من التخريب وهو ما ساعد في تهيئة البيئة الاستثمارية الآمنة التي كانت سبباً، بعد الله، في استقطاب الاستثمارات الأجنبية الضخمة، وتحقيق التنافسية العالمية.
حماية المملكة لأمن منشآتها النفطية، وضمان الإمدادات واستقرار الأسواق، ساعد كثيراً في تحقيق «التنافسية المسؤولة» للمملكة العربية السعودية، وتحقيق التنافسية الخاصة لقطاعاتها الإنتاجية ومدنها الصناعية. لولا الله ثم استتباب الأمن، واستقرار الأوضاع، لما نجحت قطاعات الدولة، ومؤسساتها الاقتصادية في تحقيق مقومات «التنافسية» التي أهلتها لاحتلال مراكز متقدمة عالمياً، والمركز الأول عربيا، في تدفق الاستثمارات الأجنبية.
دور الأمن في التدفقات الاستثمارية في الجبيل الصناعية
استشهد بمدينة الجبيل الصناعية التي نجحت في استقطاب الكثير من الرساميل الأجنبية. بدأت بشراكة إستراتيجية بين الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وشركتي سابك وأرامكو السعودية، وشقت طريقها نحو النجاح. تبلورت صورة المدينة الصناعية الآمنة، ذات التجهيزات العالية، والبنية التحتية المتقدمة، وهو ما جعلها محط أنظار المستثمرين. الأكيد أن البنية التحتية والبيئة التنافسية ساعدتا الهيئة الملكية للجبيل وينبع على تسويق المدينة استثمارياً، إلا أن التجهيزات المتقدمة قد لا تعني شيئاً في غياب الأمن والاستقرار؛ فالقرارات الاستثمارية لا تبنى على تنافسية المدن بمعزلٍ عن أهم المعايير الاستثمارية على الإطلاق، وهو معيار الأمن.
الجمع بين تنافسية مدينة الجبيل الصناعية من حيث التجهيزات والبُنى التحتية المتقدمة، والأنظمة والقوانين الداعمة للاستثمار من جهة، وبين تَحقيق الأمن الشامل من جهة أخرى أدى إلى استقطاب المدينة استثمارات ضخمة تزيد على 506 مليار ريال، حيث يستحوذ الاستثمار الصناعي على 414 مليار، والسكني على 22 ملياراً، التجاري على 5 مليارات، والبنى التحتية التي تصنف على أنها جزء رئيس من الاستثمارات 65 مليار ريال.
لم نكن نتوقع أن تحتل «الجبيل 2» مساحة تفوق في مجملها مساحة المنطقة الصناعية الأولى، وهذا ما يقودنا إلى البحث عن مسببات الجذب الاستثماري الفريد الذي تميزت به المدينة، ودفعت المسؤولين إلى زيادة رقعة المدينة الصناعية تلبية لطلب المستثمرين، والتمدد الجغرافي إلى منطقة الزور الصناعية الموعودة باستثمارات ضخمة قد تُعيد من خلالها الهيئة الملكية للجبيل وينبع أنموذج الجبيل الصناعية. هناك جانب ربما غفل عنه البعض، وهو حجم الاستثمارات الأجنبية التي بدأت الجبيل الصناعية في استقطابها، ونوعية الشراكات الصناعية ومنتجاتها المتنوعة.
الاستقرار الأمني قاد إلى زيادة حجم التدفقات الاستثمارية، وزيادة معدلات التنمية، وخلق صناعات حديثة ربما كنا في أمس الحاجة لها، كما أنه ساعد في زيادة الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكرير، وهو القطاع الذي ما زال متأخراً مقارنة بحجم المملكة العالمي في إنتاج النفط. حماية المدن الصناعية، وتوفير الأمن لمكتسباتها الاقتصادية ليس بالأمر الهين، بل إن التعامل مع مجموعة من المصانع الخطرة في مساحة جغرافية محدودة ملاصقة للمدن والمناطق السكنية، والطرق الرئيسة يحتاج إلى جهود أمنية خارقة، وتنسيق دقيق وفَعَّال بين القطاعات الأمنية المختلفة لضمان تحقيق متطلبات الأمن الشامل وفق المعايير الدقيقة. الأمر لا يتوقف عند حماية الاستثمارات وتوفير الأمن اللازم لها فحسب، بل يتجاوزه إلى توفير الحماية اللازمة، للسكان، القوى العاملة، والخبرات الأجنبية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من القطاع الصناعي في المدينة. تمتنع كثير من الخبرات الأجنبية والقوى العاملة باختلاف مستوياتها عن السفر للدول غير المستقرة أمنياً وهو ما يؤثر سلباً في النشاط الصناعي وقدرته على المنافسة والنمو.
التنافسية في ظل العمليات الإرهابية
هناك علاقة عكسية بين العمليات الإرهابية، والتدفقات الاستثمارية؛ فمن الطبيعي أن يحجم رجال المال والأعمال عن الاستثمار في الدول غير المستقرة أمنياً، أو تلك التي لا تستطيع مواجهة جماعات الإرهاب بحزم، فتقف عاجزة عن حماية مقدراتها الاقتصادية، وأموال المستثمرين. وعلى الرغم من موجة الإرهاب العالمي الذي امتدت إلى الداخل، نجحت المملكة في تحسين مركزها التنافسي في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ فقد احتلت المملكة المرتبة الثامنة عالمياً في التدفقات الاستثمارية المباشرة، وفقاً للتقرير الصادر عن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. هناك من يربط بين وسائل الدعم الحكومية التي أسهمت في جذب الاستثمارات الأجنبية، وبين حصول المملكة على المركز المتقدم، وهو أمر صحيح، إلا أن الحوافز الحكومية لا يمكن أن تنجح وحدها في جذب الاستثمارات بمعزلٍ عن مُحفِز «الأمن». فالمستثمر الأجنبي لن يُغامر بدخول المملكة لولا علمه المسبق بنوعية الحماية المتاحة، وقدرة الجهات الأمنية على حماية استثماراته من المخاطر القاتلة. المغريات المالية واللوجستية لا يمكن تقديمها على الحماية الأمنية، التي قد يتسبب غيابها في ضياع رأس المال والحوافز الحكومية المغرية!!. تَقَدم المملكة في مراتب التنافسية بحسب تصنيفاتها المتعددة، على الرغم من تهديد الجماعات الإرهابية، يعكس ثقة المستثمرين الأجانب بقدرات الجهات الأمنية على محاربة الإرهاب، ودحره وتحقيق متطلبات الأمن؛ وهي ثقة ارتبطت بتجارب واقعية لقدرة الأمن السعودي على دحر الإرهاب من خلال العمليات الإستباقية القاتلة.
الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، أكد في تصريحات صحفية بأن عدد العمليات الإرهابية المُحبطة التي استهدفت المملكة خلال الفترة الماضية بلغت 220 عملية، مقابل «نحو 10 حالات معلومة»؛ أي أننا نتحدث عن نجاح الجهات الأمنية في إحباط عمليات إرهابية بنسبة 96 في المائة تقريبا، وهي نسبة مرتفعة في معايير التقييم.
لم تقتصر نجاحات الجهات الأمنية على محيطها المحلي، بل امتد نحو دول العالم؛ ولعلنا نُذكر بتقديم الجهات الأمنية السعودية لمعلومات دقيقة ساعدت في كشف وإجهاض عمليات إرهابية كان من المتوقع تنفيذها في بعض الدول الأوربية، والولايات المتحدة الأمريكية.
تأمين المملكة الحماية اللازمة لمنابع النفط، مجمعات المعالجة، ومعامل التكرير أسهم أيضاً في استمرار التدفقات الاستثمارية خلال السنوات الماضية. فمعظم الاستثمارات الأجنبية تركزت في قطاعي التكرير والبتروكيماويات وهي قطاعات لا يمكن للمستثمر الأجنبي الدخول فيها ما لم تتوفر الحماية الأمنية الكافية لتأمين إمدادات اللقيم من جهة، وحماية المنشآت والصادرات من جهة أخرى.
الأمير نايف، وبحسه الأمني، ربط في تصريحاته الصحفية بين الإرهاب والتمويل، وهذا يقودنا إلى تنافسية القطاع المصرفي السعودي فيما يتعلق بالجوانب الأمنية، وتحقيقه متطلبات المنظمات العالمية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومنها مجموعة ال(فاتف). سلامة القطاع المصرفي من العمليات المالية المشبوهة يُحسب للجهة الرقابية وهي مؤسسة النقد العربي السعودي، ولوزارة الداخلية التي ركزت في السنوات الأخيرة على محاربة الجرائم المالية، وعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإنشاء إدارات أمنية متخصصة، وإصدار القوانين والأنظمة المتوافقة مع متطلبات المنظمات العالمية، وهو ما أسهم في تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وبالتالي الحؤول دون تنفيذ عمليات إرهابية مؤثرة؛ وبالرغم من النجاحات المحققة على أرض الواقع.
لم يستبعد الأمير نايف بن عبدالعزيز استمرارية الإرهاب؛ ما لم يجد المواجهة الحازمة من أطراف عالمية أخرى؛ بقوله: «إذا لم يتم تجفيف منابع الإرهاب في جميع دول العالم سيبقى الإرهاب مستمراً، ونتمنى أن يكون هناك اجتماع عالمي يشمل كل الدول المتضررة من الإرهاب بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي حتى يقلصوا من قواعد الإرهاب، ولذلك نحن فتحنا قنوات للتعاون الأمني مع جميع دول العالم». التعاون الدولي التام هو ما تبحث عنه المملكة، ومن خلاله يمكن القضاء على جماعات الإرهاب، وحماية الدول وإقتصاداتها من تداعياته المدمرة.
أجزم بأن المملكة نجحت بامتياز في مكافحة الإرهاب، وفي تأمين منابع النفط، ونجحت أيضاً في توفير الحماية اللازمة للاستثمارات الأجنبية الضخمة على أراضيها، وهو ما ساعد في استمرارية التدفقات الاستثمارية بمعدلاتها المتصاعدة. فالأمن، بعد الله، كان سبباً من أسباب استمرارية التنمية، ونمو الاقتصاد، وتشجيع التدفقات الاستثمارية على الدخول الآمن.
أختم بدعوة سيدنا إبراهيم المُباركة التي نحسب أن الله فتح، بسببها، على هذه البلاد الخير والبركة وأنعم عليها بالأمن والاستقرار؛ قال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.