«فضيحة أولمبية».. خطأ فادح يحرج كوريا الجنوبية في باريس    برامج لتعليم الحِرف والأشغال اليدوية في الحملة الصيفية للتوعية ومحو الأمية بتعليم جازان    مصر.. استخراج «جثث مجهولة» من عقار «المحلة» المنهار    الصين: العالم بحاجة لمزيد من السيارات الكهربائية    خفر السواحل الفلبيني يؤكد تسرب النفط بعد غرق ناقلة    عطل عالمي بخدمات "أبل" السحابية    واشنطن تستعين ب "أبل" لإدارة مخاطر "الذكاء"    ارتفاع سعر الدولار واليورو وانخفاض اليوان الصيني مقابل الروبل    اكتمال أضلاع المربع الذهبي للبطولة الإقليمية للمنتخبات    الاتحاد يخسر من إشبيلية بمعسكر إسبانيا    حمدالله يوجه رسالة لجماهير الشباب    سحابة صيفية في سماء 5 مناطق    "ويندوز 11" يدمج هواتف أندرويد بملفاته    متسابقو أولمبياد الكيمياء ينهون الاختبارات    السدو والخوص.. حرف يدوية بأنامل ذهبية    الأكلات الشعبية تستقطب زوار "بيت حائل"    رفض طرح دواء شهير لعلاج الزهايمر بأوروبا    4 وفيات بفيروس "هانتا" في أمريكا    شقيق الإعلامي عبدالله الفارسي في ذمة الله    الحارس السلوفاكي روداك ينتظم في معسكر الاتفاق    الهلال يحدد موعد رحيل ميشيل بعد السوبر لهذا السبب!!    بشكتاش التركي يضغط للحصول على خدمات تاليسكا على سبيل الاعارة        ترامب يرد على مزاعم تشكك بإصابته برصاصة في أذنه    الزي السعودي .. ثقافة عريقة وحضور لافت في أولمبياد 2024    رئيس جامعة الملك فيصل يوجه بزيادة أعداد القبول 30%    جامعة الإمام عبدالرحمن تستقبل 74 ألف طلب التحاق    السفياني والطويرقي يوحدان الشعبي والفصيح بالفيروز    أمطار غزيرة تتسبب في انهيار جزئي لسد بوسط روسيا    القبض على (3) مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم (26.9) كيلوغرام من الحشيش المخدر    مغني الراب سنوب دوغ يحمل الشعلة الأولمبية    «أمن الطرق»: (4) وفيات وإصابات جراء حادث مروري بين (13) مركبة على طريق الرين إثر موجة غبار    السديس: تجنبوا التباهي بالأعراس بمواقع التواصل    كشف فحوى مكالمة زيلينسكي.. ترمب يشدد على إنهاء حرب أوكرانيا    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    الراجحي يستعرض جهود المملكة في تمكين المرأة    الأرصاد: الأمطار تتواصل على 5 مناطق    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2374.14 دولارا للأوقية    «بودي جارد» مشاهير «السوشال ميديا»    TCL تكشف النقاب عن «مهرجان نمط الحياة العصري»: أول حدث ترفيهي خاص وأفضل مكان للاسترخاء مع العائلة خلال موسم الصيف    400 حقيبة إيوائية لنازحي الدمازين    الذهاب للعمل بالدراجة يقلل احتمالات الوفاة %50    5 أساليب لتهدئة الغضب    الشكل والأخلاق    الصحة: قرارات التجمعات الصحية تحت إشراف المجالس التأسيسية    «صح» هو الصح!    ما أحد طلب رأيك    قررت أن أصبح طبيبة !    رئيس لجنة الأديان بمقدونيا: السعودية بلاد حضارية تصدر ثقافة التسامح والسلام    الله الله يا بلادي    نائب أمير المدينة يدشن فعاليات اليوم العالمي للكبد الوبائي    "الأمر بالمعروف" في الباحة تفعِّل المنصة التوعوية بمتنزه غابة رغدان    نائب أمير الشرقية يستقبل أمين المنطقة    فيصل بن مشعل يستقبل امين مجلس القصيم والقائم بأعمال محافظ محافظة عنيزة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ جابر دعيج الصباح    أمير الشرقية يستقبل القاضي القريشي    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    ولادة 4 أشبال للفهد الصياد المنقرض منذ 40 عاماً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سكاكين» خالد خليفة تفوز بجائزة محفوظ
نشر في الحياة يوم 12 - 12 - 2013

أعلنت أمس الجامعة الأميركية في القاهرة فوز الروائي السوري خالد خليفة بجائزة نجيب محفوظ عن روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» (دار العين ودار الآداب). والجائزة تمنح سنوياً في الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر)، يوم ولادة الروائي الحائز نوبل للآداب. واحتُفل مساء أمس بتقديم الجائزة بحضور وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب ولجنة التحكيم وجمع من أهل الأدب والثقافة والإعلام. إلا أن الروائي خليفة لم يتمكن من السفر إلى القاهرة لتسلم الجائزة جراء عدم حصوله على تأشيرة دخول إلى مصر، فتسلم الجائزة نيابة عنه الكاتب والصحافي سيد محمود وقرأ الكلمة التي كتبها للمناسبة. وكانت لجنة تحكيم الجائزة تألفت هذا العام من النقاد: تحية عبد الناصر، شيرين أبو النجا، منى طلبة، حسين حمودة والزميل عبده وازن. هنا قراءة في الرواية الفائزة.
ينجح خالد خليفة في روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» في أن يظهّر مشهدية بانوراميّة للمجتمع الحَلبيّ السّوري خلال أربعين سنة انصرمت... وفي أن يكشف أحوال الخوف والتفكك والهشاشة التي عاشها طوال تلك السنوات. وبلغة سلسة منسابة، ومتهكّمة في كثير من الأحيان، تتدفق بقوة الذاكرة المشحونة بالتّفاصيل المؤلمة التي عاينها مجتمعه، فيقول خليفة كلَّ المَسكوت عنه، العار- كما يسميّه- ومشتقاته في الحياة السورية، من خلال سيرة أسرة مفككة متشظية الأحلام والمصائر، وعبرَ شخصيات منكسرة لم تختر البتة مصائرها.
يُسندُ الروائي إلى أصغر أبناء الأسرة دور الراوي العليم بالأحداث، وخلجات النفوس، الشاهد الصامت... المولود في الأسبوع الذي تم فيه انقلاب الحزب على السلطة في ترميزٍ واضح لنهوض القول السّردي الموازي فنيّاً للواقع المعيش: «راقبتُ ضعفي ينمو، ويجعل مني كائناً صامتاً خائفاً من دون أمل... ينمو لديّ شعور بلذة الهزيمة». ترى هل الرّاوي يحكي، أم مدينة بأكملها؟
تتشابكُ العلاقات الإنسانية في الرواية، ويتداخل فيها الفيزيزلوجي بالثّقافي، النّفسي بالجسدي في صراع محتدم، فسوسن وخالها نزار شخصيتان تجمعان ضديةً في التكوين وفي السلوك. يبدو نزار ذكراً صاحب شخصية غنية بالأنوثة وبالذكورة معاً، تتشابكان في داخله كبُعد دلالي واضح للعمق الإنسانيّ الحقيقي على هذه الثّنائية، وكأنما هذا التعقيد المكثّف لشخصيته مرآة موازية للمجتمع المحيط به وغير المستوي، يواجهه نزار بهذه الازدواجية المستمرة حتى نهاية الرواية. شخصية تتمتع بالعمق الإنساني الحقيقي، لكنها مرذولة من مجتمعها. موسيقيٌّ مرهف يحتضن ضعفَ كلّ أفراد الأسرة وتساقطهم واحداً تلو الآخر: الأمّ المتهاوية، رشيد المتردّد المستعيض عن الموسيقى بالتطرف الديني، سوسن الضائعة التي يدفع صديقَه ميشيل للزواج بها لتحصل على أب لصبيّها/ الحلم الأخير... كما تفترض: «إن كان ذكراً سيهزم وجودُه قوة الذكورة لمصلحة الأنوثة... الأنوثة التي تهزم كلّ قوة العالم».
في المقابل تبرز سوسن شخصية قوية، تغزو المجتمع في بداية صباها بعد أن أصبحت واحدة من المظليات اللواتي تمَّ تطويعهنَّ في صفوف الحزب، يعمدن إلى التسلط وأذية الأخريات اللواتي لم يعلن انتماءهن إليه، يتولد لديهن شعورٌ بسيادة موهومة: «كلّ شيء يوحي لها بأنّها سيدة الزمن المقبل، بحماسة شدّت شعور فتيات معارضات، كتبت التقارير بزميلاتها حين يهمسن بأية كلمة عن الحزب والمظليين والقائد...». تناقضٌ مأزقيّ يصطرعُ في داخلها: تسترجلُ بتصرفاتها مع بنات جنسها، لكنها ضعيفة أمام منذر تبرز له وللآخرين مفاتنها، تمارس الجنس معه حتى النشوة المميتة، غير سويّة تنهزم بعد ذلك حين يتكشف الواقع المدمر لأحلامها وأوهامها. حبيبها منذر ضابط سابق مستقيل يعمل لمصلحة واحد من النافذين السوريين المستفيدين من الثورة، انتقل إلى الخليج بسبب من سيرته المشبوهة، ليتحوّل بين يديه إلى مجرد خادم. وهو يسعى إلى جعلها خادمة وعاهرة يرذلها عندما يتواجه مع سقوطه الدراماتيكي ليبحث بعدها عن زوجة ينتقيها من ماضيه، جميلة، باردة وغبية، تصبر على انشغاله عنها بالدينيّ (الملجأ الأخير)، فتنكسر سوسن الأنثى المتنمرة، تماماً كما ينكسر زمن السرد في الرواية ليولد حالات التفكّك القصوى التي تحياها الشخصية هذه، وسائر شخوص المسرود الفني.
تتلازم منظومة العنف في الرواية ومنظومةَ الحياة اليومية التي تتداعى بسرعة مذهلة، سلطة الديكتاتور تتعالى بهرمية لا تُطال، وإنسانية الطبقات المسحوقة تهوي إلى حضيض الواقع: «خرج الحزبيون مستعيدين سيرةً عمرها أكثر من ثلاثين عاماً، نشروا الذل في كلّ مكان من البلاد، أطباء ومحامون وصحافيون وتجار ونوّاب وطلاب جامعات ومدارس يجري إجبارهم جميعاً على الرقص في دبكات وسط مكبرات صوت رديئة».
وعلاوة على لعبة التضاد والعنف تنهض شخصية الوالدة/ الزوجة كمحور للبنية السردية لهذه الرواية متجاوزة كونها أنثى هجرها رجلها الذي سافر إلى أميركا مع ألينا التي تكبره ثلاثين سنة، ولكونها معلمة راقية ربت أجيالاً بمنطقها وبعلمها الصافي، لتمثل مدينة مجروحة بأكملها رفض وعيها الواقع، فانكفأت على ذاتها، وغرقت في هلوساتها مستمرئةً سقوطها في أحلامها، وانسلاخها عن الظرف المزري المحيط، لتستجدي بعد ذلك موتا بطيئاً انتظره الجميع، علّ السكون العميق يسود، فتنتهي عندها الأسئلة المربكة التي سكنت عقول بعض المنتبهين إلى إنسانيتهم المذبوحة.
عبر فصول خمسة متتابعة بمشهديتها الصامتة/ الصاخبة، يكتب خليفة روايته هذه لتنهض شاهداً فنياً سردياً على أربعين سنة من حكم استباحَ إنسانية المجتمع وروحه، وهو يطرحُ عبرَها إشكالية الحياة حينما تتحول إلى مجرد غلطة معلّقة لا يُتقن الفرد خلاصاً منها، ولا فِكاكاً من إسارها: «كان رشيد يريد سؤالَ أمي الغائبة لماذا ولدَتنا؟ كان يريدُ تأنيبَها على فِعلةٍ حمقاءَ لم تدفع ثمنها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.