تحول افتتاح القمة الفرنسية - الأفريقية في قصر الرئاسة الفرنسية اليوم، إلى احتفال تأبيني للزعيم الحنوب أفريقي الراحل نلسون مانديلا الذي طغت وفاته على أنباء العمليات العسكرية التي بدأتها القوات الفرنسية في جمهورية أفريقيا الوسطى. ولفّت القمة التي شارك فيها حوالى 40 من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية أجواء من الحزن والتأثر البالغ. وواكب وصولهم إلى قصر الإليزيه تنكيس الأعلام ورفع صورة عملاقة للزعيم الراحل في مقر الرئاسة كما أمام مقر الحكومة الفرنسية (كيه دورسيه). وكان التأثر واضحاً أيضاً في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الرئيس فرنسوا هولاند الذي قال: «إن الأقدار شاءت أن تجتمع أفريقيا اليوم في قمة حول السلام والأمن» مع وفاة مانديلا، مشيراً إلى أن «مانديلا اليوم هو الذي يرأس أعمال القمة». وتحدث هولاند مطولاً عن مزايا الراحل الذي «سرّع وتيرة العالم بفضل مبادئه وإرادته» ونجح «في كسب كل المعارك التي خاضها» بمقاومته الانعزال وهزم نظام الفصل العنصري الكريه. ولفت هولاند إلى أن مانديلا مد يده إلى مضطهديه و «بنى الديموقراطية في بلد لم يكن يعرفها». وزاد أن مانديلا حول بلده إلى «قوة في خدمة السلام» ومثل «نموذجاً للتسامح في وجه الأحقاد والحكمة في وجه انحرافات الحكم»، ووصفه ب «البطل على مستوى الكرة الأرضية بسبب إنسانيته العميقة في سجنه كما في سدة الرئاسة» حيث احتفظ بالبساطة والتواضع. واعتبر كلام هولاند بمثابة رسائل ضمنية برسم المسؤولين الأفارقة المشاركين في القمة ليعملوا بوحي من الراحل على تحقيق الديموقراطية والتصالح والتسامح، ورسالة أيضاً إلى الشعوب الأفريقية بقول هولاند إن مانديلا «سيكون دائماً الوجه الذي تتطلع نحوه الشعوب التي تكافح من أجل حقوقها». وتخللت افتتاح القمة مداخلات لشخصيات عدة من بينها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والرئيسة الحالية للاتحاد الأفريقي رئيسة وزراء إثيوبيا ديسالين هيلا مريام كما تم بث شريط مسجل بصوت مانديلا ووقف المشاركون في القمة دقيقة صمت تحية له. ومن الإليزيه، انتقل المشاركون إلى مركز المؤتمرات التابع لوزارة الخارجية الفرنسية لمناقشة أحد محاور القمة الثلاثة وهو «السلام والأمن في أفريقيا» قبل عشاء رسمي أقامه هولاند وزوجته. ويأتي افتتاح القمة التي تختتم اليوم (السبت)، غداة إعلان هولاند عن بدء العملية العسكرية التي اختير لها اسم «سانغاريس» وتقضي بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن بنشر 1200 جندي فرنسي في بانغي وبعض المحاور الأخرى لمساندة القوة الدولية لدعم حنوب أفريقيا و قوامها 3 آلاف عنصر. وتعول فرنسا على القمة لإحراز تقدم باتجاه إنشاء قوة تدخل سريع أفريقية تتيح للأفارقة تولي شؤونهم الأمنية بأنفسهم وتغني فرنسا عن عمليات التدخل على غرار ما يجري حالياً في وسط أفريقيا والتدخل العسكري في مالي قبل أقل من سنة. وأوضح رئيس الحكومة الانتقالي في وسط أفريقيا نيكولا تيانغاي المشارك في قمة باريس في تصريح لصحيفة «لوموند» الفرنسية، أن القوة الفرنسية التي سيرتفع عدد أفرادها من 650 إلى 1200 في غضون الساعات المقبلة، مكلفة السيطرة على الأمن في العاصمة بانغي وفي عدد من المحاور الأساسية في البلاد. وكانت فرنسا دفعت في اتجاه تبني قرار في الأممالمتحدة يجيز لها التدخل في أفريقيا الوسطى، في ضوء مخاوف من احتمال حدوث عمليات إبادة، نظراً إلى الفوضى والاضطراب الأمني السائد منذ 24 آذار (مارس) الماضي، حين أطاح المتمردون في ائتلاف «سيليكا» الرئيس فرنسوا بوعزيزي ولم يتمكن خلفه المعارض ميشال جوتوديا من وقف تجاوزات المتمردين. وصرح وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان إلى إذاعة «أر أف أي» الفرنسية، أن العمليات العسكرية بدأت في بانغي منذ صباح أمس وأن التركيز سيكون في المرحلة الأولى على إحلال الأمن في العاصمة للسماح بوصول مساعدات إنسانية إليها. وفي رد غير مباشر على المخاوف التي يثيرها تزايد الدور العسكري الفرنسي في القارة الأفريقية، لفت لودريان إلى أن مهمة القوة الفرنسية ستكون قصيرة وقد لا تتعدى ستة أشهر. واستبعد الوزير إمكان تمديد مدة عمل القوات الفرنسية في أفريقيا الوسطى، بالقول: «إن التمديد ليس ضمن منطق القرار الذي اتخذناه ولا ضمن ما قرره رئيس الجمهورية. إنها مرحلة انتقالية». وتختتم القمة الفرنسية - الأفريقية أعمالها اليوم (السبت) بمؤتمر صحافي يعقده هولاند في قصر الإليزيه بمشاركة عدد من ضيوفه عقب اجتماعين صباحيين أحدهما حول «الشراكة القتصادية والتطور» والثاني حول «التغيير المناخي». دعم بريطاني للفرنسيين في لندن، أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، أن بلاده ستنقل معدات عسكرية إلى أفريقيا الوسطى لمساعدة التدخل الفرنسي هناك، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي. وقال هيغ إن المملكة المتحدة «وافقت على توفير طائرة نقل من طراز (سي - 17) للجهد العسكري الفرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى ستقوم بثلاث رحلات هذا الشهر، ومن المقرر أن تصل الرحلة الأولى إلى هناك في القريب العاجل». وشدد وزير الخارجية البريطاني على أن ارسال قوات بريطانية مقاتلة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى «ليس مطروحاً». وأضاف: «نحن مصممون على لعب دورنا في المساعدة على التصدي للعنف في جمهورية أفريقيا الوسطى، واتفقنا مع الحكومة الفرنسية على المساعدة في نقل معدات فرنسية إلى هناك بواسطة طائرة نقل من طراز (سي - 17) ستقوم بثلاث رحلات منفصلة هذا الشهر». وفي شوارع بانغي تحت العواصف والامطار وحيث توقفت حركة السيارات المدنية منذ الخميس، لم يظهر اي انتشار كثيف للقوات الفرنسية مع ساعات الصباح الاولى امس. وعلى غرار كل يوم، سارت دوريات فرنسية مؤلفة من عربات خفيفة ومدرعات على طرقات العاصمة الرئيسية. وتمركزت ايضاً وحدات من القوة الافريقية في مواقعها المعتادة. في المقابل، تراجعت حركة الشاحنات الصغيرة المكتظة بالجنود المحليين. وسمع دوي اطلاق نار متقطع من اسلحة رشاشة ليل الخميس - الجمعة في احياء عدة، كما ابلغ سكان وكالة «فرانس برس». وأعلنت هيئة اركان الجيوش الفرنسية في باريس امس، ان الجنود الفرنسيين قتلوا الخميس عدداً من الاشخاص على متن شاحنة «بيك اب» كانوا اطلقوا النار باتجاههم وعلى مدنيين. ووقعت هذه المواجهة قبل موافقة الاممالمتحدة مساء الخميس على العملية العسكرية الفرنسية في افريقيا الوسطى. وأفادت حصيلة اعدتها بعثة منظمة «اطباء بلا حدود» في افريقيا الوسطى ان جثث 92 قتيلاً و155 جريحاً بالرصاص او بالسلاح الابيض موجودون في مستشفى في بانغي منذ بدء موجة من عمليات القتل الخميس.