«وصف... الاجتماع ب«المثمر والإيجابي». «ساد الارتياح أجواء اللقاء». «وجهات النظر كانت متطابقة أو متقاربة حول قضايا المنطقة». «تعهد الطرفان بالعمل لأجل مصلحة الشعبين الشقيقين»... هذه نماذج من عبارات تتكرر منذ عقود على شاشات الفضائيات، وخصوصاً الرسمية، لدى الحديث عن لقاء زعيمين أو مسؤولين كبار. ولكن، حتى اللحظة، لم تفصح تلك الفضائيات عما هي وجهات النظر تلك ولمَ كانت متطابقة؟»، ولم نشهد ثمرة ذلك العمل الذي تعهد الطرفان القيام به لأجل مصلحة الشعوب. هذه الكليشيهات المكررة تقال لا لإخبار المشاهد بما حدث، بل لإخفاء ما ينبغي إظهاره. والمفارقة أن هذه الفضائيات تركز على المسائل الشكلية من قبيل الصور التي تظهر الزعيم وهو يهبط من سلّم الطائرة، ثم استعراض حرس الشرف، والابتسامات التي تعلو الوجوه وصولاً إلى باب قاعة الاجتماعات... عندئذ، تطفأ الكاميرات، وينتظر الإعلاميون حتى يتسنى لهم استئناف عملهم ومتابعة النشاطات الهامشية لزيارة الضيف حين يزور متحفاً أو مؤسسة أو يحضر مأدبة. المدهش في الموضوع أن هذه الفضائيات لم تستوعب الدرس على رغم ظهور بدائل كثيرة ومتنوعة، فالمشاهد الذي يريد أن يعرف ما الذي دار في لقاءات الزعيمين والوفود يبحث في الفضاء عن محطات أخرى بعيدة، ويزور مواقع وكالات الأنباء العالمية ليحصل على الخبر اليقين، ويفهم الفحوى، بينما تستمر الفضائيات الرسمية في تكرار تلك الجمل الممجوجة وكأن اللغة العربية نضبت ولم تعد قادرة على منح مفردات بديلة، أو أن الاعلاميين في تلك الفضائيات تحجرت عقولهم واقتصرت على قاموس إعلامي يعود لنصف قرن. ومع أن ثمار هذه الممارسة الإعلامية البائسة كانت مرة، إذ ملت الشعوب العربية من تلك القضايا الغامضة وراحت تبحث عن قضيتها الخاصة في الحرية والكرامة، إلا أن تلك الفضائيات ظلت على نهجها العتيد، فلا يمكن أن تسمع رأياً مخالفاً على شاشتها، ولا يجوز أن تستضيف أحداً قد يخرج عن الدور المرسوم له، وهي إذا ما أرادت أن توحي بأنها تفسح المجال للرأي والرأي الآخر، فإنها قد تبث آراء مختلفة حول مسائل لا تتعدى أسعار البطاطا والبندورة وحالة الطرق والموضة والرياضة، أو تنتقد أداء مدير مدرسة أو رئيس مخفر في بلدة منسية؛ نائية، وما سوى ذلك سيخضع لتقدير الرقيب الذي يؤدي واجبه على أكمل وجه منذ نصف قرن، إذ تمكن من تحويل الشاشة الرسمية إلى صندوق جامد لا يبث سوى النافل والرتيب والممل والمكرر. والمشاهد، اعتاد على هذه المواويل المشروخة، فصار يتسلح بالريموت كونترول بحثاً عن قصيدة أبي فراس الحمداني التي غنتها أم كلثوم: أراك عصيَّ الدمعِ شيمتك الصبرُ...!