هل هي نار الغيرة التي جعلت الناشطات السعوديات يختلفن عندما أيقنت الكثيرات منهن أن موسم القطاف حان؟ منذ المناداة الأولى لقيادة المرأة السيارة إلى اليوم، هناك من ينتظر صدور القرار الذي سيكفل للمرأة حرية التنقل. المتابع ل«تويتر» و«هاشتاق» قيادة 26 أكتوبر، سيلمس على الأرض الافتراضية معركة حقيقية تدور رحاها في التغريدات وخلف الكواليس، ليس بين المُعارض والمؤيد فقط، بل حتى بين المؤيدات والناشطات، فهناك بلا شك من سيبدأ بكتابة التاريخ، وسيكتب معه أسماء النسوة اللاتي حققن فوزاً انتظرته النساء منذ ما يقارب ربع قرن من الزمن، فمن سيكون لها الفضل في صدور القرار؟ القائمة طويلة بأسماء ناشطات في الشأن الاجتماعي السعودي تبنت العديد منهن بعضاً من قضايا المرأة والأطفال، وذلك من خلال منابر التواصل الاجتماعي «فيسبوك وتويتر وكييك».. إلخ، وكل منهن بحسب وعيها وخبرتها الحياتية وثقافتها، فحققن نجاحاً باهراً في الوصول إلى شهرة ووهج إعلامي. إن السماح للمرأة بالقيادة هو الإنجاز والحلم، الذي لم تستطع النساء تحقيقه بمطالبتهن به منذ عام 1990، ومهما حاول الكثيرون تقزيمه وتقليله، فهو شئنا أم أبينا، سيكون علامة فارقة في سماء القرارات، لأنه سيلمس كل بيت سعودي، وسيغيّر مفاهيم عدة، في الأخلاق والمسؤولية والحرية، سيلمس الاقتصاد والسياسية، هو مثل تلك الأهزوجة التي كنا نرددها ونحن صغار: «بنت أختي جابت ولد سمته عبدالصمد، عبدالصمد يبغى حليب، والحليب عند البقرة، والبقرة تبغى حشيش، والحشيش عند الفلاح، والفلاح يبغى مطر، والمطر عند ربنا. بين عبدالصمد الصغير الذي لا يريد إلا حليباً. حليب فقط إلى المطر، يكون الصراع والحلول والرزق أيضاً. إن رؤية أصحاب أو صُناع القرار وبعض الناشطات في الشأن الاجتماعي ليست كما تراها فئة من السُذج، أو من يجعلون نظرية المؤامرة شغلهم الشاغل، فهذا القرار ينطوي على مكاسب عدة فيها الرابح والخاسر وفيها الفاسد والمصلح. إذاً، من سيكون في الواجهة اللامعة بعد أن يأتي السماح؟ في عام 1990، لم تكن هناك وعود بواجهة لامعة، لقد كانت الخطوة الأصعب، فلم تحقق نساء ال90 في ذلك الوقت مكاسب شخصية، بل على العكس حُرمن من بعض الامتيازات الوظيفية، ومن على المنابر تم تجريمهن والمطالبة بقتلهن تعزيراً، فما قمن به كان يعد انتهاكاً وفجوراً! لم يكن هناك «فلورز»، ولا هالة تويترية، كانت معظمهن أكاديميات واجهن الرفض حتى من طالباتهن. إن الرائدات نساء التسعين مهدن الطريق لما يحدث الآن، وظللن على موقفهن الصامد الذي لم يتغيّر بتغيّر الظروف والأدوار. يدعمن كل حملة تدعو لاكتساب هذا الحق الذي يشبه حليب عبدالصمد! ولعل مديحة العجروش والدكتورة هتون الفاسي وغيرهما ممن ما زلن يلاحقن هذا الحق داعمات ومؤيدات بكل ما أوتين من وقت وقوة. اليوم تتكرر حادثة التسعين مع «الشوريات الثلاث»، وعلى رغم أن الهالة الشورية لامعة، إلاّ أنها سلاح ذو حدين، كأن تكون أو لا تكون. ففي كواليس المجلس هناك من يكشر عن أنيابه، ظناً منه أن هذا الكائن المتطفل والمدعو (امرأة) لا يحق له ما يحق للآخرين، أما في تغريدات تويتر (الأرض الخصبة لإدارة المعارك) فتكشر الناشطة الكاشطة، والناشطة الماشطة عن أنيابهما غيرة، وإرضاءً لشهية أعداء النجاح والمزاحمين على الواجهة اللامعة. لكل منهن أسبابها التي لا تظهر على السطح. جميعهن مؤيدات لهذا المطلب، ولكن لا يتمنين حدوثه! على الأقل في الفترة الراهنة. إن من تحب أن تحمد بما لم تفعل واضعة نفسها في دائرة الضوء بالمعارضة السفيهة وبتفنيد ومزاحمة من هن أهل شورى ومنطق، فهي ليست ناشطة إنما ماشطة. وإن من ترى أن حملة 26 أكتوبر في حال نجاحها، ورقة حظ امتلكتها مُطلقتها، تماماً مثل اكشط واربح. فتقوم بمحاربة الحملة ومطلقتها وشعارها وكل من يدعمها لإيمانها بأن الحظ والجهد القليل كان سلمهم للنجاح، فهي ليست ناشطة إنما كاشطة. الماشطة والكاشطة لسن مع أحد إلاّ مع أنفسهن، وأنفسهن فقط، فمسمى ناشطة يُعد بالنسبة لبعضهن ثوباً جميلاً يغري بارتدائه، بشرط ألاّ تكون هناك خسائر فادحة، في حال لم يكن هناك مكسب من وهج إعلامي، أما نساء التسعين والشوريات الثلاث فهن الرائدات الحقيقيات، وسيحسب لهن التاريخ هذه الوقفة وذلك الموقف. ولن ينسى التاريخ كل من دعم هذا المطلب من: منال إلى تماضر وإيمان وحتى (أبو صالح)! * كاتبة سعودية. [email protected]