الإعلام الأميركي واستشراف الدور السعودي الجديد    المبعوث الأميركي: حرب السودان.. أكبر أزمة إنسانية في العالم    ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ 2/2    الأخضر يواصل الإعداد لمواجهة الجزائر    هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    رئيس فنلندا يحذر من طول أمد حرب أوكرانيا    فرنانديز يقود البرتغال لفوز ساحق 9-1 على أرمينيا والتأهل لكأس العالم    طهران: توقف التخصيب لا يلغي الحق النووي    الدكتور السبيّل: ملتقى التسامح يأتي انسجامًا مع اهتمام القيادة بقيمة التسامح    متطوعو التراث العالمي باليونسكو في واحة الأحساء    سوق الموسم    الرخصة الآسيوية ل96 مدربا    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية كوريا    أمانة القصيم تشارك في معرض سيتي سكيب العالمي 2025    سلوك المعتمرين والرصانة    نائب أمير مكة يرأس اجتماعًا مع الجهات المعنية لمتابعة جاهزية منظومة الحج    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالله الشثري    منصة "نت زيرو" تحصد المركز الأول في فئة التكنولوجيا الخضراء    تجمع الشرقية الصحي يطلق حملة "سكرك موزون"    نجاح عمليات زراعة عدسات بتقنية "ياماني" الحديثة بمستشفى الأمير محمد بن ناصر بجازان    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد اجتماعها السادس    تركي بن طلال حين تتوج الإنسانية بجائزة عالمية    وزير النقل يفتتح مجمع أجيليتي اللوجستي لخدمة سلاسل الإمداد    الصحة تستدعي طبيبا ظهر إعلاميا بتصريحات مخالفة للأنظمة    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بوزارة الحرس الوطني    أمير المنطقة الشرقية يترأس اجتماع المحافظين ويؤكد على الاهتمام بخدمة المواطنين والمقيمين وتلبية احتياجاتهم    17 فرصة عقارية بمزاد منارات الرياض العلني الإلكتروني    أمطار متفرقة على 7 مناطق بالمملكة ومكة الأعلى هطولًا ب 32,2 ملم بالقنفذة    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة جازان تقبض على شخص لترويجه (33) كيلو جرامًا من مادة الحشيش المخدر    أوكساچون توقع اتفاقية تأجير أرض لتطوير منشأة لإنتاج وتوزيع الغازات الصناعية بقيمة 600 مليون ريال    ابتدائية مصعب بن عمير تنفّذ ورشة "بحث الدرس" ضمن برامج التطوير المهني القائم على المدرسة    "الشؤون الإسلامية" تفتتح التصفيات النهائية لمسابقة حفظ القرآن الكريم بالنيبال    قاعة مرايا بمحافظة العُلا… أكبر مبنى في العالم مغطى بالمرايا    وفد أعمال سعودي يزور إسطنبول لتعزيز الشراكة الاقتصادية نهاية نوفمبر    الكويت ترحب بتوقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو    الحرف اليدوية في المملكة.. اقتصاد يتشكل بيد المبدعين    تشيلسي يعرض 150 مليوناً لتحقيق حلم الثلاثي البرازيلي    مهاجمه مطلوب من عملاقي البرازيل.. الهلال ال 39 عالمياً في تصنيف«فيفا»    إسرائيل تبني جداراً يتخطى الخط الأزرق جنوبي لبنان    اشتباكات عنيفة بالسويداء.. هجوم صاروخي على المزة في دمشق    «جيدانة».. وجهة استثمارية وسياحية فاخرة    هنأت ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده.. القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    القيادة تعزي رئيس جمهورية العراق في وفاة شقيقه    آل الكاف وآل سجيني يحتفلون بزواج علي    الدحيلان عميداً لتقنية الأحساء    ضوابط موحدة لتسوير الأراضي بالرياض    مشروع قرار أمريكي لوقف النار.. مجلس سلام.. وقوة استقرار دولية بغزة    علماء روس يبتكرون جزيئات تبطئ الشيخوخة    طبيبة أمريكية تحذر من إيصالات التسوق والفواتير    مختصون في الصحة يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    الرميان رئيسًا للاتحاد العربي للجولف حتى 2029    الذهب ينهي الأسبوع مرتفعا    الحربي هنأ القيادة على الإنجاز.. والمشرف يعانق فضية التضامن الإسلامي    شتاء درب زبيدة ينطلق بمحمية الإمام تركي    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل وزير الشؤون الدينية في بنغلاديش    مكانة الكلمة وخطورتها    إنسانيةٌ تتوَّج... وقيادة تحسن الاختيار: العالم يكرّم الأمير تركي بن طلال    الشريك الأدبي قريبا مساحة بين الأدب والفن في لقاء مع الفنانة التشكيلية مريم بوخمسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقنيات الرقمية سلاح الشباب العرب في ربيعهم
نشر في الحياة يوم 12 - 11 - 2012

هل هنالك رابط بين أحداث الربيع العربي وازدهار تقنيات الاتصال الجديدة في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة؟ سؤال يطرحه الباحث الفرنسي إيف غونزاليس كيجانو في كتابه الصادر حديثاً عن دار نشر «أكت سود الباريسية» (سلسلة «سندباد») ويحاول الإجابة عنه في شكلٍ مفصّل وعلمي مستعيناً في ذلك بالمعطيات والأرقام المتوافرة حول هذا الموضوع ومقوّماً في الوقت نفسه المواقف الإيجابية والسلبية من هذه التقنيات والرهانات التي تطرحها على الفرد والمجتمع العربيين.
وفي مقدّمته للكتاب الذي يحمل عنوان «عُروبات رقمية»، يقرّ كيجانو بعلاقةٍ بين انتشار تقنيات الاتصال الجديدة وانطلاق «الربيع العربي»، لكنه يشير إلى صعوبة تحليل هذه العلاقة أو تحديد مداها، كما يشير إلى أن الجيل العربي الشاب الذي استخدم هذه التقنيات وكان له دورٌ مركزي في الثورات العربية الأخيرة لم يظهر في شكلٍ عفوي، بل جاء نتيجة تسلسل أحداثٍ ومعطيات أدّى تراكمها إلى القطائع الحالية.
يبيّن كيجانو كيف سمحت التقنيات الجديدة للشباب العربي ليس فقط بالتمرّد على أنظمته العربية، بل بالهزء من أجهزتها الأمنية عبر الالتفاف على رقابتها التقليدية، وهو ما حوّل هذا الجيل إلى مصدر وحي لشبّان كثر في مختلف أنحاء العالم، كحركة «الساخطين» في إسبانيا والتجمّعات الشبابية التي احتلت شوارع «وول ستريت» لأسابيع في نيويورك. ولكن بسرعة يردّ كيجانو سبب الافتتان الغربي بالثورات العربية إلى قراءةٍ استشراقية لها، وبالتالي إلى ارتكازها، في نظر الغربيين، على تقنيات وتعبيرات تشكيلية وجمالية مألوفة لهم. فماذا سيبقى من هذا الافتتان في حال دافع الشبّان العرب اليوم عن خيارات حياتية لا تتوافق مع الخيارات الغربية؟
وما يعزّز هذا التحليل هو عدم اكتراث الغرب لحيوية نشاط الشباب العربي على شبكة الإنترنت قبل عام 2011، إلا للتخوّف من إمكان استخدام الإرهاب الأصولي شبكة الإنترنت للانتشار في مختلف أنحاء العالم، أو للحديث عن الرقابة الصارمة المفروضة على مواقع هذه الشبكة أو عن «تخلّف» شرقنا في هذا المجال، علماً أن عدد الناشطين العرب على هذه الشبكة كان قد قفز من مليون عام 2001 إلى ثلاثين مليوناً عام 2007، فستين مليوناً عام 2010، بينما بلغ نمو عدد المشتركين على شبكة «فايسبوك» 175 في المئة سنوياً منذ تأسيسها عام 2004، أي ضعف المعدل الدولي!
ثم يوضح كيجانو أن الاستخدام السياسي للتقنيات الرقمية والشبكات الاجتماعية (فايسبوك، تويتر وغوغل) في شرقنا بهدف تجاوز مسألة الرقابة لم يظهر مع «الربيع العربي»، بل استبقه بنحو عقدٍ من الزمن. وبالتالي، لا بد من الحديث عن استمرارية في هذا الاستخدام وليس عن قطيعة، كما ظنّ الكثيرون. وليس صدفةً، بالنسبة إلى الباحث، أن تكون تونس التي تصدّرت ثورتها بقية الثورات العربية هي التي فتحت الطريق في العالم العربي لأشكالٍ جديدة من النشاط السياسي على شبكة الإنترنت. فهذا البلد هو أوّل من اختبر هذه الشبكة في منطقتنا، منذ عام 1991.
ومن تونس كان أوّل شاب عربي دفع ثمن نشاطه السياسي على هذه الشبكة، ونقصد زهير يحياوي الذي أُوقف عام 2002 وتوفي في السجن عام 2005، علماً أنه لم يكن الشخص الوحيد الناشط في هذا المجال في تونس. ومن هذا البلد ينتقل كيجانو بنا إلى معظم الدول العربية التي شهدت نشاطاتٍ من هذا القبيل قبل انطلاق «الربيع العربي» شكّلت خير تمهيدٍ له. وإذ لا مجال هنا للتوقف عند هذه التحرّكات الفردية الجريئة التي يكشف عنها الباحث، نظراً إلى غزارتها، نشير إلى أن معظم الحكومات العربية حاولت بدورها الحصول باكراً على التقنيات الضرورية لمراقبة شبكة الإنترنت وردع الناشطين سياسياً عليها كما قامت بإصدار قوانين صارمة في هذا الاتجاه.
متفائلون ومتشائمون
يعرض كيجانو في الكتاب وجهة نظر المتفائلين بالدور السياسي للتقنيات الرقمية من منطلق قدرتها على تطوير التبادلات والحوارات داخل الفضاء العام، وبالتالي تعزيزها سلطات الأفراد في وجه ممارسات الأجهزة الحكومية، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، عبر توفيرها التعبئة الضرورية لتحرّكاتهم الجماعية. وفي هذا السياق، يتوقف عند ثورتَي تونس ومصر اللتين لعبت التقنيات الرقمية فيهما دوراً واضحاً، ولكن أيضاً عند التحرّكات الشعبية التي شهدتها الجزائر والأردن ولبنان واليمن والبحرين والمغرب في نهاية عام 2011 وبداية 2012.
ويعرض كيجانو من ثم وجهة نظر المتشائمين من دور التقنيات الرقمية السياسي لاعتبارهم أن النمو السريع لشبكات الاتصال لا يؤدّي بالضرورة إلى تعزيز الديموقراطية. فحين تدافع الولايات المتحدة عن ضرورة فتح شبكة الإنترنت كلياً بكل تطبيقاتها الرقمية، وبغضّ النظر عن الإكراهات الصناعية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية والسياسية الملازمة لهذا الموضوع والتي تحدّدها هذه الدولة بنفسها، هل تكون تدافع عن حرّية الاتصال والاستعلام أم عن شكلٍ حديث يعزّز تأثيرها الديبلوماسي، كي لا نقول تدخّلاتها الخارجية؟
والتونسي سامي بن غربية، مؤسس موقع «نواة»، هو أول من لفت الانتباه إلى هذه المسألة، وأشار إلى أن الحرية التي توفّرها شبكة الإنترنت قد تكون مجرّد وعدٍ خادع نظراً إلى الدعم الديبلوماسي والمالي واللوجستي الأميركي له، خصوصاً في العالم العربي وأثناء الثورات الأخيرة فيه. أما الباحث إيفغيني موروزوف فيعتبر أن شبكة الإنترنت ليست قوة ذات وجهة وحيدة تقود حتماً إلى التحرّر الشامل، وأن التكنولوجيا ليست خيّرة بجوهرها نظراً إلى إمكان استخدامها للمراقبة والمعاقبة والمنع بالسهولة نفسها التي تُستخدم فيها للتقاسم والتحرّر والالتفاف على الرقابة. وبالتالي، كلّما لجأ المناضلون السياسيون إلى القنوات الرقمية، كانت المجازفة أكبر في وقوع معلوماتهم ومخطّطاتهم في يد الأجهزة الأمنية الرسمية التي يواجهونها.
بل إن موروزوف يشير إلى أن النضال على شبكة الإنترنت الذي يقتصر على الضغط على زرٍّ لتوقيع عريضة أو الموافقة على مضمون مقالٍ أو فيديو يمنح رضا سهلاً بلا نتيجة حقيقية، وقد يُشكّل مُصرِّفاً يحوّلنا عن النضال الحقيقي، وإلى أن الروابط التي تُنسج على شبكة الإنترنت تبقى ضعيفة وقائمة على وقائع رقمية غير ملموسة، وبالتالي لا بد من نضالٍ على أرض الواقع كي تتحوّل هذه الروابط إلى تضامنٍ فعلي قادر على مواجهة القمع.
ومن هذا المنطلق، يعتبر كيجانو أن عنصر المفاجأة هو الذي منح دوراً مهماً للتقنيات الرقمية في نجاح ثورتَي تونس ومصر، وإلا كيف يمكن تفسير عدم فعاليته في التحرّكات الشعبية اللاحقة التي شهدتها دولٌ عربية أخرى وكان استخدام التقنيات الرقمية واسعاً فيها أيضاً؟
ومع ذلك، يبيّن كيجانو في الفصل الأخير من كتابه أن انتشار هذه التقنيات في شرقنا ساهم بقوة في توسيع فضاء حرّية التعبير فيه، وهامش الحرية عموماً، وساهم كذلك في تغيير نظرة العالم إلينا ولكن أيضاً نظرتنا إلى أنفسنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.