وزير الإعلام: تنفيذ المرحلة السابعة من قطار الرياض العام المقبل    أمير القصيم يترأس اجتماعًا لاستعراض استراتيجية السياحة الوطنية وأداء القطاع السياحي بالمنطقة    مستقبل الأمن الرقمي سيجمع بين قدرات البشر وقوة الذكاء الاصطناعي    الملحق العسكري في سفارة مصر بالمملكة يزور التحالف الإسلامي    المتصدّر يتعثر.. والعلا يقفز إلى الوصافة    "الشورى " يقر مشروع تطوير الاطار التشريعي للإجراءات الجمركية    محافظ الطائف يطلق مبادرة "شتاؤهم عون ودفء" ويطّلع على خطط شركة المياه الوطنية    أمين نجران يتفقد المشاريع البلدية في محافظة شرورة ومركز والوديعة    الهجانة.. إرث وطني ودور أمني راسخ    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق مهرجان القراءة ال 25    وزير الخارجية ونظيره العماني يعقدان الاجتماع الثالث للمجلس التنسيقي في مسقط    سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعا 67 نقطة    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    بدء الاستعدادات لتنظيم النسخة الثانية من المؤتمر الدولي للعواصف الغبارية والرملية نهاية 2026م    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    مستشفى الملك خالد بتبوك يحقق إنجازات نوعية    "التخصصي" يحقق جائزة "أبكس" للتميّز من الجمعية الأمريكية للرعاية التنفسية    محافظ أحد المسارحة يهنئ سعاد عسيري بمناسبة تدشين روايتها «نبيّة وبيوت الموت»    بين الملاحظة و«لفت النظر».. لماذا ترتاح المرأة للاهتمام الذي لا يُطلب !!    هبوط الين أمام اليورو والفرنك السويسري    الإدارة العامة للاتصالات والأنظمة الأمنية تدعم الجاهزية التشغيلية في معرض «واحة الأمن»    زراعة النخاع العظمي الذاتية تسجل نجاحها الثالث    فقيه للرعاية الصحية تطلق برنامج دعم الابتكار في DeveGo 2025    مدرب نابولي: بلغنا النهائي بجدارة واستحقاق    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    الأخضر خرج خالي الوفاض    تنوع بيولوجي في محمية الملك سلمان    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    جهود أمين جدة وسرعة الإنجاز لشبكة تصريف الأمطار    أين يبدأ التنمر الوظيفي وأين ينتهي؟    بهدف تعزيز بيئة العمل الداخلية.. وزير«الموارد» يدشن «الغرف الإبداعية» بالجهات الحكومية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    معرض جدة للكتاب 2025 يختتم فعالياته    القراءة.. الصديق الذي لا يخذل    من هن النسويات؟    «الآسيوي» يعتزم إطلاق «دوري الأمم»    إرادة تتغلب على الإعاقة    تقدم في نزع الألغام ببابنوسة.. تحركات دبلوماسية لوقف النار في السودان    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن بجازان    روسيا تشكك في جدوى المبادرات.. زيلينسكي يرفض التنازل عن الأراضي    عراقجي: التكنولوجيا باقية رغم الضربات.. إيران تقر بتضرر منشآتها النووية    بناء القدرات وتبني الابتكار وتعزيز الشفافية.. السعودية تتقدم في مؤشر أداء الأجهزة الإحصائية    المحسن يكتب.. وَهَبهم البطولة والإنتصار .. بأهدافه وتخطيطه المكّار    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الأمريكي "تيين" بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2025    الصراع الإسرائيلي الإيراني بين الضربات العسكرية وحسابات الردع    منهج الاحتلال.. استيطان وعنف    قرارات تطويرية لتكامل المنظومة الدينية بالحرمين    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    الزايدي محاضراً    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحباطات «جماعة النظام» من فظائعه ومخاوف من انهيار الجيش
نشر في الحياة يوم 01 - 11 - 2012

الصورة التي ينقلها سوريون غير ناشطين في المعارضة وكانوا قريبين من النظام ولم يعودوا كذلك، لأن «شبّيحته» لم يوفروهم من الترهيب والتضييق، هي صورة أكثر إرعاباً مما يمكن تصوّره. إنهم يعرفون النظام، أو اعتقدوا أنهم يعرفونه، لكنه صدمهم بشدّةٍ لم يعد هناك سقف لدمويتها، وبعصبية مذهبية أفلتت من كل عُقال. صورة تعكس الإحباط العميق الذي يتلبّس هؤلاء وهم يرون «دولة» مشلولة وجيشاً معطّلاً ومغيّباً وعصابات أمنية مستغرقة في الإجرام. لا يستطيعون الانشقاق ولا البقاء ولا الانضمام إلى الثورة، لأنهم من «جماعة النظام» وصارت هذه شبهة معيبة تلاحقهم. يجزم هؤلاء بأن التفجير في مبنى الأمن القومي يوم 18 تموز (يوليو) الماضي كان عملاً مدبّراً من داخل النظام، وكان الهدف الرئيسي تصفية آصف شوكت لأنه أخطأ بمجرد الإصغاء إلى وسطاء سوريين والاهتمام ب «رسائل» جاؤوه بها من الخارج، في حين كان العماد حسن توركماني الهدف الآخر بصفته الضابط السنّي الأعلى رتبة ويتمتع باحترام داخل الجيش وخارجه. وفي الأحاديث التي رافقت الجنازات وتلتها كانت الاتهامات توجّه إلى علي المملوك الذي نال ترقية بعد هذا التفجير، إلا أن بعض ذوي القتلى لم يتردد في القول أمام المعزّين أن المملوك «ليس سوى منفّذ لأوامر عليا».
يقول هؤلاء السوريون، نقلاً عن «أصدقاء» من داخل النظام، أن بشار الأسد لا يكفّ عن تأكيد ثقته بأن «الأميركان لا يريدون تغييراً» و «لا يزالون متمسّكين بي». لذلك فهو لا يبدي قلقاً على مستقبله حتى أنه شبه متفرّغ لمتابعة تقارير عن أشخاص اهتز ولاؤهم له أو كانوا قريبين من بعض المنشقّين، وهو من يرسل التهديدات إليهم، إذ تصلهم دائماً نقلاً عنه وباسمه. لكن هذا الشعور بالثقة لدى بشار لا يلقى صدى عند الآخرين على اختلاف طوائفهم، بمن فيهم الأكثر والأقل قرباً منه، إذ لا يتوانون في جلساتهم عن طرح انتقاداتهم للطريقة التي يدير بها الأزمة، لكن مخاوفهم الكبرى تركّزت أخيراً على احتمالات انهيار الجيش الذي لا يزال ثلثاه تقريباً في احتجاز مستمر منذ نحو سنة. وعلى رغم أنهم لم يخططوا للانشقاق والانتقال إلى الخارج إلا أنهم صاروا بحكم المنشقّين في الداخل، وكثيرون منهم نقلوا عائلاتهم إلى «منافيهم المقبلة»، كما يسمونها متهكّمين.
يؤكد هؤلاء القريبون/ البعيدون أن الرئيس والحلقة الضيقة المحيطة به لا يعتقدون للحظة أنهم سيفقدون السلطة في يوم قريب، ومنذ تأكد لهم أن التدخل العسكري الخارجي لن يحصل أصبحوا يقولون أنهم «هم من يوجّه الثورة» مستفيدين أولاً من «العسكرة» التي استدرجوها لكسب «مشروعية» للعنف المستخدم في الرد عليها، وثانياً من جماعات «القاعدة» التي يوزّعونها هنا وهناك لإخافة الغرب وتحذيره، وقد نجحوا في ذلك إلى حد أن جماعات أخرى متطرفة ظهرت ونشطت في سياق «شبه قاعدي» فشكلت تغطية لارتكابات «قاعدة - النظام» التي تبقى الأخطر لأنها تنفذ العمليات الأكثر دموية ولا توفّر مقار الأمن والاستخبارات بتفجيرات تلقى إدانات واسعة حول العالم باعتبارها «عمليات إرهابية». وفي أروقة النظام يعرف الجميع مَن يشرف على «القاعدة» وأشباهها، ويقولون أن «جبهة النصرة» مثلاً هي من مخرجات الأجهزة التي شكّلتها من سجناء أخضعوا لتدريبات طويلة وقاسية جعلتهم وحوشاً لا تتردد في تنفيذ أي أمر.
منذ فترة طويلة لم يعد القريبون يدرون كيف يفكر الرئيس ولا كيف يريد فعلاً الاستمرار في الحكم مع كل هذا الدم والخراب. يفاجئك أحدهم إذ يقول: «بلى هو باق فقط لاستكمال التدمير لا لأنه سيبقى حاكماً». ويقول هؤلاء أنه انشغل أخيراً بمتابعة معركة السيطرة على معرّة النعمان وبالحراك المتنامي في ريف اللاذقية، لأنه استشعر خطراً في التطورات هناك. لكن أكثر ما يهتم به حالياً هو الإعداد ل «معركة دمشق» إذ يريد إبعاد القتال عن العاصمة وأوصى بعدم الإحجام عن أي وسيلة لإخضاع ريف دمشق بما في ذلك العمليات المنهجية الواسعة للتدمير والتهجير والنهب، بالإضافة إلى المجازر المبرمجة. ويشير النهج المتّبع حتى الآن إلى أن خطة النظام ل «تأمين» دمشق تركّز على اجتياح حاراتها دورياً وعلى تفريغ ما أمكن من مناطق ريفها بأي شكل. لكن هذه كانت قد أصبحت أيضاً مناطق نزوح تحاول استيعاب ما أمكنها من نحو مليونين ونصف المليون مهجّر من مناطق أخرى ولا يستطيعون أو لا يفضلون النزوح إلى خارج الحدود.
ويقول القريبون أنه وفقاً للمعلومات «الرسمية» عن مجزرة داريّا، على سبيل المثال، فإن العدد المتداول (نحو 400) للضحايا متواضع مقارنةً بالعدد الحقيقي (نحو 1200) كما ورد في التقارير، وقد استُبقت المجزرة بدخول رُتّب مسبقاً لوحدات من الجيش (بقيادة ضباط من السنّة) إلى المدينة التي لم تقابلهم بعدائيّة وتصرّف أفرادها بحزم لكن بتهذيب خصوصاً مع النساء والشيوخ والأطفال، فيما توارى مسلحو المعارضة. مع نهاية النهار انسحب الجيش بعد عمليات تمشيط وتفتيش في مختلف أحياء داريا التي ظن أهلها أنهم سيمضون ليلة هادئة، لكن مع بزوغ فجر اليوم التالي دخلتها جحافل «الشبيحة» باللباس المدني فحاصرت أوّل الأحياء وبدأت غزو الأبنية والمنازل لإخراج ساكنيها والإجهاز عليهم ذبحاً أو رمياً بالرصاص، وقتلاً للنساء بعد امتهانهن واغتصاب بعض منهن، فيما راحت جحافل أخرى بإشراف ضباط تملأ طوابير الشاحنات المرافقة بقطع الأثاث مع الاعتناء بفرزها تمييزاً لحصص الضباط عن حصص الأفراد. بديهي أن الأحياء المجاورة أقفرت بلمح البصر من سكانها ما أن بلغتها أخبار المقتلة.
يروي أحدهم أن الجنون الجماعي بلغ حدّاً استثار حتى بعض المشايخ العلويين من «المرشديين» فأصدروا فتوى بعدم السماح بشراء أي سلعة من «سوق السنّة» التي تعرض الأسلاب والغنائم المنهوبة من مناطق السنّة. ذاك أن الأزمة المالية جعلت النظام يتّبع «لامركزية عسكرية» مقسماً البلد إلى إقطاعات خاصة لقادة قواته يتصرفون فيها كما يشاؤون وبصلاحيات غير محدودة لإدارة العمليات القتالية ولتمويل القتلة التابعين لهم، وبدورهم عمد القادة إلى توزيع المناطق المستباحة على ضباطهم الذين يوزّعون أحياءها وشوارعها على مرؤوسيهم. ولعل ما شهدته حلب يعطي فكرة عن استفحال النزعة «الميليشياوية» لدى ما تسمّى قوات نظامية، ففي صراع السيطرة على أبنية حكومية وعسكرية لوحظ أن قوات النظام تقاتل بشراسة لاستعادة مبنى من «الجيش الحرّ» ثم يتولّى «الشبيحة» نهبه.
أما حيث لا تكون هناك أوامر بتنفيذ مجزرة بغية تهجير السكان فإن هؤلاء يخضعون لأبشع أنواع الخوّة والابتزاز تجنباً للتنكيل وحمايةً للنساء والأطفال. وبات الخطف من أجل الفدية من أكثر الأساليب شيوعاً وتنظيماً و «حصانةً»، حتى أن السيارات التي تقلّ مخطوفين صارت مميّزة فلا تجرؤ حواجز الجيش على اعتراضها أو إزعاجها. حصل أن أحد الأفراد على حاجز للجيش رأى والده محتجزاً وممداً تحت أرجل «الشبيحة» في ناقلة عسكرية ونال عقوبة لأنه احتج وأراد إنقاذه ولم يفرج عنه إلا بعدما دُفعت الفدية وعاد والده إلى البيت. وحصل أيضاً أن شخصاً صارح خاطفيه بأن أحداً في عائلته لا يملك حتى ربع المبلغ المطلوب، ولما شعر بأنهم قد يقتلونه ويرمونه فاوضهم ليطلقوه كي يتدبّر الفدية فأفرجوا عنه لكن بعدما استدعى أبنه ليحجز مكانه. وفي حال أخرى مماثلة أطلق المخطوف بعدما لُقّن شتائم للرئيس كالها له مسجلة في فيديو، وعلى رغم إحضاره الفدية يخشى معاودة استخدام الفيديو ضدّه.
* كاتب وصحافي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.