«لا يمكن لموظف بلدية أن يفهم بالمسرح وأن يملي علينا أسماء الممثلين والمسرحيات ويتدخل في نصوصها». تلك كانت آخر كلمات عائشة نيل شاملي أوغلو، مديرة فرق المسارح المدنية التابعة لبلدية اسطنبول، قبل تقديمها استقالتها وستة من أعضاء إدارة المسارح، احتجاجاً على قرار لبلدية اسطنبول أنهى استقلالية المسارح، وفرض موافقة هيئة رقابية مؤلفة من موظفي البلدية، على أي عمل مسرحي ومكان عرضه وأسماء الممثلين المشاركين فيه. وفرق المسارح المدنية هي أضخم وأشهر المسارح في تركيا، وتنافس في قوتها وشهرتها المسارح الرسمية والخاصة. ورأى مسرحيون في ذلك محاولة واضحة لفرض رقابة على أعمالهم وفنهم، فتظاهر حوالى 300 منهم أمام ثانوية غلطة سراي في ساحة تقسيم، مطالبين برفع يد الرقابة عن الفن والمسرح، كما أعلنوا رفضهم سياسات «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، اذ اتهموه بفرض «تقاليده وثقافته» على كل شيء في تركيا. وكانت بلدية اسطنبول التابعة للحزب الحاكم، اصدرت بياناً ورد فيه: «لوحظ أخيراً خروج ممثلين عن النص، ووصول شكاوى من أهال ومواطنين في شأن مشاهد وعبارات تخدش الحياء العام في المسرحيات، اضافة الى احتوائها تلميحات سياسية مرفوضة». وناقش الفنان كنان إشيق، وهو المسرحي الأشهر في تركيا، المسألة مع رئيس بلدية اسطنبول قادر طوباش، وقال بعد اللقاء إنه «ليس ضد تحديث قوانين المسرح في تركيا، ولكن لا يمكن أن يقبل أن يفرض موظفو البلدية رأيهم على المخرجين والممثلين وكتّاب السيناريو». واعتبر «حزب الشعب الجمهوري» الأتاتوركي المعارض أن ما حدث في بلدية اسطنبول يشكّل «خطوة جديدة في مسيرة أسلمة تركيا التي يتقدم بها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في صمت وهدوء، وذلك تحت شعار الحفاظ على العادات والتقاليد والآداب العامة». وتساءل رئيس الحزب كمال كيليجدارأوغلو عن «ذهنية الحزب الحاكم التي ترى أن من الضروري وضع حارس على كل شيء يتعلق بحياتنا الاجتماعية»، مضيفاً: «من يعتقد بأن مسرحية تخدش حياءه، يمكنه في سهولة حضور مسرحية أخرى، وكيف لموظف بلدية ان يفتي في الفن؟». ويواجه أردوغان أخيراً انتقادات عنيفة ومتكررة من المعارضة التي تتهمه بالسعي الى «أسلمة» تركيا تدريجاً، من خلال فرض قوانين مثيرة للجدل في هذا الشأن، بينها قانون التعليم الذي أقره البرلمان مطلع الشهر الجاري، وتنظيم رحلات عمرة للمتفوقين في الدراسة. كما يُدخل القانون الجديد دروس السيرة النبوية وتحفيظ القرآن، للمرة الأولى في مناهج المرحلة الإعدادية. وعلى رغم تأكيد الحكومة أن الدرس اختياري، لكن المعارضة تعتبر أن طريقة فرض الدرس ستجعله إجبارياً، وخصوصاً في المدن الصغيرة والقرى، بسبب الضغط النفسي، وهذا ما يثير اعتراض جماعات علوية في تركيا. وكان أردوغان أعلن صراحة أن هدف حكومته هو تنشئة جيل متدين في تركيا، لكنه رفض اعتبار ذلك خروجاً عن النظام العلماني، بل «توجهاً لتحقيق رغبة غالبية المواطنين». وحمل أردوغان على «المتجبرين على الأمة»، وقائدهم رئيس الجمهورية السابق عصمت إينونو الذي منع الأذان وأغلق عدداً كبيراً من المساجد. وقال: «ولى عهد إغلاق المساجد وتحويلها مخازن، وعلى تركيا أن تواجه ماضيها وأن تحاسبه وأن تتجلى الإرادة الحقيقية للشعب».