برع بعض الأنظمة في حقب متعاقبة على افتعال أزمات أو مشاكل ليلهي شعبه عن أزمات أخرى أو ليمرّر قانوناً أو قراراً يفترض أن يكون للشعب رد فعل تجاهه إذا تنبّه له، ومارست دول الطريقة نفسها على المستوى الدولي بتفجير أزمة في بلد ما كي تلتهم بلداً آخر، لكن يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس في حاجة أصلاً إلى افتعال أي أزمة ليجذب الأنظار لها لينسى الناس الكلمة التي وجهها من القاهرة الى العالم الإسلامي والتي جعلت البعض يتفاءل بحل قريب لقضايا معقدة على رأسها القضية الفلسطينية. لم يتوقف الجدل بين السياسيين والمثقفين العرب حول هذه الكلمة حتى الآن، وعلى أرض الواقع لم يتحقق شيء مما نادى به أوباما أو تعهّده، ولم يقدم أي طرف من الأطراف الفاعلة في القضايا التي تحدّث عنها الرجل الا ما يُحبط، ويكاد يغطي التأثير السلبي للكلمة على المردود الإيجابي لها. لم تظهر مؤشرات على قرب انفراجة للقضية الفلسطينية ولا يبدو أن لدى أوباما من الأسباب ما يتيح له مواجهة أفكار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو أو تصرفاته. من حسن حظ الرئيس الأميركي أن العالم انشغل بما يجري في إيران وأن الانظار صارت تتجه الى المدن الايرانية لمتابعة وقائع الاحتجاجات والصدامات الدموية بعد الانتخابات... ولأن "مصائب قوم عند قوم فوائد" فإن تظاهرات الايرانيين جاءت بالفائدة على أوباما وكذلك العرب المنشغلين أيضاً بملاحقة الأحداث في ايران ودراسة تأثيرها وهم لم يسألوا الرئيس الأميركي عن الموعد الذي ينوي فيه تحويل ما جاء في كلمته إليهم وإلى كل المسلمين الى برنامج عمل على أرض الواقع. وحين ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابه الذي حدد فيه ملامح الدولة الفلسطينية التي تقبل بها إسرائيل فإن العرب أيضاً انشغلوا بالرد على ما ورد في الخطاب من دون أن يبدأوا أي خطوة تمكنهم من مواجهة نتانياهو ولم يتوصلوا بعد إلى تحقيق اتفاق عربي حول أسس التعاطي في المستقبل مع القضية الفلسطينية في ضوء كلمة أوباما ومصير مبادرة السلام العربية في ضوء خطاب نتانياهو، أما الرئيس الأميركي فأشاد بما أعجبه في كلام نتانياهو وتجاهل ما لم يكن متوافقاً مع ما أعلنه في القاهرة. وبين انشغال الأطراف الفاعلة في القضية الفلسطينية بالأزمة الإيرانية أو بحثها عما يشغلها يبقى الطرف الإسرائيلي وحده غير مشغول إلا بترسيخ الأوضاع على الأرض ودعم وتثبيت ونشر الاستيطان وسدّ أي منفذ في الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تكفل إجهاض أي جهد أو محاولة للتخفيف عن الفلسطينيين او العودة بالقضية الى واجهة الاحداث وإغلاق كل الطرق التي تؤدي الى فرض التزامات جديدة على إسرائيل أو إحياء الالتزامات السابقة. عموماً ليس في السياسة تفاؤل أو تشاؤم إلا أن الصورة لا تبدو وردية والنفق الذي دخلته القضية الفلسطينية لم يظهر بعد أي ضوء فيه، وربما يحتاج أوباما الى مزيد من الوقت، والعرب الى مزيد من الجهد وإلا فإن كل الاطراف ستحزن حين تنتهي أزمة ما بعد الانتخابات في إيران، وستترقب في شغف بالغ أزمة جديدة في مكان بعيد يشغلها عن فعل ما يجب عليها أن تفعله.