عادت تونس والمغرب إلى الظهور على لائحة الدول النامية التي تنصحها المؤسسات المالية الدولية بخفض قيمة عملاتها الوطنية، على غرار ما أقدمت عليه مصر قبل أسابيع، عندما خفضت سعر صرف الجنيه بنسبة 8,3 في المئة ليصل إلى 4,23 جنيه للدولار. ومن وجهة نظر المؤسسات المالية الدولية، وفي طليعتها البنك الدولي، فإن خفض سعر صرف الدرهم المغربي والدينار التونسي بات ضرورة اقتصادية ونقدية لا بد منها، لاعتبارات كثيرة، أبرزها الانعكاسات التي يرتبها منذ اكثر من سنة هبوط اليورو تجاه الدولار، على الأوضاع الاقتصادية المغاربية، ثم حاجة الدول المغاربية، وتحديداً تونس والمغرب، إلى تطوير سياساتها الاقتصادية والنقدية بما يتلاءم والتطورات الحاصلة في الاقتصاد الأوروبي. وتعتبر دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري والاقتصادي الأول لتونس والمغرب، على اكثر من صعيد، فالأسواق الأوروبية تمثل الأسواق الرئيسية للصادرات من هذين البلدين، وبما يصل إلى اكثر من 70 في المئة من إجمالي صادرات الألبسة والخضار والفواكه. وأدى ارتفاع الدرهم والدينار مقارنة باليورو في السنتين الماضيتين إلى تراجع ملموس في قيمة الصادرات من هذين البلدين، في الوقت الذي ساهمت فيه الاتفاقات التجارية التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع بعض الدول، خصوصاً الدول الآسيوية، في زيادة حجم الواردات منها، ولو على حساب حصة الصادرات المغاربية التي يقر المسؤولون في الرباطوتونس بأنها باتت أقل تنافسية. وعلى مستوى أخر، يمثل السياح الأوروبيون مركز الثقل في النشاط السياحي في تونس والمغرب، وبما تزيد نسبته عن 75 في المئة، وعلى غرار ما واجهته مصر، قبل فترة، فإن المؤسسات السياحية في هاتين الدولتين وجدت نفسها أكثر كلفة بسبب هبوط سعر صرف اليورو، الأمر الذي ساهم في تباطؤ التدفق السياحي الأوروبي، ودفع عدداً أكبر من الزوار الأوروبيين إلى التوجه، إلى دول منافسة، وأقل كلفة، مثل اليونان وتركيا وبعض دول أوروبا الشرقية. ومن وجهة نظر خبراء البنك الدولي، فإن خفض أسعار صرف الدرهم والدينار، سيساهم في زيادة الجاذبية الاستثمارية للمغرب وتونس. الأولى، أن خفض سعر صرف العملة الوطنية سيساهم في خفض كلفة الاستثمار، وهو أحد العناصر الأساسية في أي قرار استثماري، فيما تتمثل الثانية في الانعكاسات الإيجابية لقرار خفض أسعار الصرف، على فرص التصدير إلى الأسواق الخارجية. وعلى رغم أن المسؤولين التونسيين يسعون منذ فترة إلى توسيع دائرة الاستثمارات الأجنبية، إلا أن التوظيفات الأوروبية، سواء في قطاع السياحة، أم في قطاعات رئيسية أخرى، مثل الصناعة والمصارف وغيرها، ما زالت تمثل مركز الثقل في النشاط الاستثماري الأجنبي، في هذين البلدين، إضافة إلى اعتبار آخر، وهو أن الاستثمارات الأجنبية غير الأوروبية، إنما تركز بصورة رئيسية على أهمية التصدير إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في ظل اتفاق الشراكة الذي وقعته الرباطوتونس معه. ومع ذلك، وعلى رغم أهمية الأسباب التي يقول البنك الدولي انها تشجع على خفض أسعار صرف العملة الوطنية، إلا أن ثمة نتائج مالية واجتماعية، لا بد من توقعهاومواجهتها. وفي الواقع، يجمع الخبراء على أن خفض سعر العملة الوطنية في بلدين مثل المغرب أو تونس سيساهم في رفع كلفة المعيشة، خصوصاً ان الدولتين تعتمدان على الاستيراد من الخارج، لتلبية الاستهلاك المحلي في العديد من السلع الأساسية، مثل النفط والقمح والأرز والسكر وغيرها، ومن التجهيزات الصناعية. إلى ذلك، فإن خفض العملة المحلية، في دولة ذات مديونية مرتفعة، خصوصا مثل المغرب، سيساهم في زيادة أعباء الدين الخارجي لأكثر من 500 مليون دولار في السنة. حتى الآن، يراهن الخبراء على استقرار أسعار النفط العالمية عند مستويات متدنية نسبياً، كأحد العوامل التي يمكن أن تساهم في الحد من الانعكاسات المعيشية، وعلى تحسن الظروف المناخية لزيادة الاكتفاء الذاتي من القمح والمحاصيل الزراعية الأخرى، لتقليص الاستيراد. إلا أن هذه المراهنة، تقوم في الأساس على عوامل لا يمكن التحكم بها، وهو ما يمثل التحدي الذي سيواجهه أي قرار بخفض العملة، على اعتبار أن المواطن، خصوصاً من ذوي الدخل المحدود، سيكون الضحية أولاً واخيراً، كما أن خفض العملة لن يكون، في النهاية إلا علاجاً نقدياً لمشكلة اقتصادية .