سجلت الصادرات الاوروبية الى الاسواق الخارجية في النصف الاول من العام الحالي، اعلى نسبة نمو منذ 5 سنوات، بما يزيد عن 15 في المئة، بالمقارنة مع ما سجلته في الفترة نفسها، من العام الماضي. وينظر الى هبوط سعر صرف العملات الاوروبية، وتحديداً اليورو، على انه احد ابرز الاسباب التي ساهمت في زيادة عمليات التصدير، وهو ما بدأ ينعكس، ولو بصورة مباشرة، على مستويات النمو الاقتصادي التي حققتها غالبية دول الاتحاد الاوروبي، وتوقع تجاوزها نسبة ال3 و 5.3 في المئة، في العام 2000. ولم تقتصر فوائد هبوط اليورو والعملات الاوروبية على صادرات السلع، بل شملت ايضاً الصادرات من الخدمات إذ باتت العروض التي تقدمها الشركات البريطانية والالمانية والفرنسية على سبيل المثال ، أكثر تنافسية، في مواجهة العروض المنافسة لها، وهي عروض اميركية، وآسيوية في معظم الاحيان. ومع ذلك، فان ثمة إجماعاً على ان هبوط اليورو الى المستوى الذي بلغه منذ فترة غير قصيرة، قد بدأ ينعكس بصورة سلبية على الشركاء التجاريين لدول الاتحاد الاوروبي، وتحديداً الشركاء التجاريين العرب، خصوصاً في منطقة المغرب العربي ومصر ولبنان الى حد ان بعض الدول المعنية باتت مضطرة الى البحث عن بدائل للتخفيف من الاضرار التي تلحق بها، على الرغم من ان هذه البدائل، تبدو حتى الان، محدودة جداً، لا بل شبه معدومة. وفي هذا السياق، تبدو دول المغرب العربي الاكثر تضرراً من هبوط قيمة اليورو، نظراً لضخامة التعاملات التجارية التي تقيمها مع دول الاتحاد الاوروبي، وتشير التقديرات المتوافرة، الى ان الاسواق الاوروبية تمثل حالياً ما يزيد عن 65 في المئة من اسواق الصادرات المغربية والتونسية، من المنتجات الزراعية والصناعية، خصوصاً منتجات الالبسة الجاهزة وتتمثل الخسائر التي تعاني منها دول مثل تونس والمغرب، ليس في هبوط قيمة ايرادات التصدير بنسبة تجاوزت ال25 في المئة في ال81 شهراً الاخيرة، بل في ارتفاع اسعار المنتجات المغاربية، مقارنة باسعار المنتجات الاوروبية المماثلة، او بأسعار المنتجات المماثلة في بعض الدول الآسيوية، او الاميركية اللاتينية. ومن ابرز التحديات التي فرضها الوضع الجديد، ان دولاً مثل المغرب وتونس باتت تجد نفسها، امام واحد من خيارين احلاهما مر: اما الابقاء على الوضع الراهن، وبالتالي مواجهة النتائج التي تترتب عليه، وقد يكون اخطرها لجوء بعض المؤسسات الى الاقفال، ولجوء البعض الاخر للانتقال الى دول اخرى، او خفض قيمة العملة الوطنية لزيادة تنافسية المنتجات المصدرة، وهو ما تطالب به غالبية الشركات والمؤسسات المغربية التي بدأت تجد في السعر المرتفع نسبياً للدرهم، أحد العوائق امام مواصلة التصدير، بامكانات تنافسية كافية. الا ان الخسائر التي لحقت بالاقتصادين التونسي والمغربي، لم تقتصر على تراجع ايرادات التصدير، او حتى على تراجع حجم الصادرات، بل تجاوزتها لتشمل تحويلات مواطني دول المغرب العربي، وهي التحويلات التي شملت احد اهم مصادر العملة الصعبة، في دول المنطقة، بما في ذلك الجزائر التي تزيد تحويلات الجزائريين الى بلادهم عن الملياري دولار سنوياً، وهو رقم يماثل قيمة تحويلات المغاربة، الذين يمكن اعتبارهم، شأنهم شأن الجزائريين، أحد اهم مصادر التوظيفات الاستثمارية في دولهم. ومع ذلك، فإن الاضرار التي اصابت الشركاء التجاريين للاتحاد الاوروبي، تجاوزت بكثير الخسائر الناتجة من هبوط قيمة التحويلات، وتراجع ايرادات التصدير، وبالفعل، ينظر الى هبوط قيمة اليورو، والعملات الاوروبية الاخرى، وتالياً مخاطر تراجع امكانات السياح الاوروبيين، على انه من العوامل التي بدأت تضغط بقوة على النمو السياحي الذي يحققه عدد غير قليل من الدول العربية التي تتكل بصورة اساسية على الاسواق الاوروبية. وفي هذا السياق، تشير التقديرات الى ان السياح الاوروبيين يمثلون أكثر من 70 في المئة من اجمالي السياح الاجانب الى تونس والمغرب، فيما تقل نسبتهم عن 40 في المئة من السياح الى مصر وحوالي 25 في المئة من اجمالي زوار الاردن، وأكثر من 40 في المئة من الزوار الى لبنان. وتتمثل المشكلة في ان على الدول التي تتكل على السياحة من اوروبا الغربية، ان توفق ما بين كلفة الاقامة فيها، واسعار الخدمات التي توفرها، وهي اسعار محتسبة في غالبيتها المطلقة بالدولار الاميركي، وبين الامكانات المتوافرة لدى السائح الاوروبي على ضوء هبوط اليورو. وقبل اسابيع بادرت وزارة السياحة المصرية الى التحرك لمواجهة المشكلة عن طريق التفاهم مع الفنادق وشركات الطيران على اعتماد "توليفة سعرية" تاخذ في الاعتبار هبوط سعر صرف العملات الاوروبية تجاه الدولار، كما تأخذ في الاعتبار، من جهة ثانية، قدرة المنشآت السياحية لديها على تحمل اسعار أدنى. الى ذلك تجد شركات الطيران العربية نفسها أحدى الجهات المتضررة بصورة مباشرة من استقرار سعر اليورو عند مستوياته المنخفضة، نتيجة تراجع ايرادات مبيع تذاكراها في الاتحاد الاوروبي. وعلى سبيل المثال، فإن شركات الطيران التي يتركز نشاطها بصورة رئيسية، على خطوط اوروبا الغربية، وتحديداً على خطوط لندنباريس وامستردام وميلانو، هي الاكثر تضرراً، نظراً لأنها تبيع تذاكرها في هذه العواصم بالعملات المحلية، في حين ان معظم نفقاتها يتم بالدولار، بدءاً من نفقات الوقود، ودفع رواتب طواقم الطيران، الى قطع الغيار في غالبيتها