في ظل تصعيد غير مسبوق في اللهجة الدولية، بدأت أمس (الأربعاء) في إسطنبول جولة ثالثة من المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، في محاولة جديدة لإيجاد حل دبلوماسي للحرب المستمرة بين البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات، التي أودت بحياة الآلاف، وغيّرت ملامح الأمن الأوروبي. تأتي هذه الجولة بضغط مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي عاد إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام، وأمهل موسكو 50 يومًا للتوصل إلى اتفاق مع كييف، مهددًا بفرض عقوبات صارمة حال فشل المفاوضات. ورغم أجواء الحذر والتوتر، وصل الوفدان الروسي والأوكراني إلى إسطنبول وسط توقعات ضئيلة بإحراز تقدم فعلي، خصوصًا مع التصريحات المتشائمة من الجانبين. فقد أعلن الكرملين أن المفاوضات "ستكون صعبة للغاية"، مؤكداً أن مواقف الطرفين لا تزال "متعارضة تماماً"، وفق تعبير المتحدث باسم الرئاسة دميتري بيسكوف. الجانب الروسي، الذي لا يزال متمسكًا بمطالبه منذ بدء الحرب، يشترط انسحاب القوات الأوكرانية من أربع مناطق ضمّتها موسكو عام 2022، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، ويرفض أي دعم عسكري غربي لأوكرانيا أو انضمامها للناتو. في المقابل، ترفض كييف هذه الشروط بشكل قاطع، وتطالب بانسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية، وضمانات أمنية أوروبية؛ تشمل استمرار إمدادات الأسلحة، ونشر قوات دولية لحمايتها من أي هجوم مستقبلي. واختارت الأطراف تركيا كمكان محايد لاحتضان الجولة الجديدة، بعد فشل جولتين سابقتين في مايو ويونيو، لم تحقق أي اختراق سوى في ملف تبادل الأسرى وإعادة جثث الجنود. ومع ذلك، تبقى أنقرة حريصة على لعب دور محوري في الملف، مدفوعة بعلاقاتها الثنائية القوية مع كل من موسكو وكييف. أما واشنطن، فقد كثفت من تحركاتها خلال الأسابيع الماضية، حيث أعلن ترامب دعمه لاستئناف تسليح كييف بالتعاون مع الناتو، بالتزامن مع تحذيره لبوتين من تبعات الفشل في المفاوضات، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا ضمنيًا يهدف إلى كسر الجمود. من جانبه، أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن أمله في التمهيد لعقد لقاء مباشر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، "لإنهاء الحرب فعلياً"، بحسب تعبيره. كما كشف عن تشكيلة الوفد الأوكراني الذي يقوده وزير الدفاع السابق روستم أوميروف، المعروف بقدرته على المناورة الدبلوماسية، ويضم ممثلين عن الاستخبارات والدبلوماسية والرئاسة. زيلينسكي شدد أيضاً على ضرورة التباحث بشأن تبادل الأسرى وإعادة الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا قسرًا إلى روسيا، وهي قضايا إنسانية حساسة ما تزال عالقة. وتُعقد محادثات إسطنبول وسط ضغوط متزايدة، ومواقف متشددة، وغموض يكتنف مآلات الحرب الأطول في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ورغم أن الإرهاصات لا تبشر بانفراجة وشيكة، إلا أن مجرد جلوس الطرفين على طاولة التفاوض مرة أخرى، ولو بضغط خارجي، قد يحمل بارقة أمل في أفق السلام، وإن كانت ضئيلة ومؤجلة.