(النقد) هو فحص فكرة أو موقف أو أداء؛ بهدف التقويم والتصحيح، مع الاستناد إلى معايير واضحة ومنطق وحج، و(التناقد) هو ادّعاء ممارسة النقد، بينما هو في حقيقته انتقائية، أو تصفية حسابات، أو رد فعل دفاعي، وغالبًا يكون مُسيّسًا أو مُشخصنًا، وأما (التناقض) هو وجود تعارض بين موقفين، أو قولين أو سلوكين للشخص نفسه، دون مبرر منطقي أو تطور معرفي واضح ، والصراحة لا يمكن الادعاء بأن بينهم شعرة؛ لأن الحقيقة أنه هناك فرق واضح بينهم، ولا يمكن ادعاء وجود منطقة رمادية بينهم . في المشهد الرياضي لم يعد (التناقد) و(التناقض) سلوكًا عابرًا يمكن تجاوزه، بل تحوّل إلى مادة مكشوفة وسريعة التداول، خصوصًا في زمن المنصات المفتوحة، التي لا تنسى ولا تغفر بسهولة ، وعندما يأتي إعلامي ليقول رأيه منتقداً موقفاً ما، ثم يعود بعد فترة بسيطة ليقع في فخ الممارسة ذاتها التي كان يرفضها، فإننا لا نكون أمام نقد بقدر ما نحن أمام تناقض صريح يضعف أي خطاب لاحق مهما بدا منمقًا. إن النقد في جوهره فعل صحي، بل ضرورة لتطور الرياضة والإعلام معًا، لكنه يفقد قيمته حين يصبح انتقائيًا، يُمارَس على الآخرين ويُستثنى منه صاحبه أو دائرته، وهنا لا يعود النقد أداة إصلاح، بل يتحول إلى وسيلة لتصفية الحسابات، أو تعزيز الاصطفاف والأخطر من ذلك أن صاحب هذا الخطاب غالبًا ما يطالب الجمهور بتفهم رأيه"المهني"، في الوقت الذي يرفض فيه أي مساءلة؛ لسلوكه السابق أو مواقفه المتناقضة. المفارقة الساخرة أن بعض الأصوات، التي ترفع اليوم شعار الحياد والموضوعية، سبق أن تركت خلفها أثرًا رقميًا مليئًا بالتعصب والانحياز ومع أن الزمن تغيّر، إلا أن المحتوى لا يختفي فالجمهور- بخلاف ما يعتقده البعض- لا يعاني من ذاكرة الذبابة. نعم قد يتسامح، وقد يصمت، لكنه لا ينسى وعندما تتكشف التناقضات، لا يكون الغضب موجّهًا؛ بسبب رأي رياضي بحد ذاته، بل بسبب ازدواجية المعايير، ومحاولة إعادة كتابة الصورة الذهنية دون اعتراف أو مراجعة. (النقد) موقف، و(التناقد) سلوك، و(التناقض) حالة؛ لذلك نرى أن الاعلام لدينا غير قادر، أو متقبل على نقد الذات أو تقبله من أقرانه وفي النهاية، لا يحاسب الجمهور على تغيّر الآراء، بل على تغيّر المبادئ .