لا يمكن الحديث عن جودة التعليم دون التوقف عند النبض الحقيقي والوهج العلمي ألا وهو المعلم الذي أصبح محاصرًا بين الضغط الوظيفي وفقدان الحوافز وبين كثافة المناهج وأساليب تدريسها، وضغط التقارير والمساءلة وسلب الصلاحيات، هذا الواقع ينعكس سلبًا على المعنويات الداخلية للمعلم، فيتحول من صانع معرفة ومربي إلى منفذ تعليمات وتوجيهات، وهي في حد ذاتها قد تحد من قدراته وبذله العطاء المتكامل. إعادة الاعتبار لمكانة المعلم ومنحه الثقة والصلاحيات التربوية لهي الأساس الحقيقي في الإصلاح التعليمي، إن التقييم العام في المراحل الأولية والاختبارات في كثير من الأحيان أداة لرفع نسب النجاح لا لقياس الفهم الحقيقي للطالب، فغياب الرسوب، أو التعامل معه كفشل تربوي ومن ثم إداري أفرغ التقييم من معناه الصحيح، وحوّل الطالب إلى متلقٍ مؤقت للمعلومة، سرعان ما يتخلى عنها بعد الاختبار. الدور التقني والذكاء الاصطناعي في التعليم في غاية الأهمية مع التحول العالمي نحو الذكاء الاصطناعي، لم يعد مقبولًا أن تبقى المدرسة بمنأى عن هذا التغيير، ويجب أن يكون هذا التحول مدروسًا يخدم المعلم ولا يلغي دوره، ويعزز الفهم لا الاتكالية والربط بين التعليم ومتطلبات سوق العمل المستقبلية، فالتقنية ليست ترفًا تعليميًا، بل أداة ضرورية لتخصيص التعليم، ومراعاة الفروق الفردية، وتحفيز الطالب على التعلم الذاتي. ما زالت المدرسة تركز على الحفظ والاستظهار أكثر من تركيزها على مهارات القرن الحادي والعشرين، حل المشكلات، العمل الجماعي، التفكير التحليلي، والمرونة المعرفية، في زمن يتغير فيه سوق العمل بوتيرة متسارعة، وهذا يعزز التكافؤ بين طلاب التعليم الحكومي والتعليم الخاص، فالأدوات ليست نفسها التي يحصل عليها نظيره في التعليم الخاص، سواء في تنمية المهارات اللغوية، أو التفكير النقدي، أو التدريب على الاختبارات المعيارية. هذا الخلل لا يظهر داخل أسوار المدرسة فقط، بل يتجلى بوضوح عند مفترق الطرق في القبول الجامعي، حيث تتحول الدرجات المرتفعة إلى أرقام غير كافية أمام معايير أخرى لم يُهيأ لها طالب التعليم العام بصورة أكثر فاعلية، إن الحاجة إلى رؤية وطنية شاملة للتعليم، بعد مرور أكثر من عقد ونصف على تطبيق بعض السياسات التعليمية، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة لا تقتصر على تعديل المناهج، بل تمتد إلى فلسفة التعليم نفسها. ماذا نريد من الطالب؟ وما نوع الإنسان الذي نعدّه للمستقبل؟، فنجاح التعليم لا يقاس بعدد المتفوقين شكليًا، بل بقدرة الخريج على التفكير، والمنافسة، والإسهام في بناء المجتمع. إصلاح التعليم لا يتحقق بإجراءات جزئية أو قرارات إدارية، بل يحتاج إلى شجاعة في التقييم، وصدق في الاعتراف بالخلل، وإرادة حقيقية للتغيير، فالتعليم هو الاستثمار الأهم، وأي خلل فيه ينعكس على الأجيال القادمة، وعلى الوطن بأكمله.. دمت عزًا يا وطني.