سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير عام فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة ويتسلم تقرير عن الحالة المطرية    الوسطية والاعتدال أبرز قضايا مؤتمر "تعزيز قيم الانتماء الوطني والتعايش السلمي"    مطار الملك خالد الدولي يستقبل أولى رحلات خطوط شرق الصين الجوية القادمة من شنغهاي    المملكة تجدد دعوتها للسودانيين للالتزام بمخرجات محادثة جدة    الاتحاد ضد الهلال.. تاريخية "الزعيم" تهدد عنفوان "العميد"    الإجتماع السنوي لمجموعة البنك الإسلامي لرؤية ٢٠٣٠    "تاسي" يتراجع بأدنى تداولات منذ شهرين    ولي العهد وأمير الكويت يستعرضان أوجه العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزيرة خارجية المكسيك    ولي العهد يلتقي رئيس مجلس الوزراء العراقي    الاتفاق يفتح ملف الفيحاء    حتى لا نفقد هيبة الأخضر في آسيا    قائد الجيش الأوكراني يحذر من الضغط على الخطوط الأمامية    حفلات فنان العرب مؤجله حتى إشعار آخر    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    الرياض تستضيف مباحثات عربية إسلامية أوروبية حول غزة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية النرويج    منتدى الرعاية الصحية السعودي الأمريكي يحتفي بالابتكار والتعاون في تكنولوجيا الرعاية الصحية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    أشباح رقمية    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    «وقاء نجران» يبدأ حملة التحصين ل246 ألف رأس ماشية ضد مرض الحمى القلاعية    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    وكيل محافظة الزلفي يدشّن فعاليات أسبوع البيئة    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    270 دقيقة.. ويهتف «الشقردية»: نحن الأبطال    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    انطلاق بطولة الروبوت العربية    تجربة سعودية نوعية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ايران وروسيا في مواجهة الرياح الأفغانية ... وباكستان . طالبان : نهاية حرب أم بداية حروب ؟
نشر في الحياة يوم 24 - 08 - 1998

حققت حركة "طالبان" انتصاراً ساحقاً على خصومها. ومنيت ايران بهزيمة مرة على المسرح الأفغاني. بدت باكستان الرابح الكبير وسجلت نجاحاً إقليمياً جاء بعد دخولها النادي النووي. وأثارت التطورات قلق روسيا التي لم تخف مخاوفها من مخاطر تسلل الرياح الأفغانية الى الجمهوريات الآسيوية التي كانت منضوية في الاتحاد السوفياتي السابق. ربما لهذا السبب وجد المراقبون أنفسهم أمام سؤال: هل هي نهاية حرب أم بداية حروب؟
تصاعدت اللهجة سريعاً على خط التماس بين ايران و"طالبان". فقد تحدث مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي عن "حقارة" المنتصرين الجدد في أفغانستان، وقال إن بلاده لن تتساهل مطلقاً. وسارع أكثر من مسؤول ايراني الى تحذير "طالبان" من اللعب بالنار. وردت "طالبان" مهددة ب "سحق" ايران. وقالت: "إننا نبلغ ايران ألا تتكرم بإشعال فتيل الحرب في أفغانستان، وإذا ما فعلت فإنها ستحرق أيضاً بنيرانها".
يصعب على إيران التسليم بما جرى عند حدودها. ويصعب على باكستان القبول بانتصار ايراني على "طالبان". وأي نزاع مذهبي هناك يمكن أن يترك صداه داخل باكستان نفسها. هكذا بدت المنطقة في مرحلة إعداد الأوراق والتحالفات استعداداً لكبح الرياح الأفغانية وتزايد الدور الباكستاني ... والهند ليست بعيدة عن مخاوف طهران وموسكو.
لم يمض اكثر من اسبوع على الانتصارات التي حققتها حركة "طالبان" على معارضيها في انحاء مختلفة من افغانستان، حتى بات السؤال المطروح في الصالونات السياسية في اسلام آباد وكراتشي: هل يمكن للحركة التي تُتهم باكستان بدعمها مادياً وعسكرياً ان تتطلع الى مد نفوذها الى البلد المجاور نفسه الذي اعتبرت مدارسه الدينية ومخيمات النازحين الافغان فيه المستودع البشري الذي يزود "طالبان" المقاتلين؟
وزادت السؤال الحاحاً الانباء التي ذكرت ان اجهزة الامن الباكستانية اكتشفت معسكرات تدريب سرية لمتطوعين باكستانيين تشرف عليها "طالبان"، وقيام الحركة التي باتت تسيطر على اكثر من 85 في المئة من اراضي افغانستان بشق طريق طولها 8 كيلومترات داخل الاراضي الباكستانية تصل منطقة جاراو بكوداكهيل في قطاع "وكالة محمد" الذي تدعي افغانستان منذ فترة طويلة انه تابع لها. وعلى رغم حرص المسؤولين الباكستانيين في بيشاور على عدم التعليق على هذه الانباء، فان المعلومات تؤكد ان اجتماعات عقدت بين ممثلي "طالبان" وزعماء قبائل المنطقة في السابع من آب اغسطس الجاري، اسفرت عن اتفاق على ربط هذه المناطق بافغانستان عبر طريق معبد. وأكد ممثل طالبان في هذه الاجتماعات مولوي رفيقي ان هذه الاراضي "ملك لافغانستان" اضافة الى مناطق اخرى تسكنها قبيلة علام كيلي كوهكيازي على مقربة من المنطقة التي عبدت فيها الطريق المشار اليها.
ومن يعود الى الوراء اربع سنوات ليراجع تطورات الوضع في افغانستان يشعر بالذهول بسبب النفوذ الذي تتمتع به الحركة، وقدرتها على تحطيم منافسيها سواء اكانوا من انصار القائد الاوزبكي الجنرال عبدالرشيد دوستم، او الطاجيكي احمد شاه مسعود، بتضييق الخناق على حزب الوحدة الشيعي، بعد فرض سيطرتها المطلقة على المناطق التي تسكنها الغالبية البشتونية. وتصر الحركة التي نجحت في السيطرة على العاصمة كابول منذ نحو عامين على عدم تقديم تنازلات لمن تصفهم بأنهم "امراء الحرب" في افغانستان، سواء خلال الاجتماعات التي رعتها الامم المتحدة في باكستان او اللجان المشتركة التي حاولت اسلام آباد وطهران اقامتها.
يقول قادة "طالبان"، وفي مقدمهم الملا محمد عمر الزعيم الروحي للحركة، ان الحركة لن تتعامل مع "امراء الحرب"، وان كانت تقر بأن مشاركة جميع الاعراق والاقليات في حكم البلاد أمر مهم لتعزيز الامن والاستقرار. ويضيف ان الحركة عملت منذ ان باتت تتمتع بنفوذ قوي على الارض على تطبيق هذا النهج، الامر الذي شجع قادة محليين ينتمون الى فصائل المعارضة على الانتقال الى صفوف "طالبان"، او تسهيل دخول قوات الحركة مناطق نفوذ معارضيها من دون معارك تذكر، وهو ما حصل في كابول ومزار الشريف وطالقان وبول خومري.
ومن يتحدث الى قادة طالبان داخل افغانستان او من يزور باكستان منهم يشعر بأنهم يتمتعون بثقة كبيرة في احراز النصر الكامل في فترة وجيزة. وقال احد هؤلاء القادة الذين تحدثت اليهم "الوسط" مازحاً: "ان العتاد العسكري الذي صادرته الحركة من خصومها في الشمال الافغاني قادر على مساعدة "طالبان" حتى على تحدي موسكو وغيرها من العواصم التي تفكر باللعب بالنار". وأشار القائد الى ان الحركة استولت قبل نحو اسبوعين على اكثر من 110 صواريخ سكود مع منصات لاطلاقها كانت مخبأة في قاعدة سرية في مزار الشريف.
وذكر خبراء ان الصواريخ الروسية المتطورة الصنع التي غنمتها "طالبان" تشمل طراز سكود "أ" وسكود "ب" ويراوح مداهما بين 80 و270 كيلومتراً، كما تمكن زيادة مداهما بعد اجراء بعض التحسينات على قدرتهما الاندفاعية.
وقال مراقبون في العاصمة الافغانية ان حركة "طالبان" تمتعت في الاسابيع الماضية بقدرة كبيرة على الحركة، ورأوا انها كانت عاملاً فعالاً وسريعاً في الانتصارات التي حققتها الحركة، اذ استعانت بالدبابات والمدافع المنقولة على العربات التي صادرتها من قوات الجنرال دوستم، اضافة الى ان المتطوعين الذين يصلون من المدارس الدينية في باكستان ومخيمات اللاجئين الافغان هناك ويزيد عددهم على مليون نسمة يتدفقون بمعدل ألفي متطوع يومياً. وساهم هؤلاء في مساعدتها على فرض سيطرتها على المناطق التي كان يسيطر عليها خصومها، وسمحت لقواتها المدربة بمواصلة تقدمها باتجاه بضع مقاطعات لا تزال قوات القائد الطاجيكي احمد شاه مسعود وحزب الوحدة الشيعي تتحصن داخلها وسط البلاد وغربها. ويعترف المناوئون لطالبان بأن قدرتهم على استعادة زمام المبادرة في افغانستان بات ميؤوساً منها، ويعزون ذلك الى حجم المساعدة العسكرية التي تتلقاها طالبان من باكستان، الامر الذي دفع رئيس الحكومة الافغانية المخلوعة برهان الدين رباني للاعلان عن ان لديه من الوثائق ما يثبت تورط اسلام آباد في القتال الى جانب "طالبان".
اقتحام بلا عناء
ولا تقتصر الخسارة في افغانستان على "امراء الحرب" السابقين، بل تتعداها الى قادة محليين لمعوا في القتال ضد الغزو الروسي ومنهم مولوي نقيب الله وسار كتيب وأمير لالاي ونجل آغافي في مقاطعة قندهار، وغفار اخوندزاده وعبدالرحمن في هلمند، وقاري بابا في غزاني، وتوران آمان الله وزداد خان في وردوك.
ويشير مراقبون آخرون للوضع الافغاني الى ان "طالبان" ستتعرض للمساءلة في وقت قريب من الشعب الافغاني في شأن الشعارات التي رفعتها ووعدت بها كالقول انها ستقوم بجمع السلاح من السكان المدنيين واحلال السلام وفتح الطرقات وفرض الشريعة الاسلامية ومكافحة الجريمة. وساهم تحقق الافغان من وفاء الحركة بما وعدت به، كرفع الحواجز من الطرقات وانخفاض نسبة الجريمة والسرقات والتعديات، في رفع اسهمها، واقناع بعض القادة المحليين من التنظيمات المعارضة لها في تغيير ولاءاتهم انصياعاً لرغبة السكان الذين ملّوا تناحر الفصائل المختلفة. الامر الذي سهل لپ"طالبان" اجتياح مزار الشريف وغيره من دون عناء".
ويذكر بعض العناصر المتعاطفة مع التحالف المناهض ل "طالبان" انه لم يكن متيناً، اذ ان الجنرال دوستم لم يكن مرتاحاً لتحالف رفاقه احمد شاه مسعود وبرهان الدين رباني وحكمتيار وحزب الوحدة الشيعي الذي يقوده مسعود خليلي مع ايران وموسكو. ويرى هؤلاء ان الجنرال دوستم كان اكثر سعياً الى تفاهم مع انقرة واسلام آباد وحتى واشنطن، الامر الذي تسبب في اشتباكات محدودة بين مؤيدي الطرفين ساهم لحظة مهاجمة "طالبان" مزار الشريف في سقوطه. وعلى عكس التنظيمات الاسلامية التي نشطت في افغانستان في العقدين الماضيين، فان حركة "طالبان" التي انطلقت من رحم المدارس الدينية في افغانستان وباكستان ومن قلب التنظيمات الافغانية المختلفة، لا تتمتع بصلات مع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين وقادته.
وليس من قبيل المبالغة ان حركة "طالبان" تكاد تكون معزولة تماماً على الصعيد الدولي باستثناء علاقة بعض رموزها بأفراد في العالم العربي او الاسلامي - وإن كانت النجاحات العسكرية التي حققتها الحركة هيأت الاجواء لانفتاح عربي واسلامي حيالها. وتعتبر باكستان التي يشعر مسؤولوها بالارتياح الى ما حققته "طالبان" من انتصارات في الآونة الاخيرة البلد الذي يتلقى الانتقادات لدعمه الحركة المتشددة في افغانستان، ولا تحظى تصريحات النفي التي يطلقها المسؤولون الباكستانيون بآذن صاغية في العواصم الاقليمية المجاورة لافغانستان، او حتى العواصم الغربية، خصوصاً واشنطن، وهي الدول التي تتهم اسلام آباد بدعم "طالبان" ورعايتها لتأمين حركة تجارة "الترانزيت" بين جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً التي تعبر اراضي افغانستان.
ويشاع بوجه عام ان الجنرال نصرالله بابار وزير داخلية باكستان اثناء حكم رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو يقف وراء بروز "طالبان" وان كان بعض المراقبين يرى ان هذا الاتهام لبابار "مبالغ فيه الى حدّ كبير" على رغم ان مساعدة حركة "طالبان" في تحرير قافلة احتجزت على ايدي مجموعة من المجاهدين المناوئين لها في منطقة قندهار في العام 1995 كان وراء الاعتقاد بسعي باكستان الى توسيع نطاق سيطرة حلفاء لها في كل ارجاء افغانستان.
وزاد الشكوك حول توجهات باكستان بعد عام من انطلاقة "طالبان" نجاح الحركة السريع في اقصاء حكمتيار وانصاره من مناطق غارسياب وغازين ووردوك على رغم ان اسلام آباد سخرت من الاتهامات المذكورة وتحدت مطلقيها ان يقدموا أدلة تعضد اتهاماتهم. وقال مولوي وكيل احمد متوكل احد ابرز قادة "طالبان" ل "الوسط": "ان ايماننا المطلق بالله سبحاته وتعالى يجعلنا نثق دائماً بأن النصر حليفنا".
ويذكر مسؤول افغاني في فصيل محايد في الصراع بين "طالبان" ومعارضيها ان فنون القتال التي يجيدها مقاتلو "طالبان" متواضعة، وان كان نفر منهم تدربوا على مختلف انواع الاسلحة في تنظيمات التحقوا بها في اوقات سابقة.
ويتهم قائد عسكري في "طالبان" المعارضة بأنها اعتمدت في معاركها ليس على المقاتل الافغاني وشجاعته، بل على الاسلحة المتطورة التي تحصل عليها من دول وجهات مختلفة، ويشير الى ان قوات المعارضة أضرّت بالمدنيين الابرياء لاطلاقها الصواريخ والقذائف بشكل عشوائي بينما كانت قوات "طالبان" عندما تستهدف موقعاً تتقدم نحوه بموجات من المقاتلين، الواحدة تلو الاخرى الى ان يسقط الموقع ويفرّ او يستسلم المدافعون عنه.
والظاهر حتى الآن ان مثل هذه الاساليب القتالية اسفرت عن نتائج ايجابية واذا كانت الحركة تكبدت في السابق خسائر بشرية فادحة في صفوفها، فإن ايمان مقاتليها بالمبادئ التي يحاربون من اجلها تجعلهم يتفوقون على خصومهم الذين يتقاضون رواتب شهرية ووعوداً بالحصول على غنائم.
ولا يقتصر القلق من انتصارات "طالبان" على إيران وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان. وذكر ديبلوماسي غربي ل "الوسط" في إسلام آباد أن سقوط مزار الشريف ومعظم الشمال الأفغاني في قبضة "طالبان" زاد مخاوف نيودلهي التي سارعت إلى ارسال إشارات إلى طهران في هذا الصدد.
ومع ان المسؤولين الهنود يعترفون بصعوبة دعم المعارضة إلى درجة تصبح فيها قادرة على استرجاع أي من المواقع التي فقدتها، فأن حقيقة مخاوفهم تتركز على ان هذه الانتصارات تساعد على تصعيد النزاع في كشمير وتزيد انتشار التعصب الديني، إضافة إلى أن الهند خسرت بسيطرة "طالبان" على أفغانستان، حليفاً لها حتى عهد الرئيس نجيب الله وسيطرة التحالف الشمالي المناهض ل "طالبان"، وان من شأن هذا التحول أن يؤدي إلى الاخلال بتوازن القوى في المنطقة بعد نجاح "طالبان" في فرض قانونها.
ويدعو المسؤولون الهنود إلى القيام بكل جهد للحؤول دون تحول أفغانستان قوة مناهضة للهند، والتشاور مع قوى دولية لاستيعاب هذه التطورات والتقليل من المخاطر الناتجة منها. ولمح المسؤولون الهنود إلى أنه منذ انسحاب السوفيات من افغانستان قبل عشر سنوات لم تنجح قوة بمفردها في فرض سيطرتها على معظم أنحاء افغانستان، الأمر الذي يسبب القلق لدول المنطقة باستثناء باكستان.
وتتهم الدوائر الهندية باكستان بأنها ستسعى من الآن فصاعداً إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الأول، محاولة الالتفاف على الهند والوصول إلى عمقها الاستراتيجي من خلال افغانستان. والثاني، انهاء التوتر التاريخي الذي ميّز علاقات إسلام آباد بكابول. والثالث، سهولة وصول باكستان إلى عمق جمهوريات آسيا الوسطى. وتقول مصادر باكستانية إنه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تسعى إسلام آباد إلى دور مميز لدى جمهوريات آسيا الوسطى، وبشكل خاص لتصدير النفط والغاز من حقول هذه الدول عبر افغانستان إلى الموانئ الباكستانية ومنها إلى خارج شبه القارة الهندية.
ويذكر المراقبون أن شركة النفط الأميركية "يونوكول" حاولت مراراً في السابق بناء أنابيب للنفط والغاز عبر أفغانستان، لكن ذلك كان يفشل لعدم وجود جهة واحدة تسيطر بمفردها على أفغانستان.
ويذكر المسؤولون الباكستانيون ان حرصهم على وحدة أفغانستان ينبع من ان حصول أي تقسيم لها سينعكس سلباً على بلادهم، خصوصاً عند حدودها الغربية حيث غالبية السكان على الجانبين من الحدود من البشتون، كما سيشجع البلوش على المطالبة بالانفصال.
ويشير ديبلوماسيون باكستانيون إلى أن بلادهم لم ترغب يوماً في التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان حتى في ايام حكم الشيوعيين هناك. ويبدي هؤلاء حرصاً كبيراً على علاقة جيدة مع طهران على رغم التوتر الذي شابها بسبب ما وصفته طهران بدعم إسلام آباد ل "طالبان" وتحميلها مسؤولية احتجاز الديبلوماسيين الإيرانيين الذين اختفوا من مدينة مزار الشريف بعد سقوطها في يد "طالبان" قبل نحو ثلاثة أسابيع
المعاهد التي انطلقت منها "طالبان"
كانت حكومة بنازير بوتو قبل سقوطها في آذار مارس 1997 أول جهة استشعرت الخطر الذي تشكله المدارس الدينية المنتشرة في باكستان على النظام السياسي في البلاد، فسعت إلى تنظيم عملها للحيلولة دون نجاح هذه المدارس في تغيير النسيج الجغرافي والاجتماعي للمجتمع الباكستاني، خصوصاً بعد أن رأت في هذه المدارس سبباً رئيسياً لتصعيد العنف المذهبي والطائفي الذي تشهده البلاد وفشلت الحكومات المتعاقبة في وضع حد لها. ولم تنجح اللجان التي شكلت من علماء ينتمون إلى مختلف الطوائف في وضع سياسة فاعلة للحد من المواجهة التي عجزت الشرطة الباكستانية عن وقفها، أو الحيلولة دون استفحالها. ولم تنجح القوانين في منع عمليات التمويل لهذه المعاهد، ولا في منع التدريب العسكري لطلابها. ولأن إسلام آباد هدفت أصلاً إلى تغيير اسلوب عمل هذه المدارس، فقد وصفت الأحزاب الدينية المعتدلة والمتحالفة مع حكومة بنازير بوتو تلك الخطوة بأنها محاولة من الحكومة لتدمير المعاهد الدينية. وهددت بتطويق مبنى البرلمان بالآلاف من طلاب تلك المعاهد. وقال مولانا إسماعيل الحق: "إن الإسلام يحض على التدريب العسكري".
وكانت هذه المدارس الدينية قد انشئت قبل قرون عدة. وهي تفرض على طلابها حياة قاسية ومتواضعة. وتعتبر مدرسة ميري شاه التي تبعد حوالي 60 كيلومتراً شمال مدينة صديق آباد، على الحدود بين مقاطعتي البنجاب والسند، نموذجاً لتلك المعاهد. وقد انشئت العام 1941. ويحيطها سياج يبلغ ارتفاعه 15 متراً، محمي بأسلاك موصلة بالتيار الكهربائي، ولذلك يخشى السكان المحليون الاقتراب منه.
ويقول أحد المطلعين على أوضاع هذه المعاهد الدينية إن ميري شاه تضم 400 طالب ينتمون إلى قبائل بلوشستان والمقاطعة الشمالية الغربية. وهم جميعاً من أبناء الطبقات الفقيرة والأيتام أو أبناء الزيجات التي انهارت. ويعطى الطلاب اجازة سنوية لمدة شهر، ويتعرض الطلبة الذين يحاولون الهروب لعقوبة شديدة. وفي شباط فبراير 1994 هرب صبي يدعى نصرالله مأمون 12 عاماً من المدرسة، ولجأ إلى مخفر شرطة خيربور، وأبلغ الضابط المناوب بأن 6 من رفاقه مقيدون بالسلاسل الموصولة بشباك أحد الصفوف، وذكر اسماءهم. وعندما دهمت الشرطة المدرسة، فكت قيد الطلاب واعتقلت صاحب المدرسة، وصادرت من سكنه سلاحاً غير مرخص وكمية من الذخيرة.
وتتناقل المجتمعات الباكستانية حكايات مثيرة عما يحصل داخل هذه المدارس التي يعود الفضل إليها في انطلاق الآلاف من مقاتلي "طالبان" من صفوفها. ويقول مسؤول أحد مراكز التطوع في بيشاور إن الأيام الأخيرة سجلت استعداد آلاف من طلبتها للالتحاق ب "طالبان" داخل أفغانستان. وما تخشاه الدوائر الباكستانية الرسمية هو ان وحدة الحال بين الطلاب الأفغان والباكستانيين تجعل من السهل على طلبة المدارس الدينية القيام بأي عمل يعتقدون بأنه حاسم وضروري لتطبيق الشريعة، وبالتالي فإن ثمة خوفاً من أن تطمح حركة "طالبان" بعد أن اشتد عودها وسيطرت على معظم أنحاء أفغانستان، إلى مد نفوذها إلى باكستان ومساعدة الحركات الإسلامية النشطة داخلها، أو حتى تجاوزها لفرض ارائها الدينية ونهجها في الحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.