عندما قدّم الصحافي نبيل ملحم كلاً من وليد صادق وصالح طريف وطلب الصانع الى جمهور التلفزيون الرسمي السوري المتابع لبرنامجه الاسبوعي "الملف"، لم يشر الى انهم اعضاء في الكنيست الاسرائيلية ولا الى ان طريف درزي ممثل حزب "العمل" في الكنيست هو ضابط احتياط في الجيش الاسرائيلي كما ان ملحم لم يقدم أياً منهم على انه من مواطني الدولة العبرية او من "عرب اسرائيل" بل اكتفى بتقديمهم بوصفهم "شخصيات فلسطينية" او من ال 1948". ومع ذلك فان "الحوار" دخل في عمق السياسة الداخلية الاسرائيلية والدور الذي يلعبه عرب اسرائيل باعتبارهم يشكلون نحو 18 في المئة من عدد سكان اسرائيل وبالتالي زيادة "الوعي" لديهم عبر المشاركة في الاقتراع. اذ قال الصانع وهو عضو الكنيست عن "الحزب العربي الديموقراطي" ان نسبة المقترعين ارتفعت من 69 في المئة في انتخابات العام 1992 الى 73 في المئة في انتخابات ايار مايو الماضي، مشيراً الى ان 95 في المئة من العرب استخدم "الحق في التصويت" في انتخابات 1996. وفي "الملف" تابع صادق حركة "ميريتس" وطريف والصانع "التحليل من الداخل" متحدثين باسهاب عن الدور الذي لعبوه ويلعبونه في "العملية الديموقراطية الاسرائيلية" مع اسهاب اقل في حديثهم عن الدور الذي يقومون به داخل الكنيست بما في ذلك الحديث عن معارضتهم قرار "تحصين الجولان" الذي اقرته الكنيست في القراءة الأولى واشترط توفير ثلثي الاعضاء 80 من 120 عضواً لتعديل قرار 1981 القاضي بضم الجولان. وقبل ان يتوجه الثلاثة الى استوديو التسجيل عقدوا اجتماعاً في "اتحاد الكتاب العرب" وحصلوا مع الأعضاء الاربعين في الوفد الذي زار دمشق الأسبوع الثاني من آب اغسطس على مجموعة كتب هدية، كان بينها كتاب لرئيس الاتحاد الدكتور علي عقلة عرسان يتحدث عن "مواجهة التطبيع" العربي - الاسرائيلي. كما ان الوفد الذي رأسه السيد ابراهيم نمر حسين رئيس بلدية شفا عمر، التقى ايضاً الرئيس حافظ الأسد ووزير الخارجية السيد فاروق الشرع الذي طلب من اعضاء الكنيست تشكيل "كتلة موحدة لاجل السلام" واقامة "جبهة عربية للسلام" في اسرائيل، استطراداً، فان الوزير الشرع لم يعلن رفض بلاده استضافة وفد من اليسار الاسرائيلي الممثل في "ميريتس" وزعيم الحزب يوسي ساريد، بل ان جوابه على اقتراح وليد صادق كان ان هذا الأمر يختلف عن التطبيع "ولا بد من بحث الآلية والزمان والمكان" الذي يمكن ان يحصل فيه لقاء بين سوريين واليسار الاسرائيلي. لكن لا يمكن فهم ذلك بشكل منسجم مع رفض التطبيع والاشارة التي ارسلت عبر كتاب عرسان المقدم الى الوفد. جبهة غير معلنة في هذا الاطار يمكن وضع الزيارة التي وصفها البعض بأنها "تاريخية" اي ان سورية ارادت توجيه رسالة سياسية الى الاسرائيليين مفادها: "اننا نريد السلام وهو خيار استراتيجي والأولوية الأولى هي لاستعادة الاراضي المحتلة ولسنا في صدد الاعداد للحرب" وذلك تحت غطاء تقوية العلاقة مع عرب 1948، لكن الغطاء الأهم كان اعلان "جبهة غير معلنة" لمحاصرة رئيس تكتل ليكود بنيامين نتانياهو وحكومته اليمينية، مع تمسك دمشق بان لا يصل هذا "الاعلان" او التعامل مع "عرب اسرائيل" او "جبهة السلام" الى حدود التطبيع. وعليه، يمكن تحديد فوز نتانياهو في الانتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة المتشددة، تأريخاً لاختلاف مضمون الخطاب الاعلامي - السياسي السوري، كما هو الحال بالنسبة الى دخول سورية في مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية وحضور الوزير الشرع مؤتمر مدريد في تشرين الأول اكتوبر 1991. وبين التأريخين انتقل هذا الخطاب من "التهيئة المبرمجة والمتدرجة جداً" الى احتمال قيام سلام مع اسرائيل الى "التشدد" ضد اسرائيل اوتحديداً ضد فئة منتقاة من الاسرائيليين. ومع ان الخطاب السياسي الرسمي السوري لم يصل في اي مرحلة من مراحله ولا حتى في اوج التطبيع العربي - الاسرائيلي، الى مستوى "التطبيع الشعبي الكامل" فان الحكومة بدأت عملياً في تمهيد الطريق بعد فوز حزب العمل في انتخابات العام 1992، لكن العملية كانت تتم على الطريقة السورية وليس على الطريقة الأردنية ولا حتى المصرية. وكانت وسائل الاعلام الرسمية اقلعت عن استخدام عبارات "الامبريالية العالمية" و"الرجعية العربية" مع سقوط الكتلة الشرقية ثم وقوف سورية الى جانب قوات التحالف الدولي لاخراج العراق من الكويت وقبول مبادرة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لتسوية الصراع العربي - الاسرائيلي وفق مبدأ "الأرض مقابل السلام" والقرارات 242 و338 و425. واعتماد الخطاب السياسي - الاعلامي عبارات معتدلة كان مؤشراً من مؤشرات دخول "النظام العالمي الجديد" رغم الرفض العلني لهذا المصطلح، لكن الحذر بقي مستمراً ازاء التعامل مع اسرائيل الى ان دخلت سورية المفاوضات في العام 1991، فلم تعد وسائل الاعلام تستخدم عبارات "الكيان الصهيوني" و"العصابات الصهيونية" و"فلسطينالمحتلة" اراضي ال 1948 كما انها اطلقت بحذر سراح كلمة "اسرائيل" من المزدوجين اللذين كانا يلازمانها وصارت كلمة اسرائيل تكتب من دونهما. لكن الحيطة بقيت قائمة في طريقة التعامل مع الشخصيات الاسرائيلية متمثلة في عدم تقديمها بشكل ايجابي الى الجمهور السوري. اي ان التلفزيون الرسمي انتقل من بث الصور السلبية للمسؤولين الاسرائيليين الى التوقف عن البث والافادة من تقنية "مونتاج" كما حصل في افتتاح مؤتمر مدريد للسلام عندما قُصّت اللقطات التي كان رئيس الوزراء الاسبق السابق اسحق شامير، يظهر فيها فثبتت الصور لدقائق على شخصيات معينة في وضع يشبه صورة الصحيفة، لأن عملية تكرار اللقطات وفق الامكانية التقنية كانت صعبة. هذه الحال اختلفت مع بدء المفاوضين السوريين والاسرائيليين تحقيق "بعض التقدم" لكن بعد اشهر بل سنتين من مفاوضات "مثمرة" بين الحكومة السورية والحكومة العمالية بزعامة الراحل اسحق رابين. واستطاع رئيس "الحزب العربي الديموقراطي" عبدالوهاب الدراوشة تدشين ذلك عندما حصل على موافقة دمشق لترؤس وفد من 57 شخصاً من فلسطينيي ال 48 زار سورية في 1994. وفي الواقع فان هذه الزيارة تختلف شكلاً عن زيارة الوفد الأخيرة نظراً لطبيعة المشاركين والرئاسة والتوقيت، لكن ربما لا تختلف كثيراً في العمق من حيث الرغبة في تمتين جسور الخيار السلمي كرسالة في الاتجاه الآخر. وكانت دمشق اعطت اشارة ايجابية في نهاية العام 1993 عندما أعلن وزير الخارجية الاميركي السابق وارن كريستوفر ان سورية وافقت على السماح لاميركيين بالبحث عن جثث يهود فقدوا في حرب لبنان 1982 اضافة الى السماح لليهود السوريين بمغادرة البلاد الأمر الذي ادى الى نقص عددهم من نحو اربعة آلاف الى 150 شخصاً والى مغادرة بعضهم وفي مقدمهم الحاخام ابراهيم حمرا الى اسرائيل. كما ان الخطاب الاعلامي خطا خطوة عندما بث حفل توقيع اتفاق اوسلو في ايلول سبتمبر 1993 والاهم ان اللقطات ضمت رابين مبتسماً اضافة الى حفل توقيع "اعلان واشنطن" بين الأردن واسرائيل. والى ذلك فان الرئيس الأسد أعلن في افتتاح الدور التشريعي السادس لمجلس الشعب البرلمان في آب اغسطس 1994 بان سورية مستعدة لقبول "الظروف الموضوعية" للسلام التي فسرت وقتذاك اسرائيلياً ب "التطبيع" الأمر الذي اعتبر حسب العقلية السورية المنطلقة من رؤية خاصة للصراع مع اسرائيل خطوة جريئة او مدة اليد الطويلة لمصافحة الآخر، على الرغم من ان ابعد ما وافق مسؤول سوري على الاعلان رسمياً عنه هو قبول "علاقات عادية" في المنطقة كما ان كبار المسؤولين كانوا يقولون "الآخر" عندما يتحدثون عن مسؤول اسرائيلي او "الطرف الآخر" عندما يتحدثون عن اسرائيل. ومن بين تلك الخطوات اياً، موافقة سورية على حضور فريق تلفزيون اسرائيلي برئاسة عمانوئيل روزين الى سورية لنقل المؤتمر الصحافي بين الأسد ونظيره الاميركي بيل كلينتون في تشرين الأول اكتوبر 1994، وثم ارسال رئيس هيئة الاركان العماد الأول حكمت الشهابي للقاء نظيره الاسرائيلي ايهود باراك في كانون الأول ديسمبر 1994 وكانون الثاني يناير 1995. وعقد جولة ثانية بين رئيسي الاركان الشهابي والجنرال امنون شاحاك في حزيران 1995، الأمر الذي اتبعه الشرع بالموافقة على التحدث مع الجالية اليهودية في اميركا واعطاء مقابلة للتلفزيون الاسرائيلي في نهاية العام 1995 بعدما كان الوزير ذاته انزعج في تشرين الأول ل "افساد الصحافيين الاسرائيليين" المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع كريستوفر في تشرين الأول من العام ذاته. وفي غضون ذلك، انتقلت وسائل الاعلام الرسمية من رفض استخدام كلمة "اسرائيل" الى الدخول في تحليلاتها الى تفاصيل المفاوضات مثل المحطة الأرضية للانذار المبكر التي اثارت جدلاً وكانت سبباً في عرقلة المفاوضات لأن اسرائيل اصرت على وجودها في مرتفعات الجولان السورية بعد الانسحاب منها، مقابل رفض سوري لما اعتبرته الصحف الرسمية "تدخلاً في الشؤون الداخلية". وكتب رئيس تحرير صحيفة "تشرين" الرسمية السيد محمد خير الوادي في 12 حزيران ان "التفاهم حول اطار الترتيبات الامنية والاتفاق على لقاء عسكريين في واشنطن خطوة ايجابية في مسيرة السلام". وتزامن ذلك مع الافادة من اللوحات المثبتة في الشوارع خصوصاً التي يمر فيها المسؤولون الاجانب في طريقهم الى القصر الرئاسي، بعبارات تدل الى الرغبة في "سلام الشجعان" و"رفض الاستسلام" و"نحارب بشرف ونسالم بشرف". واستمر ذلك الى عشية الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة، اذ ان رئيس الديبلوماسية السورية اعطى بيريز اشارة ايجابية ذات مغزى بالاستعمال السوري عندما اتهم منافسه نتانياهو بأنه من "دعاة الحرب". موعد ثان مع... التشدد لكن يمكن القول ان مقدمات بداية التأريخ الثاني في الخطاب السياسي - الاعلامي السوري بدأت في تشرين الثاني نوفمبر عندما اغتال ايغال عامير رابين وذلك نتيجة حديث بيريز عن تقديم الانتخابات الى ايار ثم تصعيد "حزب الله" و"حركة المقاومة الاسلامية" حماس و"الجهاد الاسلامي" العمليات العسكرية وذلك لوضع عراقيل اضافية على طريق التسوية التي تعارضها تلك الحركات الاسلامية. وأدى تصاعد التوتر الى عملية "عناقيد الغضب" وارتكاب بيريز مجزرة قانا ودخول المفاوضات السورية - الاسرائيلية مرحلة الجمود المستمرة الى الآن. وكان المسؤولون السوريون في طليعة من ادرك ابعاد فوز نتانياهو فحاولوا "تطويقه" على مستويات عدة. استضافت دمشق في حزيران قمة ثلاثية مصرية - سورية - سعودية دعت الى قمة عربية عقدت في الشهر اللاحق وربطت خطوات التطبيع بالتزام نتانياهو وعملية السلام وعدم نكوصه بها. كما شنّ المسؤولون حملة تبرز ايجابيات التعامل مع الحكومتين العماليتين في زمن رابين وبيريز مقارنة مع حكومة ليكود اليمينية، فكشف السفير السوري وليد المعلم الذي رأس الوفد التفاوضي السوري الى المفاوضات مستوى التقدم الذي حصل في المراحل السابقة سواء لجهة "تعهد رابين" بالانسحاب من الجولان الى خطوط الرابع من حزيران او لجهة الاتفاق على "مبادئ وأطر ترتيبات الأمن" الواجب اقامتها بين الجانبين. وكان السفير المعلم يؤكد ما كان الأسد اعلنه في مقابلة مع محطة "سي. إن. إن" في ايلول سبتمبر. وعربياً، سعت دمشق الى "اعادة الحياة" الى المقاطعة وتجميد خطوات التطبيع فجال نائب الرئيس السيد عبدالحليم خدام والشرع في كانون الثاني الماضي على الدول العربية باستثناء الأردنوالعراق تحت شعار "تطويق نتانياهو" كما سعت اوروبا في جولات خدام والشرع في آذار الماضيين الى التأكيد بأن "السلام خيار استراتيجي واننا ملتزمون ما تحقق ومستعدون لاستئناف المفاوضات من حيث انتهت" في شباط 1996. وكان البعد الاوضح لمدى رفض التعامل مع "نتانياهو اليميني العنصري المتشدد" في مستوى الخطاب الداخلي، فعادت الى افتتاحيات الصحف مصطلحات غابت عنها لسنوات. ولم يقتصر حديث المحللين الصحافيين على عموميات السلام، على عكس الاغراق في التفاصيل اثناء "خطوات التقدم"، بل صارت كلمات "الصهيونية" و"العنصرية" و"العدو الصهيوني" و"العصابات المتشددة" و"وزير حرب العدو" تجد مكاناً لها في الافتتاحيات وخطابات المسؤولين السوريين أو في الندوات التي تعقدها جهات رسمية مع التلويح بالخيار الآخر غير السلمي بين الفينة والاخرى. ومنها قول عضو القيادة القطرية لحزب "البعث" السيد توفيق صالحة في مؤتمر حزبي بث على التلفزيون الرسمي في حزيران من العام الماضي ان بلاده ستعمل على "تحرير الجولان بالاسلوب الذي تراه مناسباً" في حال "فشلت" مفاوضات السلام. كما ان معاون وزير الخارجية السفير عدنان عمران اغتنم فرصة وجود العشرات من الشبيبة ليؤكد على ضرورة "دعم المقاومة التي قدمت مئات الشهداء". ومضمون هذا الخطاب شبيه بما كان عليه الامر قبل دخول المفاوضات في 1991، اذ عادت الحرارة بقوة الى العلاقات مع "الحليف الاستراتيجي" الايراني ووقع خدام ونظيره الايراني حسن حبيبي لأول مرة في تموز يوليو الماضي بياناً ختامياً حذر من محاولات التطبيع التي "تصب في مصلحة تعزيز النفوذ الصهيوني"، وتضمن خطاب اكثر من مسؤول سوري كلمة "صهيونية". محاربة التطبيع اللغوي وفي غضون ذلك، عقدت ندوات عدة ركزت على "الاعلام في مواجهة العدو الصهيوني" و"ادوات مواجهة التطبيع". ودعا احد المحاضرين في الندوة الاولى الى عدم "الخوف لأن سورية هي الحصن المنيع الذي يسمح لكم ان تحولوا الكلمات الى معارك حقيقية". وعكست تلك المناقشات الرغبة في شكل الخطاب القديم تحت عنوان رفض "الاعتراف اللغوي" باسرائيل. وقال احدهم ان هذا الاعتراف مرّ في مراحل عدة وبدأ باستخدام الصحف العربية "فلسطينالمحتلة" في الاربعينات الى استخدام "الكيان الصهيوني" أو "العدو الصهيوني" أو "الكيان المغتصب"، الى ان انتهينا الى ازالة المزدوجين من جانبي اسم هذه الدولة. وذهب احد الحضور الى ان صنع الحلويات في بعض الدول العربية على شكل نجمة سداسية يعتبر "تطبيعاً". كما ان التلفزيون الرسمي لم يعد يبث لقطات المسؤولين الاسرائيليين يبتسمون أو يتحدثون بخطاب معتدل. وفسر احدهم ذلك قائلاً ان هؤلاء المسؤولين "لم يعطوا الفرصة لأحد كي يفعل ذلك اذ ان معظم تصريحاتهم تتضمن انتقادات لسورية وتهديدها وتحذيرها اضافة الى مشاريع وخطط تتناقض مع عملية السلام"، مشيراً الى ارتفاع "حدة العداء" للعرب في الطرف الآخر ايضاً اذ ان صحيفة نشرت "ان 37 في المئة من الشبيبة الاسرائيلية يكنون العداء والكراهية الى العرب". وفي هذه الاجواء قرر "اتحاد الصحافيين العرب" الذي اجتمع في دمشق في حزيران اعداد "قائمة سوداء" تضم اسماء الصحافيين العرب الذين يروجون ل "التطبيع" مع اسرائيل، واتخاذ عقوبات تشمل "فصل الصحافي من النقابة ومنع مشاركته في المؤتمرات الصحافية العربية والتشهير به باعتباره خرج عن الاجماع العربي وربما عقوبات مادية معينة". كما اتهم "الصحافيون العرب" موقعي "اعلان كوبنهاغن" الذي ضم مثقفين عرباً واسرائيليين خدمة للسلام، بانهم "عملاء" لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية. وبعدما كان الامل السوري في المفاوضات يصب في اطار امكانية تحييد الراعي الاميركي وخفض مستوى انحيازه الى الطرف الآخر، وبالتالي امكانية تطوير العلاقات مع "القطب الاوحد" في العالم ورفع اسم سورية من اللائحة الاميركية ل "الدول الراعية للارهاب"، ذكّر تسلم نتانياهو و"انقلابه" على السلام والاتفاقات الموقعة والالتزامات المقدمة الى الاطراف العربية، سورية بخصوصية العلاقة الاسرائيلية - الاميركية. صحيح ان كلمة "امبريالية" التي كانت تدل الى الغرب واميركا تحديداً لم تعد الى صفحات الصحف وذلك بسبب عمق المتغيرات الدولية والدور الخاص الذي تلعبه واشنطن في المفاوضات على رغم المحاولات الاوروبية، لكن وسائل الاعلام والمسؤولين لم يتوقفوا عن الاعلان بأن "انحياز واشنطن الى اسرائيل يشجع نتانياهو على التطرف" وعن "تحميل اميركا المسؤولية" وان "غض الطرف عن سياسة نتانياهو العنصرية يؤدي الى الانفجار وتهديد المصالح الاميركية". وكتبت صحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم في تموز الماضي ان اقرار الكونغرس الاميركي مشروع قانون يفرض عقوبات اقتصادية على سورية يؤدي الى "اضعاف السياسة الاميركية" في الشرق الاوسط ويدل على ان الكونغرس صار "اكثر صهيونية" من الكنيست. ووجدت هذه اللهجة الحادة تجاه اميركا واسرائيل صداها في الشارع، اذ ظهرت شعارات في اكثر من مكان في شوارع دمشق، وجاء في احدها: "ان اسرائيل اليوم لم تعد تخشى الادانات العربية بل اضحت تخاف من قنابل الفدائيين"، فيما دعا آخر الى "الموت لاميركا واسرائيل، اعداء الشعوب والسلام". ورأى كاتب شعار ثالث وقع باسم "عربي" ان استخدام واشنطن حق النقض ضد قرار يدين سياسة الاستيطان الاسرائيلية في القدس هو "احدى المؤامرات الصهيونية - الاميركية - الاسرائيلية على العرب والمسلمين" أو ان "الفيتو الاميركي عدو العرب وصديق اسرائيل". انتقال الخطاب من "الرفض الكامل" لكل ما هو اسرائيلي قبل المفاوضات الى "التهيئة" للتعامل معه في "علاقات سلم عادية" خلال تسلم حزب العمل وجريان الدم في جسم العملية السلمية ثم الى "التشدد الحذر" فور تسلم نتانياهو و"التشدد المميز" بعد اكثر من سنة على ذلك عبر استقبال ستة اعضاء في الكنيست الاسرائيلية اثنان منهم من "العمل" والثالث من "ميريتس"، لا شك انه يفعل فعله في خلق "العقل السياسي السوري" وفق حدود مدروسة بدقة لا تسقط اياً من أوراق السلم والحرب والمناورة من اليد السورية تحت عنوان خدمة الموقف والثوابت .