تواجه حكومة الفريق عمر البشير صعوبات متفاقمة على حدودها الشرقية مع أثيوبيا واريتريا، حدت بخبراء عسكريين واستراتيجيين في عواصم غربية الى التكهن باحتمال اندلاع حرب في تلك المنطقة بحلول أيلول سبتمبر المقبل. وتزامنت الانتصارات التي حققها "الجيش الشعبي لتحرير السودان" بزعامة جون غارانغ في ولايتي النيل الازرق وأعالي النيل الاسبوع الماضي مع انتهاء المهلة التي حددها مجلس الامن الدولي لتسليم ثلاثة متهمين بالمشاركة في محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك تقول اثيوبيا إن الخرطوم توفر لهم ملاذاً. وقبل أن تكتمل "فرحة" مؤيدي الحكومة بنتائج انتخابات الرئاسة والبرلمان، أعلنت قوات "الجيش الشعبي" أنها احتلت، من دون مقاومة تذكر، حامية خور يابوس التي لا تبعد كثيراً عن منطقتي الكُرْمُك وقيسان اللتين احتلتهما إبان العهد الديموقراطي الذي اطاحه انقلاب الفريق البشير. وأعلن أموم باغان مسؤول الإصلاح والثقافة في "الجيش الشعبي" أن الأخير شن هجوماً على الحامية الحكومية في مدينة فشلا القريبة من الحدود مع اثيوبيا، وتمكن من السيطرة عليها في أقل من أربع ساعات. واعتبر أن هذه العملية تهدف الى تذكير الرئيس السوداني بأن أيام نظامه باتت معدودة على حد تعبيره. وزادت حدة التوتر مع اريتريا التي احتجزت ثلاثة ايرانيين كانوا على متن طائرة الخطوط الجوية السودانية التي اختطفها رجلا أمن سودانيان، وهبطا بها في اسمرا. وسارعت الحكومة السودانية الى اتهام اثيوبيا بتنفيذ عمليتي خور يابوس وفشلا، وتسليم الموقعين الى قوات غارانغ. وهو أمر نفته أديس أبابا، ورد عليه غارانغ بغضب محذراً من أن قواته بدأت عملياً تتحرك صوب الشمال. وأكد قادمون الى العاصمة البريطانية من الخرطوم أن جوبا - كبرى مدن جنوب السودان التي تسيطر عليها الحكومة - شهدت أخيراً تمرداً خطيراً شمل آلاف الجنود ومئات الضباط الذين رفضوا تنفيذ تعليمات قادتهم في شأن العمليات العسكرية. وأكدت المصادر لپ"الوسط" أن الضباط المتمردين حوكموا سرا في الخرطوم. ويستمر انهيار معنويات القوات الحكومية المرابطة في الجنوب بسبب معلومات متداولة عن حدوث تمرد آخر في منطقة شرق الولاية الاستوائية. وكان خبراء عسكريون ومسؤولون في الحكومة السودانية أكدوا أن الخرطوم إذا ووجهت بحرب في الشرق - حيث أطول الحدود - ستعمد الى سحب القوات المرابطة في الجنوب، ما يعني تركه عملياً لسيطرة غارانغ والقبائل التي تتصارع للحصول على حصة عادلة في إدارته. واستفحلت مخاوف من هذا الاحتمال بعدما أكدت السلطات السودانية أنها نشرت قوات على الحدود الشرقية، قالت مصادر في نيروبي إن عددها يصل الى 12 ألف جندي. وفي لندن توقعت نشرة متخصصة في الشؤون الاستراتيجية ان تندلع حرب بين السودان واريتريا بحلول أيلول المقبل. وفيما ذكرت أن الولاياتالمتحدة تقدم دعماً اقتصادياً سخياً الى نظام الرئيس الاريتري أسياس أفورقي ليكون سداً منيعاً ضد التطرف الاسلامي، قالت إنه لا يمكن استبعاد أن تكون وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي. آي. ايه ناشطة في مساعدة أريتريا على تجهيز نفسها للحرب المحتملة ضد السودان. وكشفت النشرة أن أسمرا نقلت آليات ثقيلة ونشرت قوات ضخمة بمحاذاة حدودها مع السودان، وذكرت أنها فرضت حظر تجول في تلك المناطق يبدأ مع غروب الشمس. ويبدو أن الجبهة الجنوبية مرشحة أيضاً لعمليات حربية، فقد أعلنت أوغندا الاسبوع الماضي أنها أحبطت خطة لغزو أراضيها تشارك فيه قوات سودانية ومتمردون يقودهم القس الكاثوليكي المتطرف جوزيف كوني. وقالت مصادر في لندن إن كمبالا زادت عدد دباباتها من 40 الى 100 دبابة، وتتسلم منذ اسابيع كميات ضخمة من الاسلحة من كوريا الجنوبية والصين وجنوب إفريقيا. كما حصلت على دبابات أميركية متطورة من طراز "فيريت". وقالت معلومات أن حكومة الرئيس يويري كاغوتا موسوفيني تعاقدت على شراء 100 ناقلة جند مدرعة من جنوب افريقيا، تسلمت منها فعلياً 40 مركبة، وأن بعضها لا يتأثر بالألغام الأرضية. كما تسلمت 10 ناقلات جند مدرعة حولتها الى كاسحات ألغام. ونجحت أوغندا في صيانة 6 بطاريات صواريخ باليستية روسية الصنع، والتزمت بكين تزويدها صواريخ لتعزيز دفاعاتها الجوية. وأفادت معلومات أخرى أن القوات الاوغندية نفذت مناورات بالذخيرة الحية أخيراً شاركت فيها وحدات قتالية من الجيش الاريتري و"الجيش الشعبي لتحرير السودان" جناح غارانغ، حضرها ضابط أميركي برتبة جنرال. وأوفدت الولاياتالمتحدة 10 خبراء الى كمبالا لتدريب الاوغنديين على تركيب أنظمة الصواريخ والأساليب القتالية الأخرى. وتقول مصادر ديبلوماسية افريقية في لندن إن "الجيش الشعبي لتحرير السودان" تلقى نهاية العام الماضي مساعدات عسكرية من واشنطن مكنته من إحراز النجاح الذي حققه أخيراً. وكان موسوفيني صرح أخيراً بأنه سيواصل التفاوض مع السودان، لكنه قال "إن التوصل الى اتفاق مع حسن الترابي أمر ليس سهلاً". وأضاف - في معرض رده على أسئلة طلبة جامعة مكريري الاوغندية - أن المشكلة الاساسية مع الترابي أنه يريد "تعريب الاوغنديين وأسلمتهم". وعلى رغم أن خبراء يعتقدون بأن احتمالات نشوب حرب اثيوبية - اريترية - سودانية أمر غير مرجح، فإنهم يتوقعون أن يواجه نظام الفريق البشير هذا العام صعوبات جمة، "قد ينبع بعضها من اريتريا". وتنفي الحكومة السودانية أن تكون وراء محاولات زعزعة استقرار الدول المجاورة لها. غير أنها أعلنت - إثر الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية - أنها ستواصل السياسات نفسها المعلنة منذ العام 1989.