أثارت محاكمة المبارك بومعرافي المتهم باغتيال الرئيس محمد بوضياف اكثر من تساؤل، في خضم الاستعدادات للانتخابات الرئاسية. واستوقف المراقبين اختفاء وثائق مهمة من ملف القضية، اذ تسلم الدفاع 73 وثيقة من اصل 268 وثيقة، كذلك تسلم الدفاع تقرير لجنة التحقيق ناقصاً اكثر من 70 صفحة من اصل 888 صفحة. ويسود اعتقاد بأن الاتجاه الرئيسي في المحاكمة هو البحث عن "اكباش فداء بسطاء" على رأسهم المتهم طبعاً. وحسب التحقيقات الاولية مع المتهم فان بومعرافي اعترف بانه "تصرف بمفرده" ولا علم او دخل لأي من زملائه في "مفرزة التدخل الخاص" التابعة للأمن العسكري. الا ان المحقق، وهو ضابط، اشار بأصابع الاتهام، من دون تحفظ، الى "مصلحة الحماية الرئاسية" معتبراً انها "شريك موضوعي" للمتهم. أما لجنة التحقيق فسارت في المرحلة الاولى على نهج ان المتهم ارتكب جريمته بناء على قناعة سياسية محددة هي انتماؤه الى التيار الاسلامي. لكن نظرتها تغيرت كثيراً في تقريرها النهائي بعد ان اكتشفت ان بومعرافي "يتعاطى الخمور والمخدرات"، ولاحظت اندهاش زملائه لتصريحه امام المحققين بأنه ينتمي الى "التيار الوطني الاسلامي". وبعد ستة أشهر من التحقيق والبحث والاستماع الى كبار المسؤولين في الجيش والحكومة ورئاسة الدولة، وعشرات الكوادر التي يمكن ان تساهم في كشف غموض اغتيال بوضياف انتهت لجنة التحقيق الى فرضيتين: "فرضية البرمجة"، ومفادها ان "المتهم وضع من دون علمه في حالة استعداد للقتل، من طرف شخص أو جماعة على علم باستعداده لاغتيال كبار المسؤولين". و"فرضية المشاركة"، ومفادها ان "المتهم طرف وتصريحاته تستهدف تبرير جريمة مدبرة من آخرين". ومهما يكن تنفي اللجنة نفياً قاطعاً ان يكون المتهم تصرف بمفرده، ومن ثم ترى ان وراءه محرضين سواء كانوا جماعة أو منظمة. وأشارت لجنة التحقيق في تقريرها الختامي بأصابع الاتهام في اتجاهين: 1- اتجاه "اولئك الذين يشعرون بالاحباط بسبب تجريدهم من نصر انتخابي ويرون في المجلس الاعلى للدولة مغتصباً للخيار الشعبي"، اي "الجبهة الاسلامية للانقاذ" والتي حكم انصارها بالاعدام على اعضاء المجلس الاعلى للدولة بدءاً بالرئيس بوضياف! وحاولت اللجنة ان تدعم هذا الاتجاه بشواهد ضعيفة مثل "تهليل إمام في مرسيليا لاغتيال بوضياف"! "أسوة بأحد رجال الدين في طهران". 2- اتجاه "الاقطاعيات السياسية والمالية التي كدست ثروات طائلة ولا يمكنها ان ترضخ لفكرة التخلي عن السلطة أو تقبل بأن تحاسب على تسييرها". وفي الختام اعلنت "لجنة بوشعيب" عن فشلها في تسليط الاضواء على جريمة اغتيال بوضياف وكشف المحرضين عليها ومدبريها، وبناء على ذلك فضلت احالة القضية على العدالة لمواصلة التحقيق. وجاء الاقرار بالفشل على النحو الآتي: "ان اللجنة لم تتوصل الى اثبات الطابع المبيت والارادي لتقصير مصالح الأمن - بدءاً بمصلحة الحماية الرئاسية - أو الى تحديد هوية شركاء بومعرافي المحتملين". لكن هذا الوضوح في النتائج التي انتهت اليها اللجنة لم يمنع بعض وسائل الاعلام المحلية من التركيز على "الفعل المنفرد" للمتهم. ولوحظ ان هناك حرصاً واضحاً منذ اغتيال بوضياف قبل ثلاث سنوات على تبرئة ساحة الجيش والأمن العسكري بوجه خاص. والدليل الاول احالة المتهم على القضاء المدني وكان المفروض ان يُحال بصفة عادية تماماً على المحكمة العسكرية في البليدة، علماً ان المتهم ينتمي الى وحدة خاصة تابعة للامن العسكري. والدليل الثاني هو محاولة اقحام وزارة الداخلية وتحميلها القسط الاكبر من المسؤولية. اما الدليل الثالث فيتمثل في الوثيقة الرقم 260 التي يطالب دفاع بومعرافي باعادتها الى ملف القضية. وقد جاء في التقرير الختامي للجنة التحقيق بهذا الصدد "ان اللجنة بعد استماعها لكل من العميد محمد مدين توفيق والعقيد اسماعيل العماري، تسلمت من المخابرات وثيقة تشير الى تحركات مشبوهة لأشخاص في الخارج بضعة أيام قبل عملية الاغتيال". ومنذ الغاء انتخابات 1991 اصبحت التهم الموجهة الى الخارج تصوب مباشرة وفوراً الى كل من ايران والسودان اللذين تعتبرهما السلطات الجزائرية "امتداداً طبيعياً" لجبهة الانقاذ. لكن في اية حال يرفض الرأي العام تحويل بومعرافي الى كبش فداء ويطالب بكشف الحقيقة.