سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" تحاور أبرز زعيمين شيعيين عراقيين معارضين لصدام و"الشاهدة" الأجنبية الوحيدة التي زارت جنوب العراق . هذه هي الأهداف الحقيقية لخطة حماية أهالي جنوب العراق
أكد أبرز زعيمين شيعيين عراقيين معارضين للرئيس صدام حسين، في مقابلة خاصة مع "الوسط"، ان شيعة العراق يعارضون تقسيم هذا البلد وتجزئته، وأعربا عن تأييدهما لقرار دول التحالف ايجاد حماية دولية لأهالي جنوبالعراق من ممارسات نظام صدام حسين القمعية. واتفق الزعيمان الشيعيان على القول ان الهدف الأساسي من التحرك الدولي الحالي لحماية أهالي جنوبالعراق هو العمل على اسقاط نظام صدام حسين. هذان الزعيمان الشيعيان العراقيان هما السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وهو مقيم في إيران حيث اتصلت به "الوسط"، والسيد محمد بحر العلوم الشخصية الدينية البارزة في حركة المعارضة العراقية وهو يقيم في لندن وكان عضواً في وفد المعارضة الذي زار واشنطن في الفترة الاخيرة وتباحث مع كبار المسؤولين الاميركيين. وقد أجرت "الوسط" حواراً مع السيدين الحكيم وبحر العلوم وكذلك مع النائبة البريطانية المحافظة ايما نيكلسون التي زارت جنوبالعراق مراراً - وتعتبر الشاهدة الاجنبية الوحيدة التي تفقدت هذه المنطقة -. باقر الحكيم ولنبدأ اولاً بالسيد محمد باقر الحكيم، وقد اجرينا الحوار معه هاتفياً خلال وجوده في مدينة قم. * ما هو تصورك للمنطقة الآمنة في جنوبالعراق، وهل تعتبر ان ذلك هو مقدمة لتقسيم العراق إذا تخطى حدوداً معينة؟ - لا نقبل بأي شكل من الاشكال ان تكون المنطقة الآمنة مقدمة لتقسيم العراق، وأعتقد ان هذا الأمر غير وارد بالنسبة الى المنطقة الجنوبية، أولاً، لأن شيعة العراق موزعون في كل مناطق العراق، وكذلك لوجود عدد لا بأس به من اخواننا السنة في الجنوب. والهدف من وراء انشاء منطقة آمنة هو حماية السكان من العمليات العسكرية التي يقوم بها نظام صدام حسين. وأعتقد ان احد الضمانات لعدم التقسيم هو وجود كيان سياسي يمثل الحالة العراقية بشكلها الكامل وبشكل موحد، وهذا سيؤكد وحدة العراق. * هل هناك موقف موحد للقيادات الشيعية العراقية بخصوص المنطقة الآمنة؟ - الموقف موحد وإيجابي تجاه مسألة المنطقة الآمنة. ونعتقد ان هناك اتفاقاً بين ابناء الشعب العراقي على الا يكون هناك اية تجزئة او تقسيم للعراق. * ما هو سر الاهتمام الدولي بجنوبالعراق الآن؟ - في تفسيري ان هذا الاهتمام يعود الى وجود رغبة دولية باسقاط صدام حسين تتوافق مع رغبة حقيقية لدى ابناء الشعب العراقي. ولقد عبر أهلنا في الجنوب عن هذه الرغبة في آذار مارس 1991. وقد اكتشفت العواصم الغربية المعنية عدم وجود طريق آخر لازاحة صدام الا من خلال الشعب العراقي. بعض القوى كانت تحاول تغيير صدام حسين عن طريق الانقلابات العسكرية وعن طريق بعض ضباط الجيش العراقي من اجل ان تبقى الهيمنة على الأوضاع من خلال هؤلاء العناصر، هذه سياسة اتبعت في العراق من قبل القوى الاجنبية منذ عقود عدة. المجتمع الدولي كان ينظر الى وضع العراقيين نظرة لامبالاة في السابق، وكان يقف الى جانب رغبات صدام حسين. بعد غزو الكويت، اصبح صدام حسين يهدد النظام الدولي. وقد فشلت جهود القوى المؤثرة مثل الولاياتالمتحدة الاميركية التي كانت تسعى الى الخلاص من صدام عن طريق عناصر في الجيش العراقي، وكانت تخاطب هذه العناصر احياناً بالعلن وأحياناً بالسر، ولذلك يتم التركيز الآن على العمل لاسقاط صدام من خلال الشعب العراقي. وبدأ التفكير بالطريقة الاخرى، وهي ان تكون هناك حماية للشعب، والشعب هو الذي يتكفل بمهمة اسقاط صدام. * ما الذي منع قوات التحالف من مساعدة الانتفاضة العراقية في آذار مارس 1991 ولماذا تبدل الوضع الآن؟ - هناك تفسيرات عدة، التفسير الأول: انه قيل لقوى التحالف: اقضوا على الانتفاضة ونحن نقوم بالانقلاب العسكري ضد صدام ونجنبكم مشكلات الانتفاضة، وبعضها مشكلات سياسية والبعض الآخر اجتماعي، إضافة الى تخوف من ان يكون هناك نفوذ لبعض الدول المجاورة للعراق في الوضع العراقي الداخلي، او غير ذلك من المشكلات. التفسير الثاني هو ان المجتمع الدولي فوجئ بالانتفاضة لأنه كان يعتقد ان الوضع في العراق مسيطر عليه بشكل كامل، خصوصاً انه بعد 40 يوماً من القصف الجوي لم يكن هناك اي تحرك شعبي. عندما حدثت الانتفاضة في الجنوب، كان هناك تصور بأنها تمت بسبب دعم خارجي. وقد شجع صدام على هذا الامر من خلال اعلامه، الامر الذي دعم التفسير القائل بأن الانتفاضة تتم بفضل العامل الخارجي. التفسير الثالث قد يكون لأسباب داخلية اميركية لها علاقة بالانتخابات الرئاسية. * هل حصلت العواصم الغربية المعنية بالوضع في العراق على ضمانات من القيادات الشيعية العراقية بعدم اتباع سياسة مؤيدة لايران؟ - أنا أتكلم عن نفسي، ان القيادات الغربية لم تحصل على ضمانات، وإنما تبينت لها الحقيقة وهو ان ما جرى داخل العراق كان قضية داخلية ولم تكن بسبب عوامل خارجية. الآن بعض مراجعة المرحلة الماضية وحسابات القوى الغربية تأكدت هذه القوى ان هناك رفضاً واضحاً للنظام. وهم يعرفون في واشنطنولندن ان الحدود بين العراقوايران في جنوبالعراق مغلقة بشكل كامل بالجيش العراقي، وأن المنطقة داخل الأهوار محاصرة بالكامل، ومع ذلك لا يزال الناس يقاومون من دون اية مساعدة خارجية، الأمر الذي يعني ان أية مقاومة هي من الداخل وليست من الخارج. * ما هي وسائل الاتصال التي تربطكم بالداخل العراقي ومنطقة الاهوار؟ - هناك وسائل متعددة، بعضها عبر تسلل الاشخاص، لا سيما ان شريط الحدود واسع، والسكان الذين يعيشون على جانبي الحدود من جنس واحد وعشائر واحدة. كما ان هناك اجهزة اتصال لاسلكية نعتمد عليها بشكل اساسي في نقل الاخبار. وأخبارنا دقيقة ومباشرة ومن أرض العمليات. * هل قمتم بتزويد الولاياتالمتحدة وغيرها بالأدلة التي تثبت استعمال صدام للطائرات الحربية ضد اهالي الجنوب؟ - نعم، لقد زودنا ممثلي دول مجلس الأمن بهذه الأدلة. * وهل كانت تتضمن صوراً حية؟ - قدمنا معلومات دقيقة، مرسومة ومصوّرة بالاضافة الى ان معلومات الديبلوماسيين داخل العراق جاءت متطابقة مع ما قدمناه من معلومات. لقد قدّم الديبلوماسيون البولونيون تقارير متطابقة مع تقاريرنا مثلاً حول ازدحام المستشفيات في المناطق الجنوبية بالجرحى. * هل اتصل بك مسؤولون غربيون للاطلاع على موقفك من موضوع انشاء المنطقة الآمنة؟ - لقد جرت اتصالات مع ممثلينا الموجودين في مجلس الأمن وفي لندن، وهم مكلفون بإجراء اتصالات تتعلق بهذا الموضوع. * كم عدد السكان المتواجدين في منطقة الأهوار وكم تبلغ نسبة المقاتلين بينهم. - بالنسبة الى عدد السكان فهو يتراوح بين 400 ألف و500 ألف، لكن هذا العدد معرّض للمد والجزر بسبب العمليات العسكرية حيث التهجير والتهجير المضاد. أما عدد المقاتلين فلا يوجد سجلات بهم، ولقد حدثني احد المشايخ من اعضاء المجلس الأعلى الذي شارك في احدى المعارك هناك، كيف انضم رجال عشائر بكاملها للدفاع عن منطقتهم بعد تعرضها الى الهجوم، وكان من الصعب التمييز بين المقاتلين الاصليين وغيرهم. * لو توقف النظام في بغداد عن استخدام الطائرات ذات المحرك الثابت، الى اي مدى ستكون قواتكم في المنطقة قادرة على الحاق الهزيمة بالقوات النظامية؟ - ان مجموعاتنا نجحت في الدفاع عن مواقعها، والقضية الاساسية الاولى التي يجب ان يحاربها المجتمع الدولي هي عملية تحويل مجاري الأنهار، فهناك انهار مثل نهر ابو شدر ونهر المجر وغيرهما تم تحويلها بالكامل. والآلاف من الناس يعيشون حالة مأسوية بسبب عدم وجود مياه. والحصار الآن حصار حياتي وليس عسكرياً، فالحيوانات بدأت تنفق والنبات ييبس. القضية الثانية هي استخدام الاسلحة البعيدة المدى، وتأثيرها لا يقل عن تأثير الطائرات من حيث التدمير وإيذاء السكان، وإذا توقف النظام عن القيام بهذه الممارسات، فلا شك ان الشعب سيصبح الأقوى. * هل لديك تصور عن طبيعة العلاقة التي ستربط المنطقة الآمنة في جنوبالعراق بالدول المجاورة، وعلى الأخص ايران، وهل انت على استعداد للعودة الى جنوبالعراق في حال اصبح تحت الحماية الدولية؟ - لا يوجد لدي تصور كامل حالياً، قد تستغربون ذلك، الا ان الهم الاساسي لديّ هو حماية الناس، وبعد أن تتم الحماية، نبدأ بالنظر الى الواقع القائم ونتعامل معه. أنا مصمم على العودة الى العراق، ونحن جميعاً مصممون على ان تكون لنا علاقات حسن جوار وتفاهم مع كل الدول المجاورة، خصوصاً في المناطق الجنوبية. وقد قمت بزيارات لهذه الدول وطرحنا الكثير من الافكار معها. * هل أثرت موضوع المنطقة الآمنة خلال هذه الزيارات؟ - أشرت اليها من باب حماية الناس من العمليات العسكرية. * ماذا كانت ردود الفعل؟ - لقد عانى الكويتيون على يد صدام، ولا شك انهم سيقدرون اية خطوة في اتجاه حماية السكان العراقيين في الجنوب من بطش النظام. بحر العلوم واتصلت "الوسط" بالسيد محمد بحر العلوم وأجرت معه الحوار الآتي: * ما هو سر الاهتمام الغربي المفاجئ بجنوبالعراق، والأهوار على وجه الخصوص؟ - مسألة الأهوار مسألة حيوية. نصف سكان الجنوبالعراقي يحتمون في الاغوار، النظام يريد ان يصفي غالبية الجنوب، لأن الجنوب بطبيعته ثائر، خصوصاً بعد انتفاضة العام الماضي. * ما تتعرض له الأهوار متواصل منذ اشهر، لماذا التحرك الدولي الآن لحماية هذه المنطقة؟ - أنا اعتقد ان موضوع الاهوار اصبح حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، بالاضافة الى ان الطريق الوحيد لاسقاط النظام هو اعطاء المجال للعراقيين للتحرك من الجنوب، كما اعطي المجال للأكراد للتحرك من الشمال حتى يقع النظام بين فكي كماشة. لقد قلت للمسؤولين الاميركيين الذين التقيتهم اذا استطاعت الدول الكبرى ان تمنع صدام من تحليق الطائرات المقاتلة واستعمال الاسلحة الفتاكة فإن الشعب العراقي في الجنوب يتسطيع الوصول الى بغداد. المسألة تبقى بالسلاح العادي وهذا امر بسيط. الانتفاضة لم يجهضها إلا استعمال الطائرات والاسلحة الصاروخية. والشيء الآخر هو ان اطمئنان القوى الكبرى بأن الشيعة في العراق لهم واقعهم واهتمامهم باستقلالية قرارهم وأنهم يرفضون تقسيم العراق وتجزئته. لقد أكدنا للمسؤولين الاميركيين وغيرهم اننا نريد ان نتعايش مع الدول المجاورة بسلام، ولن ندخل بحال من الأحوال تحت مظلة اقليمية. قد تتصور بعض القوى اننا سنذهب غداً الى جهة معينة فنكوّن وضعاً خطيراً على المنطقة. نحن عرب عراقيون. * خلال اجتماعك مع جيمس بيكر هل سألك هو، أو احد اعضاء الوفد عن تصور شيعة جنوبالعراق لمستقبل الوضع؟ - قلنا للمسؤولين الذين التقيناهم في الولاياتالمتحدة على اختلاف رتبهم، ان شيعة العراق ضد تقسيم العراق ولا يريدون تجزئته ولا الدخول تحت مظلة اقليمية. نحن عرب لنا تراثنا وواقعنا وإمتدادنا ونتعامل مع كل دول الجوار معاملة طيبة، بغض النظر عن الروابط التي تربطنا بالدول الاخرى، سواء كانت هذه الروابط أسرية او مذهبية. * هل كان جيمس بيكر حريصاً على ان يسمعك تردد ذلك؟ - لقد كان جيمس بيكر على قناعة بأن هذا هو موقفنا وعلى ضوء ذلك دعانا للمقابلة. * وماذا قلت له عن علاقتكم المستقبلية بإيران؟ - قلت ان علاقتنا مع دول الجوار يجب ان تكون جيدة ومتوازنة مع مصلحة العراق، وأكدنا عدم الميل الى أي جهة من الجهات الاقليمية والتأكيد على استقلالية القرار العراقي، وكنت أؤكد انا هذه الحقيقة في كل مناسبة. * هل هناك اي تصور اميركي لطبيعة الحماية الدولية المعروضة لمنطقة الجنوب؟ - في الحقيقة لم يكشف احد من المسؤولين الاميركيين عن نوعية الحماية التي سيعملون على تحقيقها في الجنوب، ولكن وعدونا بأن يدرسوا ذلك ويحققوه في اقرب فرصة وهم تأكدوا من ان الجنوب يتعرض لعملية إبادة وقمع قد تدمره تماماً. وقد اثار الاخوة الاكراد هذا الرأي خلال لقائهم مع الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي وعد ببذل جهده. * هل حاولت ان تعرف من المسؤولين الاميركيين لماذا لم يساعدوا ابناء الجنوبالعراقي اثناء ثورتهم العام الماضي؟ - لم احاول طرح الماضي خلال زيارتي الاخيرة، ولكن سبق لي ان تحدثت مع بعض الشخصيات الاميركية التي لها علاقة بالادارة الحالية، وبينوا لي ان الادارة كانت تخاف ان ينضم الجنوبالعراقي الى ايران اذا ما سقط صدام. وخلال مراجعاتنا واتصالاتنا بالمسؤولين الغربيين كنا نؤكد دائماً حقيقة واحدة، هي اننا مستقلون ونعمل من اجل عراق حر مستقل لن يخضع لأي ارادة اجنبية مهما كانت صفتها وحقيقتها. ولقد اكد هذا الموقف المؤتمر الوطني العراقي الذي انعقد في فيينا في ايار مايو الماضي بأننا اصحاب قرار مخلص لوطننا ونعمل من اجل ايجاد عراق حر مستقل يمثل الواقع الدستوري التعددي. * هل حصلت الولاياتالمتحدة على صور او وثائق تؤكد استخدام العراق للطائرات الحربية المقاتلة؟ - لمست من المسؤولين في الادارة الاميركية، وعلى مستوى عال، ان لديهم معلومات تؤكد اصرار صدام حسين على ابادة سكان المنطقة الجنوبية، وقد طالبونا بأن نزودهم بما نحصل عليه من معلومات تتعلق بالأهوار ومطاردة النظام للثوار. وكانت النائبة البريطانية ايما نيكلسون، وبجرأة شديدة، نجحت في الدخول الى المنطقة مرات عدة وحصلت على كل ما يدعم أقوالنا بالصور ليطلع العالم على ما يرتكبه النظام ضد ابناء الشعب الأعزل من السلاح. * ما هي الوسائل التي يستخدمها النظام لقمع السكان في الجنوب؟ - القصف الجوي، الصواريخ، المدفعية، تشديد الحصار على منطقة الجنوب لمنع وصول الغذاء والدواء، ترغيب بعض السكان في الانتقال الى خارج الأهوار، كما اشارت وسائل الاعلام العراقية نفسها الى ذلك قبل اشهر. كل هذا دفع بالبعض للاستجابة الى اغراءات النظام او الانتقال الى الجانب الايراني الذي لم تتمكن السلطات العراقية من الوصول اليه. شيء آخر لم اشر اليه، وهو ان قسماً من مناطق الاهوار يحتفظ بمخزون نفطي كبير مثل جزر مجنون، ويعتبر الخبراء ان في تلك المنطقة ثاني اكبر مخزون نفط في العراق وربما في العالم وهذا الامر له اهميته. * وكم يبلغ عدد سكان الاهوار حالياً؟ - الرقم الذي اتصوره لا يتعدى 150 الى 200 ألف نسمة، في حين تقول قيادات شيعية اخرى ان عدد السكان يصل الى نصف مليون. * ماذا عن اهمية المنطقة جغرافياً وسياسياً؟ - منطقة الأهوار مهمة في اطار الوطن العراقي لأنها تشكل مثلثاً كبيراً من ثلاث محافظاتجنوبية هي الناصرية والبصرة والعمارة، ويسكن هذه المنطقة عشائر عربية منذ قديم الزمان أبرزها البومحمد وبني لام وشعب وبني طرف ومرق وغيرها. ويمكنني القول ان العشائر تؤلف قرابة مئة ألف نسمة او ما يزيد عن ذلك بقليل. والمثلث قديم ويتجاوز عمره عشرات السنين بل ومئات السنين، وقد انطلقت منه شرارة الثورة في العشرينات ضد الانكليز حيث انتصر ابناء المنطقة لمصلحة الدولة العثمانية، ويعتبر المؤرخون ان منطقة الناصرية كانت فيها حضارة الكلدانيين والسومريين. ويعتمد سكان العشائر وأهل المنطقة بشكل عام في معيشتهم على صيد الأسماك والطيور وزراعة قصب السكر. ولعل اشهر مناطق الاهوار هي هور الحمّار الذي يشبه الى حد ما البندقية في ايطاليا. وقد حاولت حكومات عراقية سابقة تحويله الى منطقة سياحية. وللأهوار عادات وتقاليد عربية وحتى العشائر التي تسكن الهور في الجانب الثاني من الحدود أي الجانب الايراني هي من اصول عربية، وأشير هنا الى قبيلتي كعب وبني طرف. هذه المناطق اصبحت محمية بواسطة المياه الغزيرة من اعتداء الانظمة على الثوار والفارين من مشاكل الدولة. وحين اندلعت الحرب العراقية - الايرانية كانت المعارك تجري قرب الاهوار في منطقة المحمرة وعبادان والسبتان أي "الأهواز" مما اضطر الكثيرين من سكانها الى الابتعاد عن مناطق الحرب، وسكنوا هناك حيث ان كثيراً من الجزر تظهر في وسط المياه وتساعد السكان على العيش، وعندما امتدت رقعة الحرب اضطر الكثيرون من المواطنين الى الفرار، كما ان الجنود الذين فروا من القتال احتموا بهذه الاهوار. واستمر الحال بهؤلاء وعددهم يتكاثر بعد الحرب، وكانت الحاجة الى القصب والحصر كبيرة، لأهميتها في بناء المنازل. بعد غزو العراق للكويت وقصف دول التحالف للمناطق العراقية، وعلى الأخص المناطق السكنية المتاخمة للكويت كالبصرة والناصرية، اضطر الكثيرون من سكان هذه المنطقة للجوء الى الأهوار وقاية لهم من شرور الحرب، وكلما ازداد غضب المواطن العراقي نحو النظام وتعالت صيحاته بالرفض القاطع، خصوصاً بعد الانتفاضة التي حدثت في شهر آذار مارس عام 1991 وملاحقة النظام العراقي للثائرين، اضطر العدد الكبير ان يلجأ الى الأهوار، لهذا كله، باختصار، اصبحت منطقة الأهوار ملجأ للمعارضة العراقية. لقد قام النظام العراقي بمحاولات عديدة لقهر سكان الأهوار، تارة بتحويل مجاري الأنهار او غيرها، وأعتقد ان عملية تجفيف الانهار عملية مستحيلة لانخفاض المنطقة عن مستوى البحر، كما ان اعتماد الأهوار على المياه التي تتسبب بها الامطار من العوامل التي تحول دون ردمها. وقد لجأ النظام الحاكم الى محاولات عديدة لابعاد السكان عن المنطقة. ففي العام 1982، امر صدام حسين طلاب المدارس بالذهاب الى منطقة الأهوار والعمل على قص القصب حتى تبقى الأهوار مكشوفة وتسهل مهاجمتها، وتسمّم الكثير من الطلاب بسبب لسعات الافاعي وغيرها من الحيوانات والحشرات والأسماك القاتلة، مما أدى الى فشل النظام في تحقيق اهدافه. * ما هو حجم ونوعية التنسيق بينك وبين السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية تجاه الوضع في جنوبالعراق؟ - أنا أحاول أن لا أهدم الجسور بين كل القوى العراقية التي لها صلة بقضيتنا الكبرى، وفي مقدمة هؤلاء الأخ السيد محمد باقر الحكيم. قبل سفري الى الولاياتالمتحدة اتصلت به ووضعته في الصورة وأرسل لي رسالة بالفاكس يعرض بها عدداً من الافكار. أنا على اتصال دائم به، وأهتم بوضع جميع اخواني المعارضين في الصورة لأنني على قناعة تامة بأهمية جمع الشمل وتوحيد الصف ووحدة الكلمة. * هل حصلت بشكل مباشر او من خلال السيد محمد باقر الحكيم على موقف ايراني من المنطقة الآمنة للشيعة في الجنوبالعراقي؟ - لا لم أحصل على شيء واضح. ان السيد محمد باقر الحكيم يؤيد وجود منطقة آمنة في جنوبالعراق وقد صرّح بذلك قبل مدة. كما ان الحكومة الايرانية اصدرت بياناً في هذا الاتجاه. وتصوري ان المنطقة الآمنة يجب ان تكون بعيدة عن كل التأثيرات الاقليمية. * هل هناك توافق بين القيادات الشيعية الفاعلة حول هذا الموضوع؟ - نحن بصدد توحيد موقف حول هذا الموضوع، ومقتنعون قناعة تامة بضرورة انتقالنا الى هذه المنطقة فور تأمين الحماية اللازمة، وسأكون أول الواصلين اليها. ايما نيكلسون التقينا النائبة المحافظة ايما نيكلسون وهي الشخصية الاجنبية الوحيدة التي زارت جنوبالعراق وأجرينا معها الحوار الآتي: * متى زرت جنوبالعراق؟ - لقد زرت جنوبالعراقمرات عدة، زيارتي الاولى كانت في شهر ايلول سبتمبر عام 1991 وزيارتي الاخيرة في حزيران يونيو عام 1992. * ما رأيك بالخطوات التي تعتزم دول التحالف اتخاذها لحماية جنوبالعراق من الطلعات الجوية الحربية العراقية؟ - ان هذه الخطوة هي خطوة اولى مهمة على صعيد تأمين الامن والاستقرار للسكان الشيعة في جنوبالعراق. لقد قمت بمهمة جمع شواهد وأدلة على ممارسات النظام العراقي منذ مدة غير قصيرة، وكنت احرص على لقاء الوزراء البريطانيين ووضعهم في صورة ما يجري في جنوبالعراق، كما كنت على اتصال مع المسؤولين الاميركيين، لا سيما في وزارة الدفاع الاميركية. وما فاجأني في البداية ان الاميركيين كانوا في المراحل الاولى غير مستعدين لتصديق ما أقدمه من أدلة وشواهد على ممارسات الحكومة العراقية ضد سكان الجنوب. وكان ردهم ان العراقيين مشهورون بالمبالغة وتضخيم الأمور. ومثل هذا النوع من رد الفعل الاميركي كان وراء قيامي بزيارة اخرى، بعد زيارتي الأولى بأربعة اسابيع، من اجل جمع شواهد قاطعة ومقنعة، إضافة الى أفلام مصورة بالفيديو ووثائق، بعض منها قمت بتقديمه للأمم المتحدة في شهر شباط فبراير الماضي في جنيف. * لماذا لم يصدقك الاميركيون آنذاك؟ - لأنهم لم يكونوا يريدون تصديق ذلك. * ما السبب؟ - قد يكون انهم يشعرون بعقدة دعم العراق خلال الحرب العراقية - الايرانية. وعليك ان تتذكر ان الولاياتالمتحدة الاميركية ليست لديها خبرة واسعة بالعراق وأوضاعه بالشكل الذي تعرفه الحكومة البريطانية. * ما هي الادلة التي قدمتها للحكومة البريطانية او الاميركية عن ممارسات النظام العراقي في مناطق الاهوار؟ - لقد جمعت خلال عام نوعين من الأدلة، النوع الأول كان بمثابة شهادات من ضحايا ما بعد حرب الخليج الثانية. وكان رد فعل المسؤولين في وزارة الدفاع الاميركية الأولي ان هذه الافادات هي شيء من الماضي. كما عرضت على الممثل الشخصي للأمين العام للامم المتحدة الآغا خان ادلة واثباتات في شهر كانون الاول ديسمبر الماضي اخذها معه الى بغداد وعرضها على المسؤولين العراقيين. وقد رفض صدام حسين تصديق ذلك الامر الذي حمل الآغا خان على الاستقالة من منصبه بعد ان وجد انه لا فائدة من التعامل مع النظام العراقي. * ألا تعتقدين ان ايجاد منطقة آمنة في جنوبالعراق قد يؤدي الى تقسيم البلد ولو في مرحلة لاحقة؟ - ليس امراً مقنعاً ان نقول ان البطش هو الوسيلة التي يمكن ان تحفظ بلداً ما موحداً، وإذا كانت رغبة الناس هي الاستمرار في العيش بالصيغة السابقة فهذا امر حسن، وآمل ان يستمر العراق وسكانه بالعيش من دون ان يكون هناك دافع للعمل على تقسيمه. ما هو مطلوب الآن هو ان يتعاون الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب لاسقاط صدام حسين.